وصية أب لابنته ليلة الزفاف
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@hotmail.com
كلنا يعرف تلك الوصية التي أوصت بها الأم العربية الأصيلة (أمامة بنت الحارث) ابنتها ليلة زفافها، وهي كلمات بليغة كأنها تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم، بتفعيلها وتطبيقها تتحول البيوت إلي واحات يغرد فيها الزوج والزوجة، وينعم فيها الأبناء بالسكينة والطمأنينة، ويرفرف على البيت الهناء والسعادة والرضا.
ولا شك أن المرأة (الزوجة) تعرف ـ بعد هذه الخبرة في الحياة الزوجية مع الزوج ـ ما يكدر صفو الرجل (الزوج)، وما يعكر نقاءه، ما يغضبه وما يفرحه، ما يسعده وما يحزنه، ما يحبه وما يكرهه، ما يريحه وما يتعبه، ومن هنا فإن لكلماتها قيمة ووزنا ومصداقية بما يجعلها أهلا للتنفيذ والامتثال، فهي تنقل خبرتها الطويلة في كلمات نافعة لهذه الابنة التي تستقبل مع زواجها بداية حياة جديدة حينما قالت لابنتها: أي بنية احفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا.
الأولى والثانية: الخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
الثالثة والرابعة: التفقد لمواقع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
الخامسة والسادسة: التفقد لوقت منامه وطعامه، فإنَّ تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
السابعة والثامنة: الاحتراس بماله والإرعاء علي حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرا، ولا تفشين له سرا، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما، والكآبة بين يديه إن كان فرحا. ا.هـ.
وإذا كانت هذه وصية أم خبرت الحياة الزوجية، وتعرفت على مزاج الزوج كيف يكون، وما السلوك المناسب له في كل حال، فإن وصية الأب لابنته تعد أوقع وأصدق من وصية الأم لابنتها في هذا السياق؛ لأن الأم تعبر عن مكنون الزوج الذي خبرته وتعرفت إليه طوال هذه الفترة، أما الأب فهو يتحدث عن نفسه مباشرة دون وساطة من أحد حتى لو كان هذا الأحد هو الأم، التي هي الزوجة، أقرب الناس إلى الزوج.
ومن هنا فإن وصايا الأب لابنته بما يجب أن تقوم به تجاه زوجها هو الأصدق والأوثق والأوقع، وفي نفس درجته تماما من الصدق والواقعية والثقة والتأثير عندما تقوم الأم بوصية ابنها بما يجب أن يقوم به تجاه زوجته، فهي تعلم ـ بحكم كونها زوجة ـ ما تحتاج إليه الزوجة من الزوج؛ لأنها تتحدث مباشرة بلا وساطة.
وقد جاءتني رسالة عبر بريدي الضوئي تعبر عن وصية أب لابنته عند زفافها، ما أروعها وما أصدقها، وما أجدر أن يوصي بها الآباء بناتهم ليجدوا فيها طوق النجاة الذي يحملهم إلى بر السعادة الزوجية والحياة الهادئة المستقرة، ورأيت من الخير أن تنشر لتعم بها الفائدة، فقيمة العلم تكمن في أن يتحرك بين الناس، فيقتنعون به عقلا وفكرا، ويتأثرون به عاطفة وقلبا، وينعكس ـ من ثم ـ على سلوكهم وأخلاقهم.
قال الأب لابنته ليلة زفافها: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد،،
ابنتي !!
اليوم تنتقلين إلى يدين غريبتين . . . في هذه الليلة سيظللك سقف غريب في بيت رجل غريب، في هذه الليلة سأقف فوق سريرك النظيف في بيتي فأجده خاليا من ثنايا شعرك الأسود الذي يفوح منه عطر الطهارة فوق وسادتك البيضاء.
و قد تنهمر الدموع من عيني لأول مرة في حياتي ، فاليوم يغيب عن عينيَّ وجهُ ابنتي ليشرق في بيت الرجل الغريب الذي لا أعرفه حق المعرفة: خيرَه من شرِّه.
اليوم ينتقل شعوري وتنتقل أحاسيسي إلى أهل أمك يوم سلموني ابنتهم و هم يذرفون الدموع؛ كنت أظنها دموع الفرح أو دموع تقاليد أهل العروس، و لم أعرف إلا اليوم أن ما كان ينتابهم هو نفس ما ينتابني الآن، و أن ما يعذبني هذه الساعة كان يعذبهم ، و أن انقباض قلبي في هذه اللحظة وأنا أسلمك إلى رجل غريب كان يداهمهم أيضا.
صدقيني يا بنيتي، إنه لو كان لي ـ يومَ تزوجتُ أمك ـ شعورُ الأب ، لأفنيتُ عمري في إسعادها ، كما أحب أن يُفني زوجُك عمرَه في سبيل إسعادك.
ابنتي !!
في هذه اللحظة أندم على كل لحظة مضت ضايقتُ أمَّك فيها . . اليوم أجاوز الحاضر و أُجَابِهُ المستقبل، وأتمثَّلك واقفةً أمامي تقولين: "زوجي يضايقني يا أبى" فماذا أفعل؟ أسأل الله ألا ينتقم منى بك، و الله غفور رحيم .
و الآن . . دعيني أضع أمام عينيك الحلوتين بعض النقاط التي يحسب الرجل أنها توفر له السعادة في بيته الزوجي.
الرجل _ يا صغيرتي! _ يحب الأمجادَ ويتظاهر بالثراء والنجاح، حتى و لو لم يكن ثريًّا قط، فلا تُحطمي فيه هذه المظاهر، بل وجهيها بحكمتك ولطفك وحسن تصرفك.
و الرجل _ يا فلذة كبدي! _ يفاخر دائما بأن زوجته تحبه، فاحرصي على إظهار حبك أمام أهله بصفة خاصة.
و الرجل _ يا قرة عيني! _ يفخر أمام أهله بأنه قد انتقى زوجة تحبهم وتكرمهم ، فأكرمي أهل
زوجك، و استقبليهم أحسن استقبال .
و بعد ـ يا بنيتي! ـ إذا ثار زوجُك فاحتضني ثورته بهدوء، و إذا أخطأ داوي خطأه بالصبر، وإذا ضاقت به الأيام فليتسع صدرك لتسعفيه على النهوض . . و لا تنسى _ يا عمري! _ أنك إكليلٌ لزوجك، بيدك أن يكون مُرَصَّعًا بالدُّرِّ والياقوت على هامته، أو أن يكون من الشوك يدمى رأسه ورأس أبيك إن لم تحافظي على شرفك له دون سواه.
بنيتي!!
كوني له أرضا مطيعة يكن لك سماء، و كوني له مهادا يكن لك عمادا، واحفظي سمعه وعينه فلا يشم منك إلا طيبا، ولا يسمع منك إلا حسنا، ولا ينظر إلا جميلا، وكوني كما نظم شاعر لزوجته قائلا:
خذي منى العفو تستديمي مودتي * ** ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب
ولا تُكثري الشكوى فتذهب بالهوى** * فيأباك قلبي والقلوب تقلــــب
و أخيرا أسأل ربى أن يرعاك برضاه و أن يستقر لكما كل حبي.
" والدك". ا.هـ.
ولا بأس بالنظر في الوصيتين: وصية الأم لابنتها، ووصية الأب لابنته، والمزج أو الجمع بينهما، فإن في ذلك غاية الكمال، وبكليهما معا تتحقق السعادة الزوجية التي تكتمل بنصيحة الأم ونصيحة الأب كذلك لابنهما يوم زفافه.
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@hotmail.com
كلنا يعرف تلك الوصية التي أوصت بها الأم العربية الأصيلة (أمامة بنت الحارث) ابنتها ليلة زفافها، وهي كلمات بليغة كأنها تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم، بتفعيلها وتطبيقها تتحول البيوت إلي واحات يغرد فيها الزوج والزوجة، وينعم فيها الأبناء بالسكينة والطمأنينة، ويرفرف على البيت الهناء والسعادة والرضا.
ولا شك أن المرأة (الزوجة) تعرف ـ بعد هذه الخبرة في الحياة الزوجية مع الزوج ـ ما يكدر صفو الرجل (الزوج)، وما يعكر نقاءه، ما يغضبه وما يفرحه، ما يسعده وما يحزنه، ما يحبه وما يكرهه، ما يريحه وما يتعبه، ومن هنا فإن لكلماتها قيمة ووزنا ومصداقية بما يجعلها أهلا للتنفيذ والامتثال، فهي تنقل خبرتها الطويلة في كلمات نافعة لهذه الابنة التي تستقبل مع زواجها بداية حياة جديدة حينما قالت لابنتها: أي بنية احفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا.
الأولى والثانية: الخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
الثالثة والرابعة: التفقد لمواقع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
الخامسة والسادسة: التفقد لوقت منامه وطعامه، فإنَّ تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
السابعة والثامنة: الاحتراس بماله والإرعاء علي حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرا، ولا تفشين له سرا، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما، والكآبة بين يديه إن كان فرحا. ا.هـ.
وإذا كانت هذه وصية أم خبرت الحياة الزوجية، وتعرفت على مزاج الزوج كيف يكون، وما السلوك المناسب له في كل حال، فإن وصية الأب لابنته تعد أوقع وأصدق من وصية الأم لابنتها في هذا السياق؛ لأن الأم تعبر عن مكنون الزوج الذي خبرته وتعرفت إليه طوال هذه الفترة، أما الأب فهو يتحدث عن نفسه مباشرة دون وساطة من أحد حتى لو كان هذا الأحد هو الأم، التي هي الزوجة، أقرب الناس إلى الزوج.
ومن هنا فإن وصايا الأب لابنته بما يجب أن تقوم به تجاه زوجها هو الأصدق والأوثق والأوقع، وفي نفس درجته تماما من الصدق والواقعية والثقة والتأثير عندما تقوم الأم بوصية ابنها بما يجب أن يقوم به تجاه زوجته، فهي تعلم ـ بحكم كونها زوجة ـ ما تحتاج إليه الزوجة من الزوج؛ لأنها تتحدث مباشرة بلا وساطة.
وقد جاءتني رسالة عبر بريدي الضوئي تعبر عن وصية أب لابنته عند زفافها، ما أروعها وما أصدقها، وما أجدر أن يوصي بها الآباء بناتهم ليجدوا فيها طوق النجاة الذي يحملهم إلى بر السعادة الزوجية والحياة الهادئة المستقرة، ورأيت من الخير أن تنشر لتعم بها الفائدة، فقيمة العلم تكمن في أن يتحرك بين الناس، فيقتنعون به عقلا وفكرا، ويتأثرون به عاطفة وقلبا، وينعكس ـ من ثم ـ على سلوكهم وأخلاقهم.
قال الأب لابنته ليلة زفافها: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد،،
ابنتي !!
اليوم تنتقلين إلى يدين غريبتين . . . في هذه الليلة سيظللك سقف غريب في بيت رجل غريب، في هذه الليلة سأقف فوق سريرك النظيف في بيتي فأجده خاليا من ثنايا شعرك الأسود الذي يفوح منه عطر الطهارة فوق وسادتك البيضاء.
و قد تنهمر الدموع من عيني لأول مرة في حياتي ، فاليوم يغيب عن عينيَّ وجهُ ابنتي ليشرق في بيت الرجل الغريب الذي لا أعرفه حق المعرفة: خيرَه من شرِّه.
اليوم ينتقل شعوري وتنتقل أحاسيسي إلى أهل أمك يوم سلموني ابنتهم و هم يذرفون الدموع؛ كنت أظنها دموع الفرح أو دموع تقاليد أهل العروس، و لم أعرف إلا اليوم أن ما كان ينتابهم هو نفس ما ينتابني الآن، و أن ما يعذبني هذه الساعة كان يعذبهم ، و أن انقباض قلبي في هذه اللحظة وأنا أسلمك إلى رجل غريب كان يداهمهم أيضا.
صدقيني يا بنيتي، إنه لو كان لي ـ يومَ تزوجتُ أمك ـ شعورُ الأب ، لأفنيتُ عمري في إسعادها ، كما أحب أن يُفني زوجُك عمرَه في سبيل إسعادك.
ابنتي !!
في هذه اللحظة أندم على كل لحظة مضت ضايقتُ أمَّك فيها . . اليوم أجاوز الحاضر و أُجَابِهُ المستقبل، وأتمثَّلك واقفةً أمامي تقولين: "زوجي يضايقني يا أبى" فماذا أفعل؟ أسأل الله ألا ينتقم منى بك، و الله غفور رحيم .
و الآن . . دعيني أضع أمام عينيك الحلوتين بعض النقاط التي يحسب الرجل أنها توفر له السعادة في بيته الزوجي.
الرجل _ يا صغيرتي! _ يحب الأمجادَ ويتظاهر بالثراء والنجاح، حتى و لو لم يكن ثريًّا قط، فلا تُحطمي فيه هذه المظاهر، بل وجهيها بحكمتك ولطفك وحسن تصرفك.
و الرجل _ يا فلذة كبدي! _ يفاخر دائما بأن زوجته تحبه، فاحرصي على إظهار حبك أمام أهله بصفة خاصة.
و الرجل _ يا قرة عيني! _ يفخر أمام أهله بأنه قد انتقى زوجة تحبهم وتكرمهم ، فأكرمي أهل
زوجك، و استقبليهم أحسن استقبال .
و بعد ـ يا بنيتي! ـ إذا ثار زوجُك فاحتضني ثورته بهدوء، و إذا أخطأ داوي خطأه بالصبر، وإذا ضاقت به الأيام فليتسع صدرك لتسعفيه على النهوض . . و لا تنسى _ يا عمري! _ أنك إكليلٌ لزوجك، بيدك أن يكون مُرَصَّعًا بالدُّرِّ والياقوت على هامته، أو أن يكون من الشوك يدمى رأسه ورأس أبيك إن لم تحافظي على شرفك له دون سواه.
بنيتي!!
كوني له أرضا مطيعة يكن لك سماء، و كوني له مهادا يكن لك عمادا، واحفظي سمعه وعينه فلا يشم منك إلا طيبا، ولا يسمع منك إلا حسنا، ولا ينظر إلا جميلا، وكوني كما نظم شاعر لزوجته قائلا:
خذي منى العفو تستديمي مودتي * ** ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب
ولا تُكثري الشكوى فتذهب بالهوى** * فيأباك قلبي والقلوب تقلــــب
و أخيرا أسأل ربى أن يرعاك برضاه و أن يستقر لكما كل حبي.
" والدك". ا.هـ.
ولا بأس بالنظر في الوصيتين: وصية الأم لابنتها، ووصية الأب لابنته، والمزج أو الجمع بينهما، فإن في ذلك غاية الكمال، وبكليهما معا تتحقق السعادة الزوجية التي تكتمل بنصيحة الأم ونصيحة الأب كذلك لابنهما يوم زفافه.
مجلة الوعي الإسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق