الثلاثاء، 10 فبراير 2009

هموم الدعوة في حديث شامل مع د. سيد نوح


ا.د. السيد محمد نوح: اضطهاد التيار الإسلامي إعداد له على تحمل المسئولية
حاوره: وصفي عاشور أبو زيد

في ظل الهجمة التي يواجهها التيار الإسلامي من تضييق وتعسف وظلم ومصادرة للآراء والأفكار أكد الداعية المعروف الأستاذ الدكتور السيد محمد نوح ـ أستاذ الحديث وعلومه بجامعتي الأزهر والكويت ـ أن الذين يضيقون على أبناء الصحوة الإسلامية لو يعلمون الخير الذي يقدمونه لهم بهذا التضييق لما أقدموا عليه، وبين أن هذا التضييق إنما هو إعداد لهم لتحمل المسئولية يوم أن يلقيها الله على كواهلهم.
وأكد فضيلته أن واقع الدعاة إلى الله دائما يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، وإحياء للقلوب وتجديد للإيمان، لأن ذلك من أهم العوامل التي بها يستمر العمل ويثمر ويتطور لا سيما في ظل هذا الواقع الذي يطفح بالمادية مما يشكل خطرا على تكوين الدعاة وأحوالهم المختلفة.
وبين الشيخ أنه يجب على الدعاة إلى الله أن يستغلوا الوسائل الإعلامية المعاصرة من فضائيات وشبكة دولية ويستثمروا ذلك استثمارا أمثل لنشر دين الله، وأن يتحلوا بمزيد من الخلق والصبر والثبات أمام هذه المحن المتتابعة، حول هذه القضايا وغيرها فتح الدكتور السيد نوح صدره في حواره لموقع: "إخوان أون لاين"، فكان هذا الحوار:
**في البداية نود أن نتعرف على نظرتكم وتقييمكم لواقع الدعاة اليوم؟؟!
* إذا أريد بالدعاة العلماء الرسميون أصحاب اللفائف فإن نظرتي وتقييمي لهم : أنهم لم يؤدوا واجبهم المنوط بهم على النحو اللائق والمطلوب .
أما إذا أريد بالدعاة كل غيور يدعو للإسلام ، ويعمل له ، ويتحمل كل تعب ومشقة في سبيل ذلك ، فإن نظرتي وتقييمي لهم أنهم يؤدون مع تفاوت في حجم الأداء ، وكيفيته ومع الحاجة الشديدة إلى دوام التبصير والتذكير إلى الطريق الأقوم ومع الدعاء لهم بالتوفيق ، والنصر ، والتمكين.
**وكيف ترون موقف الدعاة إزاء القضايا الأخيرة التي حدثت مثل التطاول على النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنمارك، وتصريحات بابا الفاتيكان ضد الإسلام؟ هل كان رد الفعل على المستوى المطلوب، وهل يطغى جانب السلطة على الدعاة، أم ماذا ترون؟
* كان موقفهم متضاربا ، وغير حضاري إلا من رحم الله؛ إذ كان رد الفعل دون المستوى بكثير ، ولم يأت على الداء من أساسه ، وكانت مجاملة أو مراعاة مشاعر السلطان هي السمة العامة لهذا الموقف .
**في فترة ما قبل التسعينات كان هناك ما يمكن أن نطلق عليه الداعية العالم الذي يتكلم في كل شأن إسلامي ويتفاعل مع الواقع في ضوء الشرع أمثال الشيخ الغزالي والشيخ كشك والشيخ العدوي، وغيرهم من أعلام الدعوة، لكن لم يعد هناك على الساحة سوى النادر من هذا النوع، فلماذا اختفى مثل هؤلاء؟
* احتفى هذا الصنف من الدعاة من أمثال الشيخ الغزالي ، والشيخ كشك ، والشيخ العدوي من على الساحة اليوم إلا من رحم الله ، لأن تربية هؤلاء كانت تربية موسوعية شاملة ، مع الرضا من العيش بالقليل ، وحسبنا مقولة الشيخ الغزالي: كنا نعيش الإسلام كله: دينا ، وعبادات ، ونظما ، وتشريعات وأخلاقا ، وآدابا من خلال حصة المطالعة ، واليوم صارت التربية هشة ضعيفة لا تتجاوز مذكرات تحمل قشور العلم دون لبابه ، ويكون التركيز فيها على الحفظ دون السلوك والعمل ، مع التعلق الشديد بالدنيا بعد أن أقبلت على الناس بزهرتها ، وزينتها ، فصرفتهم عن التحصيل والعمل.

**وما هي الوسائل التي تعيد إلى الساحة هذا النموذج الفريد في رأيكم؟
* الوسائل التي تعيد إلى الساحة هذا النموذج الفريد في نظري هو إفساح المجال أمام المخلصين الصادقين المتمرسين من الدعاة ليتولوا تخريج هذا النوع الفريد المفقود اليوم وهم بخبرتهم سيضعون المناهج الشاملة الجامعة بين الأصالة والمعاصرة ، مع التربية عليها ، والمعايشة للمتابعة والتعديل والتدريب ، وحينئذ سنجد هذا الصنف من الدعاة يملأ الساحة من جديد ، وما ذلك على الله بعزيز.
**في الوقت الذي يجد فيه الداعية الفنانين ولاعبي الكرة يحصلون على الآلاف بينما لا يوفر هو ضرورياته إلا بشق الأنفس، ومطلوب منه أن يفرغ جزءا كبيرا من وقته للدعوة، فكيف يتغلب الداعية على الصعاب الحياتية في ظل طغيان المادة، ويؤدي واجباته نحو الدعوة؟!
* أن يتعلم القناعة والرضا بما قسم الله ، وأن يجعل الاشتغال بالدعوة إلى الله أساس تقسيم وقته وتنظيمه ، وأن يخصص ولو نصفه لكسب العيش ويذكر نفسه دائما بأن نعيم الجنة خير وأبقى وعما قريب فنحن إليه صائرون ، ويكثر من ذكر الله وتقوية الجانب الروحي ، أو الإيماني فإنه سيعنيه عن كثير مما يشغل الناس من الماديات على حد قوله ـ صلى الله عليه وسلم : ـ ( أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) ، وعلى حد قوله: (إن الناس في زمن عيسى ـ بعد خروج يأجوج ومأجوج ـ يكونون في فقر مدقع حتى يكون رأس الثور للمائة من الناس أعظم من الدنيا وما فيها، وطعامهم يومئذ: التسبيح والتحميد ، والتهليل ، والتكبير ) ، فكأنهم يستغنون بذكر الله عن الماديات من طعام وشراب ونحو ذلك .
**هذا الطغيان المادي ربما يؤثر سلبا على روح الأخوة بين الدعاة إلى الله، فكيف يحافظ الدعاة على روح الأخوة فيما بينهم في ظل هذا الواقع؟
* يحافظ الدعاة على روح الأخوة فيما بينهم في ظل هذا الواقع المادي ، بتقوية الجانب الإيماني أو الروحي الذي يثمر محبة الله للعبد ، وحين يحبه سيحبب فيه كل الخلائق ، ومنهم إخوانه؛ إذ في الحديث القدسي عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ( يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ..... الحديث ) ، وفي الحديث أيضا : ( إن الله إذا أحب عبداً نادى يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل في الملائكة ، إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فتحبه الملائكة ، ثم يوضع له القبول في الأرض ... الحديث ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعا .
**يعاني كثير من الدعاة من قسوة القلوب بفعل الواقع الذي تطغى فيه المادة أيضا، وعدم التأثر بالموعظة وكلام الله تعالى، فما أسباب ذلك، وما أهم وسائل العلاج في رأيكم؟
* تعود قسوة القلب هذه إلى أمور كثيرة منها : المعصية والتي قد يكون من بينها تعاطي الحرام أو على الأقل ما فيه شبهة ، والتقصير في عمل اليوم والليلة ، والتي منها إهمال القرآن وهجره ، أو تلاوة قدر بسيط لا يحيي القلب ويحركه ، وعدم رعاية الآداب أو العلاقات الاجتماعية ، ونسيان الدار الآخرة ، وعدم زيارة القبور ، وعيادة المرضى ، وتشييع الجنائز ، ونحوها .
وأيضا صحبة قساة القلب فتسري العدوى من قلوبهم إلى قلبه ، وقلة القراءة والإطلاع، وعدم استشعار الهم والمسئولية ، وأسباب أخرى يضيق المقام عن سردها واستيعابها .
أما أهم وسائل العلاج فتتم بتلافي هذه الأمور، فعلى من يريد أن يحيا قلبه أن يجتهد في عمل اليوم والليلة، ويحرص أن يكون مطعمه ومشربه وملبسه من حلال، ويتذكر الموت دائما، ويشيع الجنائز، ويعود المرضى، ويصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.
**نعيش في هذه الآونة طفرة إعلامية كبيرة تمثلت في عدد كبير من الفضائيات الإسلامية، ومواقع الإنترنت، فكيف نستطيع استغلال مثل هذه الفضائيات والمواقع في توصيل رسالة الإسلام إلى المجتمع؟؟
* يمكن استغلال الفضائيات والمواقع في توصيل رسالة الإسلام إلى المجتمع : بأن يتدرب كل من يجد في نفسه الكفاية على التعامل مع هذه الفضائيات ، وتلك المواقع تدريبا حسنا ، كي يجيد الممارسة الفاعلة ، ويكسب ثقة المشاهدين والمحاورين ، وما أكثر الأكفاء من أبناء الأمة المسلمة في هذا الشأن، ومن وجد في نفسه الكفاية من هذا الجانب ، ولم يتدرب ويزج بنفسه ، فهو آثم وآثم وآثم، وكما قال أبو الطيب:
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
**في ظل بزوغ التيار الإسلامي في عدد كبير من الدول العربية ونجاحه في الانتخابات كيف يمكن استغلال هذا النجاح في نشر الدعوة والأخلاق في المجتمعات العربية والإسلامية؟
* أن يتحلى أبناء التيار الإسلامي بمزيد من الأخلاق الإسلامية ، والسلوك الحميد ، وأن يضاعفوا من جهودهم ، وجهادهم ، ونشاطهم ، وأن يصبروا وأن يحتسبوا ، حتى يبلغ الكتاب أجله ، والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
**التيار الإسلامي ـ والصحوة الإسلامية بشكل عام ـ يواجه تضييقا ومصادرة في كثير من البلاد العربية والإسلامية، وكذلك على المستوى العالمي، فكيف تنظرون إلى هذا الواقع؟
* أنظر إلى هذا الواقع على أنه رحمة من الله ، وتربية وإعداد لتحمل المسئولية كاملة يوم أن تلقى على كاهل هذا التيار ، وهذه الصحوة الإسلامية المباركة ، وكثيراً ما أقول : لو يعلم هؤلاء المضيقون ، والمضايقون لأبناء التيار الإسلامي ، والصحوة الإسلامية مقدار المعروف والخير الذي يسدونه إلى هؤلاء ما أذوهم ولا ضيقوا عليهم، ولا ضايقوهم ولكن صدق الله ( أضل أعمالهم ) .
**أليس من العجيب أن تحارب بعض الدول شعائر الإسلام مثل الحجاب والنقاب، وهي دول إسلامية؟ كيف تحللون هذه الهجمة من الناحية الدعوية؟
* إنها هجمة من يبيع آخرته بدنيا غيره ، ويبقى الحجاب ، والنقاب ، وسائر شعائر الإسلام ويلقى هؤلاء عما قريب في مزبلة التاريخ ، ويحق عليهم قول ربنا سبحانه وتعالى : ( وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ، ويوم القيامة هم من المقبوحين ... القصص ) ، وانطلاقنا في ذلك من قول الحق تبارك وتعالى : ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ولو كره الكافرون ... براءة ) .
**كلمة أخيرة توجهونها لأبنائكم الدعاة في كل مكان.
* (استعينوا بالله ، واصبروا ، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ... الأعراف ) ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ، ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ... الأعراف ) .
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=25927&SecID=0

ليست هناك تعليقات: