الثلاثاء، 10 فبراير 2009

الإباحية الجنسية ..بين الانحلال المجتمعي والإشباع الغرائزي

الإباحية الجنسية ..بين الانحلال المجتمعي والإشباع الغرائزي

وصفي عاشور أبو زيد
أريد أن ألفت النظر في البداية إلى مسألة مهمة، وهي أن الإسلام لا يحارب الرغبات النفسية والشهوات الجنسية؛ لأن الله خلق الإنسان وركبه وأودع فيه طاقات عديدة، على رأسها هذه الشهوة العارمة التي تعد أقوى الملاذ، فالإسلام يلحظ ألا يحطم الميول الفطرية إنما يهذبها ، ولا يكبت النوازع البشرية إنما يضبطها، ومن ثم ينهى فقط عما يخالف نظافة الشعور ، وطهارة الضمير بما يحفظ كرامة الناس ويصون أعراضهم وأنسابهم، ويخط لها خطوطها المشروعة.
وقد أمرنا الله تعالى بأوامر تغلق المنافذ التي توصل الإنسان إلى الارتكاس في هذا الحمأ الموبوء، فأمر بغض البصر رجلا أو امرأة: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ .وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ". النور: 30-31. ورتب عليه الأجر الجزيل والثواب العميم ، و أمرنا بالاستئذان قبل دخول البيوت والاستئناس والسلام على من فيها، وأوضح النبي أن الاستئذان إنما هو من النظر، فيما رواه أبو داود بسنده عن هزيل قال:جاء رجل، قال عثمان ـ سعد بن أبي وقاص ـ فوقف على باب النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذن، فقام على الباب، قال عثمان: مستقبل الباب، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هكذا عنك أو هكذا؛ فإِنّما الاستئذان من النظر".
وحين حرم الله أمورا أباح أمورا أخرى حتى لا يحدث الكبت النفسي للنفس الإنسانية فيكون الانفجار بما يؤدي إلى ارتكاب الفواحش، ويسَّر أسباب الزواج وحذر من التعسير والتنطع فيه، وأوضح النبي ذلك حين قال فيما رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة، وصححه السيوطي: " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
وقضية الإباحية الجنسية التي ذرَّ قرنُها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بما يشكل خطورة بالغة على الأفراد والأسر والأمن والسلام الاجتماعيين، وهي في الأصل من سمات المجتمع الغربي الذي يعتبر هذه الاتصالات الجنسية الفوضوية مظهراً من مظاهر « الحرية الشخصية » لا يقف في وجهها إلا متعنت! ولا يخرج عليها إلا متزمت! ـ تعتبر قضية متشابكة ومعقدة في الحقيقة من حيث الأسباب والآثار وطرق العلاج، تبدأ بمسئولية الفرد مرورا بمؤسسات المجتمع التعليمية والتربوية والإعلامية والثقافية المختلفة، وتنتهي عند دور الدولة.
ومن أهم أسباب وجودها عدم تحصين الفرد في خلية الأسرة وخلية المدرسة ووسائل الإعلام تحصينا ربانيا أخلاقيا رصينا يربي فيه حساسية الشعور ومراقبة الضمير وترسيخ التقوى وإشاعة قيم الحياء والحشمة والوقار، مع التركيز على الأنثى التي تعتبر طرفا فاعلا ومهما في هذه الثنائية مع عدم إعفاء الفرد الذكر من هذه المسئولية، ومن هنا اتجه الغزو الفكري في محاولاته لإشاعة الانحلال الخلقي لأخذ المرأة وسيلته المثلى في تحقيق هذا الانحلال.
ومن الأسباب أيضا: البطالة التي شاعت في المجتمعات وقلة فرص العمل مما يؤخر الشاب والفتيات إلى سن العنوسة فتتفاقم المشكلات وتظهر أعراض نفسية لهذا التأخر الذي يسببه أيضا اتباع التقاليد الاجتماعية الزائفة من تنطع وتشدد ومغالاة في المهور وتكاليف الزواج، وهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعل الانفتاح الإعلامي الفضائي والعنكبوتي ساهم بدور فاعل في إشاعة هذا الأمر بما يحتويه من قنوات ومواقع إباحية صارخة تفسد الصالح فضلا عن الفاسد.
وهذه الإباحية الجنسية لها آثار خطيرة على الفرد والمجتمع، فمن شأنها أن تحطم حياة الفرد وتبدد مستقبله وتجعله متشتتا نفسيا ووجدانيا، راغبا في الفاحشة، راغبا عن الزواج، يلتهم ببصره الغاديات والرائحات، ويترصد لهم الطرقات ووسائل المواصلات، ويكون هذا هو همه الأكبر، مما يساعد في انتشار الموبقات، ويجعل المجتمع متحللا أخلاقيا، فاسدا اجتماعيا، تمور جنباته بالفحشاء والمنكر.
وليس له علاج إلا باتباع هدي الإسلام، واقتفاء أوامر الله تعالى والانتهاء عما نهى عنه، وأعتقد أن الأسرة لو قامت بواجبها، والمؤسسات التعليمية والإعلامية والإعلانية والثقافية لو أدت دورها في تربية الفرد وتنشئته تنشئة صالحة لما طُرحت هذه القضية من أساسها، لكن المشكلة أن الأسرة إذا قامت بدورها تجد المدارس تهدم ما تبنيه الأسرة، ولو ساعدت المدرسةُ الأسرةَ في أداء هذا الواجب لقامت وسائل الإعلام المختلفة بهدمه، وما أبطأ البناء، وما أسرع الهدم، وقد قال الشاعر:
فلو ألفُ بانٍ خلفهم هادمٌ كفى فكيف ببانٍ خلفَه ألفُ هادم.
وقال آخر: متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فيجب أن تتكاتف كل هذه المؤسسات والخلايا في توعية الفرد وتحصينه من ناحية، وعلاج ما وقع من كسور ومخالفات من ناحية أخرى عبر التعاليم السمحة للإسلام وعلمائه المشهود لهم بالكفاءة والوسطية والاعتدال، فما في شرعنا من تيسير وسماحة، وحفاظ على العرض والنسل، وحرص على الأمن الاجتماعي العام ـ لو اتبعناه ـ الصلاح كل الصلاح، والفلاح كل الفلاح في الدنيا والآخرة.



هذا تحقيق طلبه الأخ عبادة نوح

ليست هناك تعليقات: