الثلاثاء، 10 فبراير 2009

الواقع الدولي ومستقبل الأمة


الواقع الدولي ومستقبل الأمة
عرض/ وصفي عاشور أبو زيد

-الكتاب: الواقع الدولي ومستقبل الأمة.-المؤلف: مجموعة من الباحثين.-عدد الصفحات: 480.الناشر: مجلة البيان.
-الطبعة: الأولى/ 2008م.

"الواقع الدولي ومستقبل الأمة" هو عنوان التقرير الارتيادي الخامس لمجلة البيان اللندنية الذي يصدر في زمن تتسارع فيه الأحداث الفكرية والسياسية بوتيرة أسرع من الأزمنة السابقة، وتتطور تلك الأحداث لتتفاعل مع الجهود الإسلامية المتعددة الرامية إلى الحفاظ على الأمة وتطوير المجتمعات المسلمة؛ لتواكب التغيرات الدولية، وتعزز دورها الدولي والإقليمي.
ويأتي هذا التقرير في هذا العام ليستكمل الجهد الساعي إلى المساهمة في ترشيد الرؤى وخدمة صناع القرار الإسلامي في المجالات السياسية والفكرية، وقضايا العمل الإسلامي منطلقا من جذور ثقافية وفكرية للأمة، وملقيا الضوء على المشكلات التي يعانيها المسلمون، كما يلقي الضوء على مجموعة من القضايا التي تؤثر في الواقع الدولي وتحدياته، وتمس مستقبل الأمة، وقد تناول هذه القضايا نخبة من الباحثين والمفكرين تمثل تنوعا فكريا وجغرافيا لبلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي؛ حيث بلغ عددهم واحدا وعشرين باحثا بواحد وعشرين بحثا موزعة على خمسة أبواب على النحو التالي:

النظرية والفكر
اشتمل هذا الباب على أربع دراسات لصيقة الصلة بواقع الأمة ومستقبلها، وافتتح هذا الباب بدراسة عنوانها: "الرؤية الغربية للدولة المدنية" للدكتور عبد العزيز صقر، تناول فيها ظاهرة الدولة التي تعبر عن واقع سياسي معين نشأ وتطور في أوربا في القرن التاسع عشر بما يجعلها غير صالحة بالضرورة للتطبيق في الواقع الأوربي، فضلا عن واقع آخر مختلف عنه حضاريا ودينيا واجتماعيا.
ويحاول د. علاء الدين الزاكي في دراسته: "مفهوم الاجتهاد السياسي وضوابطه" ضبط الاجتهاد السياسي، ودوره في كيفية تطبيق الأصول على الفروع، ومعالجة النوازل التي تحتاج إلى عميق نظر لضبط الوسائل والذرائع دون تضييع للشرع أو الخلق.
أما الأستاذ إبراهيم الأزرق فيعالج أصلا عظيما من أصول الدين في دراسته بعنوان: "قراءة نقدية لمفهوم الولاء والبراء"، فتناول فيه أحوال الناس مع الولاء والبراء في واقع قد يؤثر في طرق التعبير عن الولاء والبراء، كما قد يؤثر تأثيرا سلبيا فيقرر مفاهيم جديدة تدخل في الولاء والبراء وهي ليست منه، أو يُخرج مفاهيم أخرى عنه وهي من صلبه، يستوي في هذا أن يكون داخل المجتمعات المسلمة أو بين المجتمعات المسلمة وغيرها من المجتمعات.
ويُختم هذا الباب بدراسة عنوانها: "تصورات غربية للشخصية المسلمة"، للأستاذ بشير عبد الفتاح؛ حيث أبرز فيه حقيقة النظرة الغربية للشخصية المسلمة، وأهم النقاط الأساسية عند الغرب لتغيير هذه الشخصية، سواء من خلال دعوته لتجديد الخطاب الديني، أو من خلال محاولة إحلال القيم الغربية محل القيم الإسلامية، إضافة إلى النيل من أهمية الحديث النبوي ومصداقيته مستهدفا بذلك تغيير المسلمين، وبيان أهم الآليات لهذه الاستراتيجية.

التراجع الأمريكي
أما الباب الثاني فقد احتوى على الملف الرئيس للتقرير؛ حيث اشتمل على خمس دراسات، تتناول مظاهر التراجع الأمريكي من زوايا مختلفة لتؤكد في مجموعها فكرة التراجع الأمريكي وحقيقتها، فكانت الدراسة الأولى بعنوان: "المؤشرات الدولية للتراجع الأمريكي"، للدكتور عبد العزيز كامل، أبرز فيه التشابه الكبير بين الأوضاع الحالية لأمريكا وما كان عليه الحال في روما القديمة قبل انهيارها، مبينا جوانب الفشل الأمريكي داخليا وخارجيا في وقت تتسابق فيه دول أخرى لموضع الصدارة، وهذا التراجع سيصب حتما في مصلحة الأمة الإسلامية شريطة أن يفيد المسلمون من تفاعلات هذا التحول.
أما الدراسة التالية فجاءت بعنوان: "واقع ومستقبل المشروع الإمبراطوري الأمريكي"، للدكتور مازن النجار الذي أشار فيه إلى المنعطف الذي يمر به المشروع الإمبراطوري الأمريكي في ضوء نتائجه الهزيلة، وقصور موارده عن الوفاء باحتياجات ذلك المشروع بما يؤشر في النهاية لقرب انتهائه.
وفي دراسة موالية للدكتور باسم خفاجي عنوانها: "قراءة للواقع الداخلي الأمريكي" يقرأ فيها خفاجي الداخل الأمريكي مبينا تفاعلاته من خلال الفهم الجيد للواقع الاجتماعي الغربي عموما، والأمريكي على وجه الخصوص؛ فإن معرفة النظرة العامة للشعوب تجاه القضايا والأحداث تعين على فهم السياسات الخارجية التي تنطلق من دول تلك الشعوب، مقدما في نهاية بحثه رؤية متميزة حول تراجع الواقع الأمريكي ومؤشراته.
ثم ينتقل ملف التقرير عبر دراسة: "العراق والتراجع الأمريكي" للأستاذ علي باكير، إلى دور المقاومة العراقية في إفشال المخطط الأمريكي، بعدما نجحت في استغلال نقاط الضعف الأمريكية بشكل متميز، وأبرزت الدراسة معالم الانكسار الأمريكي في العراق مع تصاعد الاستنزاف العسكري والبشري والاقتصادي.
ويختتم الملف بدراسة للأستاذ ممدوح الولي بعنوان: "مستقبل الهيمنة الاقتصادية الأمريكية"، والتي رصد فيها نقاط الضعف في الاقتصاد الأمريكي التي تجعل قضية استمرار الهيمنة الاقتصادية الأمريكية محل نظر رغم ما للاقتصاد الأمريكي من قوة تأثير على مختلف الاقتصاديات الدولية.

العالم الإسلامي
ويتضمن الباب الثالث من التقرير مجموعة من قضايا العالم الإسلامي، قدم الباحثون من خلالها رؤية تحليلة لجوانب تلك القضايا وتأثيراتها على الأمة مع حضور واضح للنظرة الاستشرافية أثناء المعالجة، ويبدأ الباب بدراسة عنوانها: "تركيا ومستقبل التدافع: الإسلامي ـ العلماني"، للأستاذ كمال حبيب، يؤكد فيها الأفول الذي تواجهه العلمانية على المستوى الفكري والسياسي والأخلاقي في تركيا كما في العالم كله ما يجعل التدافع الإسلامي ـ العلماني في تركيا محسوما لصالح الإسلام والتيار الاجتماعي الذي يمثله.
أما الدكتور حسين الرشيد، فيتناول التغيرات التي أصابت المجتمع العراقي جراء الغزو الأمريكي في دراسته بعنوان: "التغيرات الاجتماعية في العراق بعد الغزو الأمريكي"، مؤكدا على أن الاحتلال هو أساس المشاكل في بلاد الرافدين، وأن تصرفاته الهمجية وراء التراجع الكبير الذي شهدته مفاصل المجتمع العراقي.
والدراسة الثالثة في هذا الباب جاءت بعنوان: "باكستان ومآلات التحالف الأمريكي" للأستاذ محمد عادل، بين فيها أن مشرف أدخل نفسه في مأزق تجاوز خطرُه تهديدَ النظام إلى تهديد بنية الدولة ذاتها في ظل التحالف الذي جمع باكستان والولايات المتحدة وتجاوز النظام للاعتبارات الدينية، وذلك بسبب تنازلاته التي قدمها لأطراف خارجية على حساب قضايا حساسة تتصدر مكان الأولوية في الأمن القومي الباكستاني.
ويختتم هذا الباب بدراسة: "الاستراتيجية الغربية لاحتواء الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء" للأستاذ عصام زيدان، الذي حذر فيه من الأجندة الغربية؛ حيث وضعت الوجود العربي في إفريقيا على قمة أولوياتها، وراحت ترسم للقارة على العموم، ولإفريقيا جنوب الصحراء على الخصوص ـ مصيرا يهدف إلى عزل الوجود العربي والإسلامي شمال القارة عن جنوبها.

العمل الإسلامي
ومن "العالم الإسلامي" ينتقل بنا التقرير إلى: "العمل الإسلامي" حيث الباب الرابع الذي يهتم بقضايا العمل الإسلامي ومشكلاته وتطوير آلياته واستشراف مستقبله؛ فيقدم الأستاذ أحمد الصويان دراسة بعنوان: "رؤية لآفاق تطوير العمل الخيري الدعوي"، مبينا معالم الارتقاء بالمؤسسات الخيرية الإسلامية عبر الاهتمام بالتطوير والتغيير المدروس، والتدريب الذي يرفع الكفاءات الإدارية والدعوية مؤكدا على أن العمل الخيري يحتاج إلى غطاء إعلامي يبرز إنجازاته المشرفة، ويدفع الشبهات التي قد يثيرها بعض المبطلين.
وفي الدراسة الثانية في هذا الباب بعنوان: "تجارب معاصرة في القيادة العلمية للأمة" للدكتور عبد الحي يوسف، يبين الباحث خطورة افتقاد الأمة لقيادات علمية حقيقية، ويناقش الأسباب التي أدت إلى غياب الرموز العلمية وانحسار دورها اجتماعيا وسياسيا؛ ليقتصر في الغالب على أوساط المتدينين، وعرض نماذج علمية معاصرة مبينا أهم ميزاتها وعوامل نجاحها.
أما الدكتور محمد يسري في بحثه عن: "الدور المعاصر للفتوى"، فيتناول الوسائط المتعلقة بالفتيا المعاصرة من حيث هي شديدة النفع وشديدة الخطر في آن واحد، مؤكدا على جملة ضوابط يحسن للمفتي والمستفتي الأخذ بها حتى تؤتي الفتيا المباشرة والمعاصرة ثمارها.
ويختتم الأستاذ أحمد فهمي هذا الباب بدراسة عنوانها: "التيارات السلفية وخيارات المستقبل"، تناول فيه أنماط التيار السلفي وإشكالاته الداخلية ومستقبله، فضلا عن الرؤية الغربية التي تعمل على تحويل التيارات السلفية إلى عدو يحظى بأولوية المواجهة؛ حيث تعتبر هذه الرؤية أن هذه التيارات هي المزودة الأساسية للحركات الجهادية وتيارات العنف؛ نظرا لافتقاد التحليلات الأمريكية للمعايير الدقيقة التي تمكنها من التفريق بين مختلف التيارات.

دراسات عامة
اشتمل هذا الباب على أربع دراسات، الأولى منها للدكتور هيثم الحداد بعنوان: "الوجود الإسلامي في أوربا وإشكالية الاندماج"، بين فيها مستقبل هذا الوجود في ظل غياب الدراسات الإسلامية المتكاملة بشأنها وسيطرة الخطاب الانهزامي الاستجدائي على الخطاب حول هذه القضية مما جعل المسلمين في الغرب تحت رحى ثالوث مدمر يتمثل في: خطر الاندماج والذوبان، وخطر الانعزال والانغلاق، وخطر استعداء الغرب والبدء في الصدام من الداخل ودون إذن من الأمة.
وعن: "الفوارق الدينية في الغرب والعلاقة مع العالم الإسلامي" يبرز الأستاذ عامر عبد المنعم مدى تأثير الدين على التوجهات السياسية الغربية مثيرا تساؤلا حول سبب تراجع النصرانية في أرضها خاصة في الغرب الكاثوليكي والبروتستانتي رغم أنها تنتشر في العالم الثالث فيما تشير التقارير إلى أن الإسلام هو الأسرع انتشارا في الغرب.
ورصد الأستاذ عاطف الجولاني في دراسته عن: "أهداف وسياسات الإعلام الأجنبي باللغة العربية"، ظاهرة الإعلام الأجنبي الموجه والناطق بالعربية كظاهرة مهمة في المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة ودورها المؤثر في نشر أفكار الغرب وترويج النتائج التي حققها البعض الآخر، مرجحا أن تستمر هذه التحديات مستقبلا تحكم مسار تلك المؤسسات، وتُحدّد مدى نجاحها أو فشلها.
ويختتم هذا الباب ـ ومن ثم التقرير كله ـ بدراسة: "تطور العلاقات العربية وتأثير الغرب عليها" للأستاذ أمير سعيد، استعرض فيه تطور العلاقات العربية البينية، وتأثير الغرب على تلك العلاقة التي تعرضت لمشاريع غربية عديدة جعلت العالم العربي حقلا للتجارب الاستعمارية مما ولَّد لديه شعورا بالتوحد مع خاطفيه، وهو المرض الذي سيطر على الجسد العربي لعقود ماضية.
كل ما سبق يؤكد الحاجة الماسة إلى هذه التقارير الارتيادية التي تقدم رؤى عصرية منضبطة من خلال جهد فكري منظم ونظرة استراتيجية تعين متخذي القرار في تعاملاتهم مع تلك التحديات، وتضع بين أيديهم مجموعة من الخيارات والحلول لتلك المشكلات.


ليست هناك تعليقات: