الثلاثاء، 24 فبراير 2009

الحركة الإسلامية ومناهجها التربوية

الحركة الإسلامية ومناهجها التربوية

وصفي عاشور أبو زيد
يشهد واقعنا المعاصر بأن الحركات الإسلامية تساهم بنصيب وافر في إيقاظ الأمة وتحريض الشعوب على الصدع بكلمة الحق، وتعليمها الإسلام بكماله وجماله وشموله وخلوده، ومن رحم هذه الحركات ـ وبخاصة حركة الإخوان المسلمون ـ تخرَّج علماء ومفكرون وباحثون في كل المجالات ساهموا بشكل ملحوظ في حركة التجديد الفقهي والعلمي والحركي والدعوي، وكان لهم باع كبير في نهضة الأمة.

وما من شك في أن المناهج الثقافية والتربوية التي تدرَّس لهذه الحركات هي المعين الذي يتربى عليه الناشئة، وينشأ فيه ـ ضمن من ينشأ ـ شباب الباحثين الذين تعلق عليهم آمال عراض للحركة والأمة، ويؤمل فيهم أن يكونوا علماء ودعاة المستقبل.
ومن المعروف أن لكل شريحة من المنتمين لهذه الحركات مناهج تليق بهم وتتماشى معهم، ولكل مرحلة تربوية كذلك، مثلما يبدأ المتفقه بصغار العلم قبل كباره ، وبالمختصرات قبل المطولات، فكذلك المنتمي لهذه الحركات.

وهذه المناهج يجب أن تخضع للفحص والتقويم، والمراجعة والتقييم؛ لاعتبارات متعددة ومتنوعة، أهمها:

1ـ تغير العصر وتطور الأوضاع بما يوجب النظر في المناهج لمواكبة هذه التغيرات، ويستوعب تلك المستجدات، سواء كانت على مستوى الأفراد، أو التخصصات، أو الواقع.
2ـ تغير الأجيال البشرية وتفاوتها: قوة وضعفا، ثقافة وجهلا، يقظة وغفلة؛ بفعل ضعف الأجيال، وفعل التحكم الحياتي فيها.
3ـ أن هذه المناهج ليست وحيا بل من وضع بشر، ومن ثم فهي قابلة للتطوير والأخذ والرد والتصويب والتخطيء.
4ـ أن الحركة الناجحة والمتطورة هي التي تراجع نفسها في كل شيء، وفي المقدمة المناهج الثقافية التي تربي عليها أعضاءها، فمن لم ينقد نفسه أو يطور منها أو يراجعها يتراجع ويمسي في مؤخرة القاطرة، إن كانت القاطرة تقبله في مؤخرتها.

وفي تقديري أن تطوير المناهج الثقافية والتربوية للحركة الإسلامية له أبعاد، ولكل بعد منها اعتبارات وضوابط يجب أن تراعى، وهي: واضعو المناهج، والمناهج نفسها، والأعضاء:

البعد الأول: واضعو المناهج:
لا يصح أن يقوم على وضع المناهج أو تقويمها وتقييمها وتطويرها الأكاديميون الذين يكون شغلهم الشاغل في معالجة العلوم بين الكتب والأوراق وهم منبتو الصلة عن حياة الحركة وواقع الأمة.
وكذلك لا يصح أن يقوم على ذلك الحركيون الذين تتركز اهتماماتهم في الحركة والتنظيم والعمل الإداري، ولا نصيب لهم من التخصصات المختلفة التي يستخلص منها مناهج تدرس لأبناء الحركة.
بل المتصور أن يقوم على هذا الأمر الخطير متخصصون لهم باع معتبر في تخصصهم، وفي الوقت نفسه مشاركون ومنهمكون في العمل الحركي والدعوي، أصحاب أفق واسع، وعقلية مرنة، واستيعاب شامل، ولديهم بصيرة وفراسة بمجريات الأمور، ولهم اطلاع وإدراك لتحديات الحركة وواقع الأمة.
ذلك؛ أن الأكاديمي وحسب سيضع مناهج أكاديمية ليس فيها الصبغة الحركية، ولا يستخلص منها دروس وعبر دعوية تنير الدرب وتضيء السبيل، وأن الحركي التنظيمي الذي ليس له من العلم والتخصص نصيب سيضع مناهج حركية خواء من العلم والتخصص، ومن ثم ستؤدي بالأعضاء إلى البدع والضلال، ويتعرضون بها للتسطيح والتشويه والتفريغ من المضمون.

البعد الثاني: المناهج نفسها:
وفيما يخص المناهج نفسها فينبغي أن تكون:
1ـ مجملة في كل تخصص وشاملة ومستوعبة، تختصر ما لا يستحق التطويل والبسط، إلا ما تدعو الضرورة إلى بسطه، وتبسط وتطيل فيما هو من صلب المادة ومتطلبات المرحلة.
2ـ مراعية للتطورات والمستجدات العصرية، ومستوعبة لطبيعة الواقع حتى لا نغرد خارج السرب، ولا نصرخ في واد أو ننفخ في رماد.
3ـ مناسبة للجيل المعاصر بما لا يعمل على تشويهه أو تفريغه من المضمون، ولا يهمل الأصول التي يجب أن تدرس في كل علم أو أي مادة.
4ـ أن تخضع هذه المناهج للتقييم والتقويم في ضوء الأهداف الموضوعة لتحقيقها: هل حققت أهدافها في الأعضاء؟ هل استوعبت متغيرات العصر؟ هل لبَّت حاجات الأفراد؟ هل أثمرت ثمرتها المرجوة في واقعها المعيش؟ وهكذا.
ولا أرى أن تخضع هذه المناهج للتقويم والتقييم كل فترة زمنية محددة، بل يترك هذا الأمر إلى ما يتطلبه من تغيرات عصرية، وتطورات واقعية، وتحديات حركية؛ بحيث تكون هناك مرونة للاستيعاب الشامل.
5ـ أن تعالج هذه المناهج المفاهيم التي سادت خطأ: مثل تقديم مصلحة التنظيم على مصلحة الأمة، أو أن يصير التنظيم هدفا وهو في الأصل وسيلة، أو تكريس مفهوم السمع والطاعة دون فهم واستيعاب يؤديان إلى الحركة الواعية والدعوة الراشدة، وتجنب الأخطاء الواردة، أو تقديس القادة والمسئولين لدرجة تجعلهم فوق المراجعة والنقد، ولكن تعيد الأمور إلى نصابها؛ بحيث يخضع الجميع للمراجعة في ضوء آداب النصيحة، وإعطاء كل ذي حق حقه.
6ـ أن تُسْتَقى هذه المناهج من كافة المشارب العلمية والاتجاهات الحركية قديما وحديثا، ما دامت ستحقق أهدافنا المرجوة، ولا نقتصر على عالم بشخصه، أو تيار بعينه، أو زمن فلا نتعداه، أو كتاب في تخص معين فلا نتخطاه، بل الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
ولا يخفى ما في هذا المسلك من وسيلة فعالة في العمل على التفاهم بين الحركات العاملة، وتقارب وجهات النظر، ومعرفة الحق فنتعاون عليه، ومعرفة الباطل فنتكاتف ضده، ومعرفة مناطق الخلاف فتعاذر فيها ونتحاور حولها بالحكمة والموعظة الحسنة.

البعد الثالث: الأعضاء:
والبعد الثالث والأخير في هذه المنظومة هو العضو أو المُرَبَّى، الذي ننشئه على هذه الثقافة، ونربيه على تلك المفاهيم، فينبغي أن يراعي إزاءه عدة أمور:
1ـ أن تراعى المرحلة التي يمر بها؛ فلا يدرُس مناهج فوق طاقته، أو يكلف بأعمال ليست في وسعه.
2ـ ألا يوضع في مستوى ثقافي أقل منه فيُحبَط، أو أعلى منه فيَهبِط، بل يكون في مستوى يتناسب مع حالته الثقافية والتربوية، مما يكون له الأثر في اتساقه مع ذاته، ونموه بشكل طبيعي دون إفراط ولا تفريط.
3ـ أن يراعى في القائد أو المسئول عن الأعضاء المستوى الثقافي والتربوي والرباني، فلا يكون أقل منهم ثقافيا وعلميا وتربويا وإيمانيا؛ حتى تؤتي العملية التربوية أكلها، وتثمر ثمارها، ونتجنب المشكلات التي يمكن أن يتمخض عنها تدني مستوى المسئول عمن حوله علميا وربانيا.

إذا راعينا هذه الأبعاد الثلاثة، واجتهدنا في اعتبار ما فيها من ضوابط وجوانب، أعتقد أننا سنكون أقرب إلى الفعل الحضاري الإيجابي، والإفادة من تراثنا القديم والانتفاع بإنتاجنا المعاصر، والوعي بطبيعة واقعنا وتحديات المرحلة التي نحياها، مستشرفين المستقبل الذي نرنوه ونسعى إلى تحقيقه. والله الموفق.

وصفي عاشور أبو زيد
غرة شهر المحرم الحرام 1430هـ

الجمعة، 13 فبراير 2009

استشارات دعوية عامة


الاسم
خالد
البريد الإليكتروني
الدولة
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة اريد ان اطلق لحيتي و ابي يرفض و انا اعلم ان اللحية فرض و لكن لا اريد اعقوق ابي . ماذا افعل؟ علما اني تحدثت معه كثيرأ و هو يقول لي ان اللحية سنة و طاعة الوالدين فرض

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
فإن في اللحية كما هو معروف ثلاثة آراء: الأول: الوجوب، والثاني: الاستحباب، والثالث: أنها عادة وعرف ينزل فيها المسلم على عرف بلده.
والواجب عليك هنا أن يكون لك في سيدنا إبراهيم عليه السلام أسوة، فإنه لم يغضب أبويه ولم يعص ربه جل ثناؤه، فبناء علاقات قوية بينك وبين أبيك وأمك ومشاركتك له أعباء الحياة ومشاكله يزيده ثقة فيك ولن يعارضك في رأي بل سيسعى لكسب حبك ومودتك، ويحرص على معرفة رأيك في كل شأن، قال تعالى: "وصاحبهما في الدنيا معروفا، واتبع سبيل من أناب إلي". والله أعلم.

الاسم
خالد المصري
البريد الإليكتروني
الدولة
مصر
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في عصر الانترنت والفضائيات –برأي حضرتك أستاذ وصفي– ما هي انجع الوسائل للدعوة ؟ جزاكم الله كل خير
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،
فلا يخفى عليك ـ أخي خالد ـ أن الدعوة هي فرض عين على كل مسلم؛ وذلك على طريقة: "بلغوا عني ولو آية"، وإذا كانت فرائض الإسلام تأخرت بعد سنتين من نزول الوحي على الأقل، فإن الدعوة كانت فريضة مع أول النزول، ومن ثم فلا عذر لأحد يعرف شيئا في دين الله ـ حتى لو آية ـ أن يقعد عن تبليغها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع: "وليبلغ الشاهد منكم الغائب".
ووسائل الدعوة تختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص والحال كما تختلف الفتوى تماما، فلكل عصر وسائله، ولكل بيئة وسائله، ولكل مرحلة عمرية وسائلها، ولكل مستوى ثقافي وتعليمي واجتماعي وسائله أيضا.
ومن الوسائل التي أكرمنا الله بها شبكة الانترنت والفضائيات، فإن كنت من أهل العلم فشارك في برامج الفضائيات حديث رئيسيا، أو مساهمة في توجيه برامج معينة والتأثير عليها بما يخدم الإسلام ودعوته، وفي الانترنت يمكنك كتابة مقالات أو إنشاء مدونات أو غرف للتواصل الدعوي مع غيرك، أو التعليق الفعال على مقالات مخالفة لخط الإسلام العام، أو حشد الآراء والرأي العام على الانترنت لخدمة قضية معينة أو رأي محدد أو ضد تيار معين، وأحسب أن النت اليوم والفضائيات من أقوى الوسائل التي يمكن أن نبلغ من خلالها دعوتنا، والله معك.

الاسم
ابو عامر
البريد الإليكتروني
الدولة
السؤال
لا شك ان الدعوة هي منحة من الله لمن يتصدر لها لكن بالنسبة لي كأمرأة ولدي اطفال وزوج وبيت ويجب ان اعطي كل منهم حقه وزيادة ، في ظل ذلك كيف اوفق بين واجباتي المنزلية والدعوة الي الله ؟

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،
في حديث رواه البخاري عن أبي هريرة قال: ( نساء قريش خير نساء ركبن الإبل ، أحناه على طفل ، وأرعاه على زوج في ذات يده). ومن المعلوم أن الوظيفة المقدسة للمرأة هي الأمومة والزوجية، لا يعلو عليها عمل، ولا تنازعها مهمة، ثم إذا قامت المرأة بواجبها الأول والأشرف فباب الدعوة مفتوح يستوعب كل الطاقات والقدرات، وإلا فـ "أشرف وظائف المرأة" كما عبر الشيخ محمد الغزالي أولى بها وأوجب عليها.

والأفضل من هذا أن توازن المرأة بين واجبها في البيت وواجبها في المجتمع، تقوم بواجب أولادها وزوجها، وتقدم ما استطاعت لدعوتها ومجتمعها؛ تدعو الناس وتطلب العلم وتحضر المساجد، وتعلم غيرها، وتتعاون مع أخواتها، لكن إذا حدث تعارض من كل الوجوه بحيث استحال الجمع عليها يجب ـ فورا ـ أن تقدم بيتها وأولادها وزوجها؛ لأنه المرأة ـ في تقديري ـ لو أحسنت تربية أبناءها فقد قدمت خدمة جليلة لدعوتها وأمتها، من خلال تقديم جيل جديد للبشرية يؤمن برسالته، ويعمل عليها ويجاهد في سبيلها ويموت من أجلها.
وينبغي أن أنبه هنا إلى أمر هام وهو دور الزوج، حيث ينبغي أن يكون الزوج متعاونا مع زوجته، ومتضامنا معها، فلا يتسلط عليها ويمنعها من الدعوة والعمل العام لأتفه الأسباب، بل يجب أن يكون لها خير معين ونصير بما لا يهدد في النهاية كيان الأسرة، والأمر في النهاية يرجع إلى المرأة في مدى قدرتها على التوازن والتوفيق، وإلى الزوج في مدى مساعدته لزوجته وتشجيعه لهلا وتحمله معها.







الاسم
محب للاسلام
البريد الإليكتروني
الدولة
السؤال
أنا في جامعة مختلط فيها العلاقة بين الشباب و الفتيات واريد ان اري هذه الامة بخير واعلم ان النساء فتنة واعتقد انه لو التزمة الفتيات بالزي الشرعي لانصلح حال كثير من الشباب . فكيف ادعو الفتيات الي الالتزام وفي نفس الوقت لا اقع في الفتنة ؟

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة محكمة إلى يوم القيامة، وهي الميزة التي أناط الله بها خيرية هذه الأمة مع الإيمان بالله، وواجب كل مسلم أن يقوم بهذه الفريضة فيما هو مسئول عنه، الأب في البيت والأم يعلمون أولادهم صحيح الإسلام وفرائضه، والعميد في الكلية والأساتذة فيا لجامعة ينشئون طلابهم على هذا، وكذلك المعلم في المدرسة، والأخ مع أخته، والزوج مع زوجته وأبنائه، وهكذا، فلو قام كل مسلم بواجبه، وتولى رعاية رعيته بما يرضي الله تعالى لانصلح حال الأمة.
وأود أن أنبه أخي الكريم إلى أن الاختلاط ليس حراما في دين الله، وإنما ينبغي أن تكون له ضوابط وشروط، وقد تحدث الرجال مع النساء في عصر الرسالة في حوارات لا حصر لها.
وإذا قرأت معي قصة سيدنا موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب لتبين لنا بجلاء الآداب والشروط والضوابط لخروج المرأة وحديثها مع الرجال واختلاطها معهم.
لقد دهش سيدنا موسى u عندما ورد ماء مدين، ووجد امرأتين تذودان، فكان سؤاله }مَا خَطْبُكُمَا {[القصص : 23] ، وهذا يعني غرابة أن تقوم النساء برعي الغنم، وقد عبر القرآن عن ذلك بالخطب وهو دائما الأمر الجلل. وكان الجواب رائعا حيث أجابتا بالأدب قبل السبب فقالتا: }لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ{ ، أي نلتزم أدب الخروج في عدم مزاحمة الرجال ومخالطتهم وسبب خروجنا عدم وجود عائل قادر على الكسب بسبب شيخوخة الأب، وهنا يقول الشيخ الشعراوي(كتاب المرأة كما عرضها الله، ص 39-40 وكتاب القرآن الكريم معجزة ومنهاج، ص108 -109.):
"الضرورة هي التي أخرجت البنتين لسقي الماشية، وليس معنى الاضطرار أن تفرضا نفسيهما رجلا ويتزاحم مع الرجال فالاضطرار له حدود فوقفتا بعيدا إلى أن يصدر الرعاء، ووظيفة المجتمع الفاضل أن يسارع إلى قضاء حاجة المرأة حتى ترجع إلى مكانها فلا يستغل فرصة الخروج ويماطل معها"
هذه هي المروءة التي قام بها سيدنا موسى u عندما وجد امرأتين تحاولان سقي غنمهما بادر إلى المساعدة المتجردة الراقية وليست المساعدة المغرضة الهابطة لأهداف شيطانية، بل سقى لهما ثم انحاز عنهما، ولم يفعل كما يفعل بعض شباب ورجال اليوم مع النساء من تقديم خدمات، تتبعها مماحكات وحكايات واحتكاكات وضحكات ومحرَّمات، لكنه: } تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ{ [القصص : 24]، فجاءه الحلال الصافي يطرق بابه: } فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء{[القصص : 25].
وهذا يفيد الإباحة مع التزام الشروط والآداب الشرعية، قال الزمخشري في تفسيره: " إِنْ قِيلَ كَيْف سَاغَ لِنَبِيِّ اللَّه الَّذِي هُوَ شُعَيْب u أَنْ يَرْضَى لِابْنَتَيْهِ بِسَقْيِ الْمَاشِيَة ؟ قِيلَ لَهُ : لَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْظُورٍ وَالدِّين لَا يَأْبَاهُ ; وَأَمَّا الْمُرُوءَة فَالنَّاس مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ , وَالْعَادَة مُتَبَايِنَة فِيهِ , وَأَحْوَال الْعَرَب فِيهِ خِلَاف أَحْوَال الْعَجَم , وَمَذْهَب أَهْل الْبَدْو غَيْر مَذْهَب الْحَضَر , خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ الْحَالَة حَالَة ضَرُورَة".
لكنه لا يفيد الوجوب الذي تطلع به هيئة الأمم والمنظمات النسائية والمؤتمرات الدولية التي تسعى إلى تمكين المرأة من الوظائف العامة مع الإهمال الجسيم لتحقيق المرأة رسالتها الأولى وهي الزوجية الرائقة، والأمومة الفائقة لتربية أجيال تصنع الحياة وفق منهج الله تعالى. (من كتاب لأستاذنا الدكتور صلاح سلطان عن المرأة والرجل بين المقام والمهام).


الاسم
حسن
البريد الإليكتروني
الدولة
السؤال
ارسل لي احد اصدقائي اميل يخبرني فيه ان احدي القنوات الاطالية تجري استفتاء عن من مجرم الحرب في غزة وكانت الاختيرات اسرائيل باستخدام قنابل الفسفور حماس باستخدامها دروع بشرية واختيرين اخرين والعجيب ان 80 كانت ضد حماس فكيف نواجه هذا التشويه الاعلامي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،

بالفعل وصلتني هذه الرسالة على بريدي أيضا، وحينما فتحتها وجدت النتيجة مباشرة بحيث لا تعطينا الصفحة فرصة للتصويت، والواجب في مثل هذه الحالات إن كان استفتاء طبيعيا أن نحشد له الزملاء والأصدقاء لتغيير نتيجته؛ لأن مثل هذه الاستفتاءات يكون لها تأثير في توجيه الرأي العام، ومن ثم اتخاذ القرارات في ضوء مجموعة من الضوابط والقواعد منها هذه الاستفتاءات، والله أعلم.

الاسم
عادل علي غضنفر
البريد الإليكتروني
الدولة
مصر
السؤال
الأستاذ الفاضل وصفي عاشور جزاكم الله خيرًا لما تقومون به من جهد مشكور في مجال الدعوة، وسؤالي هو: كنت بفضل الله ولا زالت محافظًا على صلاة الفجر، ولكن في الفترة الأخيرة بدأ ينفلت مني يوم أو يومين في الأسبوع، ولا أدري هذا لتقصير أو ذنب أصببته. الرجاء أفيدونا أعادكم الله إلى وطنكم بالخير.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،
الأخ الفاضل الأستاذ عادل علي، فأنت من يسألك الناس عن هذا وتفتيهم لما لك من مساهمات دعوية طيبة، وأنت تعلم وسائل الاستيقاظ لصلاة الفجر من نوم مبكر وعدم إرهاق البدن إرهاقا شديدا بالنهار، وعدم اقتراف المعاصي بكل أشكالها كبائر وصغائر، وأخذ بالأسباب للاستيقاظ من استخدام جرسا لمنبه أو أحد أصدقائك يوقظك بالهاتف ونحو ذلك من وسائل، وفوق هذا كله استشعار الأجر العظيم لصلاة الفجر، وأنت من يعلمه للناس. واعلم أن العدب إذا نوى نية صادقة لله أن يصلي الفجر فلسوف يسخر الله له من يوقظه. رعاك الله ووفقك وتقبل منا ومنك.




سعاد -
الاسم

الوظيفة
احيانا يضيفني بعض الناس ع الايميل واكتشف انه رجل فاقوم بالحديث معه لكن لدعوته الي الصلاح فهل ما افعله صحيح ؟
السؤال

الحديث على الإنترنت بين الرجل والمرأة حكمه ـ في كثير من جوانبه ـ حكم الحديث مباشرة وجها لوجه، لا سيما وقد أتيح الآن الرؤية عن طريق الكاميرات المعروفة في هذا الشأن، وليس هناك فرق من حيث الشكل سوى عدم تحقق الخلوة التي هي ذريعة لارتكاب الفاحشة. غير أن المحادثة عبر "الماسنجر" يعطي للرجل والمرأة على السواء بعض الأمن عبر بعد المسافة وعدم المواجهة ما يتيح لهما الجرأة في الطرح، والكلام فيما قد يُستَحَى الحديث فيه عبر المواجهة. الحرام لذاته والحرام لغيره وينبغي أن نفرق بين أمرين في حكم الحرام، وهو أن الحرام نوعان: حرام لذاتيه، وحرام لغيره، فالحرام لذاته هو الذي يحرم لذات الفعل مثل شرب الخمر والسرقة والزنا، والحرام لغيره ما كان حلالا في أصله لكن قد يطرأ عليه من المتغيرات والخارجيات ما ينقله من منطقة الحل إلى منطقة الحرمة. الأصل الإباحة وقد يَرِدُ ما يُحَرِّم ونستطيع أن نقول باطمئنان: إن لقاء الرجل بالمرأة وحديثهما معا لا يوجد دليل على حرمته الذاتية، لكن قد يطرأ عليه ما يجعله حراما، فالحرمة ـ إن وجدت هنا ـ كانت حرمة خارج الأمر لا نابعة من ذاته. ضوابط عامة ومن هنا وضع الفقهاء ضوابط لحديث الرجل مع المرأة، ووردت فيها الآيات الكريمة، مثل عدم الخضوع بالقول، والحشمة الشرعية بشروطها التي لا تشف ولا تصف وتشمل جميع البدن ما عدا الوجه والكفين في قول الجمهور، وحظر كل فعل أو قول يمكن أن يكون ذريعة لشعور بشهوة أو مقدمة للتفكير في المعاصي. ضوابط خاصة لكن في الحديث على الإنترنت عبر "الماسنجر" يستحب في هذه المنتديات أو تلك الأحاديث الدعوية أن يكون الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، فهذا أسلم لدين الرجل والمرأة ما لم تدع إليه حاجة أو ضرورة، فإذا دعت الحاجة فينبغي أن نضيف بعض الضوابط التي تختص بهذا النوع من المحادثة على النحو التالي: أولا: ألا يتطرق الحديث بتاتا إلى المعلومات الشخصية كأن يسأل أحدهما الآخر عن السن أو التعليم أو الحالة الاجتماعية ونحو ذلك. ثانيا: أن يكون الموضوع يستحق الحديث ، ومن الجدة بموضع بعيدا عن مجرد المهاترات وشغل الوقت. ثالثا: ألا يتعدى الحديث خارج إطار القضية المطروحة أو موضع المناقشة أو موضوع الحوار المتبادل. رابعا: إذا شعر الرجل أو المرأة بميل قلبي أو تطرقت الشهوة إلى قلب أحدهما فعليه أن يكف عن الحديث ويقطع المكالمة فورا، وإلا وقع في حبائل الشيطان واتبع خطواته التي نهانا الله عن اتباعها. خامسا: إذا أمكن الاكتفاء بالكتابة فهو أفضل، وإن كان هناك حاجة إلى الحديث بالصوت لاختصار الوقت مثلا وإنجاز المهام، فيجب مراعاة الضوابط الشرعية لذلك كعدم الخضوع بالقول أو ترقيق الصوت ونحوه. وأخيرا كل إنسان على نفسه بصيرة، وكل فرد أعلم بنفسه ومدى ضعفها أو قوتا، فمَن علم مِن نفسه ضعفا، وخاف على نفسه الوقوع في مصائد الشيطان وجب عليه الكف عن المحادثة ، وإنقاذ نفسه، ومن ظنَّ في نفسه الثبات واليقين، فإننا نرى جواز هذا الأمر في حقِّه لكن بالشروط السابقة. وينبغي للمرأة والرجل أن يعلما حكم أي فعل قبل الإقدام عليه ، والسؤال عن جوانبه المختلفة، فالعلم بحدود الله من أفضل ما يسعى الإنسان إلى تحصيله. والله أعلم.

الاسم
حسن
البريد الإليكتروني
الدولة
السؤال
أنا معك استاذ وصفي بالنسبة لماذكرته في سؤالي الاول لكن من ضمن الخيارات التي كانت موجوده في الاستفتاء ان حماس استخدمت دروع بشرية وهذا لم يحدث فكيف نعالج هذا الامر وهل من خطة دعوية شاملة ؟
أخي العزيز الأستاذ حسن، مرحبا بك مرة أخرى
حتى لو استخدمت حماس أسلحة مثل التي تستخدمها إسرائيل أليس هذا من حقها؛ دفاعا عن نفسها، ودحرا لمحتل الغاصب؟
الخطة الشاملة هنا ليست دعوية وإنما إعلامية، وأعتقد أن الإخوة في حركة المقاومة الإسلامية وباقي فصائل المقاومة يتمتعون بخطاب سياسي وإعلامي جيد، ودورنا نحن أن نعزز هذا الدور بكل ما نستطيع: عبر مقالات نكتبها وأخبار نرسلها وإيميلات نتبادلها، وردود نقوم بها ونقاشات بين أهلنا وإخواننا وجيراننا، وهكذا حتى تتم محاصرة هذا الأفكار المغرضة، والإعلام الهابط الذي يريد أن يحول الجاني إلى ضحية والضحية إلى ظالم ومخطئ، والله المستعان.

الاسم
فهد
البريد الإليكتروني
الدولة
السؤال
للاسف الشديد ابي مدمن خمر وحاولت معه كثيرا بالحديث وبالنصح ليمتنع فما استجاب فماذا افعل كي ادعوه الي ترك الخمر
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،
حيا الله أخي الكريم فهد لحرصه على أن ينقل أباه من ساحة المعصية إلى باحة الطاعة، ومن دائرة غضب الله إلى بحبوحة رضاه، ولن أزيد هنا في إجابتي لك على عرض آيات من القرآن الكريم في حوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه، علما بأنه كان يحاوره في الكفر والإيمان وليس في الطاعة والمعصية، قال تعالى في سورة مريم: " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً {41} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً {42} يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {43} يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً {44} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً {45} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً {46} قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً {47}". صدق الله العظيم.

الاسم
عبدو
البريد الإليكتروني
الدولة
الجزائر
السؤال
انا مشكلتي تتعلق بوالدي فهو باختصار يعبد النث من دون الله فاوقاته كلها يقضيها في النث الى درجة انه لا يصلى الصلوات في وقتها بسبب انشغاله في النث بالاضافة انه لا يصلي صلاة الصبح و صلاة الجماعة في المسجد و هذا الامر يحزنني كثيرا و لكن الشىء الغريب في هذا كله ان مايشغله في النث لا يغضب الله لان جل وقته يقضيه في احد المنتديات الغربية باللغة الفرنسية و هو موقع يطرح العديد من القضايا منها القضايا الدينية ووالدي في احيان كثيرة يقوم بالدفاع عن الاسلام في هذا الموقع لان لديه ثقافة دينية عالية فانت عندما تسمعه يتحدث عن الاسلام تظن انه ولي من اولياء الله لكنك عندما تنظر الى اعماله تجد خلاف ذلك تماما. لذلك انا اشعر اني لدي مسؤولية اتجاه والدي لكني في نفس الوقت اشعر بالعجز و لا اعرف كيف ادعوه الى الالتزام و ارجوا من سيادتكم ان ترشدوني الى ما يجب علي فعله و هل سيحاسبي الله عزوجل ان انا قصرت في امر والدي. وجزاكم الله عنا الف خير

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،

لو تأملت الإجابة على سؤال الأخ فهد لوجدت بغيتك إن شاء الله، وتزيد عليه أن ترجوه إن كان يدافع عن الإسلام أن هذا الإسلام أين هو منه أولا، هل يقيم فرائضة؟ هل استشعر لذته، هل استوعب حمه ومقاصده؟ فإن لكل هذا دورا كبيرا ومعينا عظيما في أن يعينه على تبليغ دعوة الله جل ثناؤه


بسمة
البريد الإليكتروني
الدولة
السؤال
في الحقيقة اريد من حضرتك خطوات عملية لتفعيل واجب المقاطعة كدعوة عامة للناس لتفعيل هذا الدور الذي يجهله كثير من الناس
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،
لا شك أن المقاطعة الاقتصادية كسلاح فعال كتبت فيه آلاف المقالات حول شرعيته وتاريخه ونماذجه ، ولا شك كذلك أن المقاطعة الشعبية في صورتها الشعبية تأخذ شكل الاحتجاج والتعبير عن الرفض أكثر من كونها أداة حقيقية من أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي لأنها ومهما بلغت من تفعيل على المستوى الشعبي وأبانت عن معدن الشعب المسلم الأصيل إلا أنها تبقى عاجزة عن استخدامها كسلاح فعال ملم تتبناها الحكومات والدول الإسلامية معلنة عن منع بيع البترول إلى أمريكا ومنع استيراد منتجاتها بصورة قاطعة ، يومها تتحول المقاطعة الاقتصادية إلى سلاح ، ولأن هذا غير حاصل ولا وارد الحدوث في المستقبل القريب ، فعلينا أن نفعل المقاطعة الشعبية كوسيلة احتجاج وضغط وفق استراتيجية محكمة وحكيمة ، تعتمد أولا على تحديد مراحل المقاطعة ، وأهمها:

• المرحلة الأولى التي تستهدف جميع السلع الكمالية الرفاهية والاستهلاكية مثل ( المشروبات والمأكولات السريعة التيك اواي – والملابس – ومنتجات وسائل الإعلام مثل الأفلام والمسلسلات وما شابهه ذلك من السلع الاستهلاكية البحتة ) – والسلع التي لها بدائل متوفرة في الأسواق مثل ( التفاح والأرز والفول والقمح والموز وبعض الفواكه ، والأدوية والمبيدات والصابون والمنظفات والكيماويات وغيرها.

• ثانيا : تحريك المقاطعة إلى مستو آخر غير المستوى الشعبي ، وهو مستوى طبقة المستوردين والمستثمرين ورجال الأعمال ، ومستوى التجار أصحاب المحال التجارية والسوبر ماركت ، لإشراكهم في تفعيل المقاطعة وذلك عن طريق تكوين لجنة من ناشطي المقاطعة تسمي لجنة تفعيل المقاطعة الاقتصادية بين أصحاب رؤوس الأموال والتجار

ويتم تقسيم هذه اللجنة إلى أربع لجان فرعية أساسية :

1. لجنة إعداد الدراسات الاقتصادية للبدائل المتاحة أمام المستثمر المسلم ، لتوفير أنشطة ومنتجات بديلة في حالة توقفه عن استيراد أو تصنيع المنتجات ذات العلامة التجارية الأمريكية والصهيونية ..

2. لجنة ميدانية ( وفد ) يزور المستثمرين ورجال الأعمال يشرح لهم المقاطعة أسباب وأهداف وبدائل وتوقعات مع إثارة النخوة الإسلامية وضرب أمثلة بأثرياء الصحابة من أمثال عثمان بن عفان ودوره في بناء المجتمع والدولة الإسلامية .

3. لجنة ميدانية تزور أصحاب السوبر ماركت والمراكز والمحلات التجارية من أصحاب رؤوس الأموال المتوسطة والصغيرة لشرح نفس وجهة النظر شفاهة .

4 . لجنة الصياغة والإعلام والإنترنت ، وتستهدف أساسا صياغة ونشر كل ما سبق مع التركيز على فرص الاستثمار البديل بدراسات اقتصادية دقيقة وموضوعية ، وتركز على نفس الفئتين من أصحاب رؤوس الأموال والتجار عن طريق إرسال النشرات والدوريات إليهم عبر الايميل والإنترنت والبريد العادي والإعلان في الصحف والفضائيات ما أمكن إلى ذلك سبيلا ثالثا : تنشيط قاعدة المقاطعين لتفعيل دورهم ، إما لكتابة رفضهم للمنتجات الأمريكية في صناديق الشكاوى والمقترحات ، والتحدث مع مسؤولي المراكز التجارية شفاهة ، ومن خلال مراسلتهم عبر وسائل الاتصال المتاحة .. رابعا : تقديم الغطاء القانوني للمقاطعة ، وحماية المقاطعين وناشطي المقاطعة حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون بأي صورة من الصور ، عن طريق :

- التركيز على أن المقاطعة لا تعني بالضرورة تصنيف المقاطعين إلى لون سياسي معين ولكنها دعوة شعبية عامة تنتظم جميع فئات الشعب .. وهم أقرب للجمعيات الإنسانية الرافضة للحرب والهيمنة الأمريكية على العالم مثل جماعات السلام والبيئة وغيرها ..

- المقاطعة وسيلة احتجاج سلمية ومشروعة ولا تتضمن الحض على الاعتداء أو التخريب للمصالح الأمريكية بأي وسيلة من الوسائل.

الاسم
زينة
البريد الإليكتروني
الدولة
السؤال
حلفت يمين ع المصحف باني لن اسافر الى بلد معين وكنت في حالة غضب شديد ولكني سافرت بعدها مضظرة فما كفارة يميني؟وشكرا
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،
لا يعتد بالغضب إلا إذا غيب العقل، وفي حالتك هذه يجب عليك التكفير شرعا، بمقتضى قوله تعالى: " لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". المائدة: 89.
و عن تميم الطائي، عن عدي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حلف أحدكم على اليمين، فرأى خيرا منها، فليكفرها، وليأت الذي هو خير). رواه مسلم
وقد نصت الآية الكريمة على مرتبتين : الأولى: ثلاثة كفارات، والثانية كفارة واحدة
1ـ إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة.
2ـ صيام ثلاثة أيام.
والله أعلم.

الثلاثاء، 10 فبراير 2009

د. حبلوش: الجبهة كيان شرعي له تاريخ

في رده على وكيل الأزهر:
د. حبلوش: الجبهة كيان شرعي بأعلامها وقضاياها

وصفي عاشور أبو زيد
أكد الدكتور يحيى إسماعيل حبلوش أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأمين عام جبهة علماء الأزهر السابق، أن جبهة علماء الأزهر تستمد شرعيتها من أعلامها البارزين الذين انتموا لها على مر تاريخها، ومن قضاياها التي تتبناها وتؤمن بها وتدافع عنها.
وكان الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر قد أدلى بتصريحات لإسلام أونلاين . نت 16/9/2007م عقب إعلان الجبهة عن تجديد نشاطها من الكويت وإطلاق موقع لها على الإنترنت قال فيها: "إنه لا يمكن الاعتراف بجبهة علماء الأزهر لكونها كيانا غير شرعي، وأن الأزهر ليس له إلا إدارة واحدة تتمثل في مشيخة الأزهر وما يصدر عنها، وأي كيان يصدر عن غير هذه المؤسسة باسم الأزهر سيكون كيانا غير شرعي، مهما كانت أهدافه".
وأضاف: "أن ما يجعل جبهة علماء الأزهر غير شرعية، ولا يمكن أن يتم الاعتراف بها، هو وجود كيان أساسي يمثل الجبهة العليا لعلماء الأزهر هو مجمع البحوث الإسلامية، ومن يريد الانضمام إلى المجمع فليتقدم بطلب إلى رئيسه عندما يخلو مقعد به؛ حيث إنه في كل فترة يخلو موقع من أعضاء المجمع لسبب أو لآخر، ويتقدم لشغل هذا المقعد أكثر من عالم، ثم يعرض على المجلس بكامل هيئته، ويتم انتخاب المستحق بمنتهى الشفافية والديمقراطية".
هموم الجبهة وقضاياها
وفي رده على كلام وكيل الأزهر قال الأمين العام السابق للجبهة د. يحيى إسماعيل في تصريحات خاصة لإخوان أونلاين: "كتبنا نستصرخ للقرآن ممن خانوا حقه، واسترخصوا قدره، واعتدوا على حرمته، حيث َرخَّصُوا للتلاعب به، والتراقص والمكاء والرقص والصفير عند تلاوته، وحذرنا هؤلاء ومن سكت ويسكت عليهم من عظيم غضب الله تعالى، وذلك في البيان الصادر عن جبهة علماء الأزهر عبر موقعها الرسمي http://www.jabhaonline.org/، بعنوان: "إلى الذين سوغوا بمراكزهم الرسمية المكاء والتصدية حول القرآن الكريم بعد أن اتخذوه مهجورا"، وذلك في الثاني والعشرين من شعبان 1428- 4 سبتمبر2007.
وقال الأمين العام السابق: "بدلا من أن يواجه هؤلاء مثل هذه القضايا إذا بأحدهم يهاجم الجبهة؛ لأن القرآن وجد من علمائها من يغار له ويفضح أمر الخائنين له، حتى قال عن علماء الجبهة الذين هم أساتذة شيوخه "الجبهة كيان غير شرعي مهما كانت أهدافها"، هكذا، مهما كان أهدافها عند فضيلته، حتى ولو كانت هذه الأهداف هي العمل على إعزاز الإسلام والمسلمين ورفع شأن الأزهر والأزهريين كما يقضي به قانون تأسيسها، فهي على ذلك غير شرعية في عرف فضيلته"
وأضاف مستنكرا: "ولا أدري لِمَ لَمْ ينشغل وكيل الأزهر باتهام آخر نشر بمجلة نصف الدنيا المصرية بالعدد 547 من الدكتور عبد الحليم نور الدين أستاذ اللغة المصرية القديمة ورئيس قسم الآثار المصرية بجامعة القاهرة آنئذ، والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الأسبق حيث قال: "إن الأزهر الشريف قد أخطأ في حق القرآن الكريم قبل أن يخطئ في حق اللغة العربية "، وذلك على إثر صدور تقريظ ممهور بتوقيع شيخ الأزهر يثني فيه على عمل مغموز أجمع كل من يعتد برأيه من أهل العلم على أن أقل ما يقال فيه أنه عمل وضيع بكل المقاييس العلمية حيث زعم فيه صاحبه أن القرآن كتاب أعجمي ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجهل معاني ما يوحى إليه منه، وأنه صلى الله عليه وسلم كان مثل الكفار في شك وارتياب، وأن إبراهيم عليه السلام هو الفرعون إخناتون، وذلك كله كان في كتاب "الهيروغليفية تفسير للقرآن الكريم" وقد ضُمِّن هذا الكتاب ثناءً عاطراً من الإمام الأكبر بتوقيعه حيث قال: "إن هذا الكتاب فيه جهد يذكر فيشكر، وندعو الله أن ينفع به ، وأن يجعله في ميزان حسناته" وهو ما لم يجرؤ أحد من قبل أن يصنعه مع هذا المؤلف الذي كذَّب بصريح القرآن وتطاول على مقام النبوة والوحي في كتابه".
وعن دور الجبهة إزاء هذا الموقف قال د. حبلوش: "قد أحسنت رابطة العالم الإسلامي صنعا حين أسندت إلى فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أمر تقويم الاتهام والثناء والكاتب فجاء قوله فصلا في ذلك حيث قال: لقد بدا لي أن هذا الكتاب – الهيروغليفية تفسر القرآن - حلقة من حلقات الإفك الاستشراقي المرتبط عضويا وتاريخيا بالكنائس الغربية وبدوائر التجسس العالمي، الأوربي عامة، والأمريكي خاصة، والصهيوني الإسرائيلي بصفة أخص، وأن موقف شيخ الأزهر منه هو لغز محير يثير كثيرا من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، فالكتاب فيه خطايا دينية وعلمية لا تخفى على طالب علم أزهري، فكيف تسلمه شيخ الأزهر بالشكر والتقدير؟؟؟ وكيف وصفه بأن فيه جهدا يحمد فيشكر؟ وكيف يدعو الله تعالى أن يجعل كل هذه الأباطيل في ميزان حسنات المؤلف؟ وأن ينفع الله به؟".
واستغرب حبلوش أن تصدر مثل هذه التصريحات من الشيخ عمر الديب وهو في هذا المنصب الخطير الذي شغله من قبل فضيلة الشيخ محمود أبو العيون، والشيخ محمد عبد اللطيف الفحام، والشيخ محمد مأمون الشناوي، وغيرهم من الجهابذة، ويقول في الجبهة قولا لم يلفظ به أحد من قبل.
سجلات ووثائق تاريخية للجبهة
ودعا حبلوش وكيل الأزهر "أن يرجع إلى سجلات الأزهر ويطالعها؛ ليقف على مكانة الجبهة منها ومنه، ففي مجلة الأزهر الشريف ـ وهي من وثائق الأزهر الرسمية بغير منازع ـ عدد ربيع الآخر عام 1375 -1955 ص 383 بيان من جبهة علماء الأزهر عنوانه: "توحيد التعليم"، وقد نوهت المجلة ـ التي كان يرأس تحريرها آنئذ الأستاذ محب الدين الخطيب ـ نوهت بمكانة الجبهة ودورها في إحباط كيد العلمانيين والشيوعيين الساعين لإلغاء التعليم الأزهري بدعوى توحيد التعليم بمصر بعد أن أُلغي القضاء الشرعي بها بدعوى توحيد القضاء".
وتابع حبلوش قائلا: "فإن غابت تلك الوثيقة عن وكيل الأزهر فلن تغييب عنه الوثيقة الثانية، وهي في الجزء الثاني من المجلد الثاني والثلاثين، عدد صفر سنة 1380 الموافق يوليه 1960 في ص 237، وفيها: "جبهة علماء الأزهر تستنكر موقف شاه إيران باعترافه بإسرائيل"، وتحت هذا العنوان جاء هذا التفصيل: "أرسلت جبهة علماء الأزهر باسم عشرة آلاف من أعضائها برقية إلى الرئيس جمال عبد الناصر أعربوا فيها عن استنكارهم من موقف شاه إيران في اعترافه بالكيان الصهيوني وجحوده لحقوق عرب فلسطين".
وزاد قائلا: "عشرة آلاف عضو يا فضيلة الشيخ في جبهة علماء الأزهر عام 1960، كلهم من كبار علماء الأزهر على وفق ما يقضي به قانون تأسيسها المنشور على موقعها، ألا يستحقون منك أن تكف عن التطاول عليهم وعدم تقديرهم؟ لقد كان من هؤلاء الأعضاء الأئمة محمد أبو زهرة، ومحمد الغزالي، ومحمد فهمي أبو سنة، وعبد الحليم محمود- أحد من ولي مشيخة الأزهر - وكذلك الشيخ سيد سابق، ومحمد الطيب النجار- و هو أحد من ولي رئاسة جامعة الأزهر الشريف.
وأضاف موجها خطابه للشيخ عمر الديب: "باستطاعتك إن لم تكفك هذه البينات لرعاية حق الجبهة أن تطلب وثيقة "الحركات النسائية وصلتها بالاستعمار" وهي مودعة بالهيئة العامة للكتاب برقم 3432/78 وفيها ستجد البيان الصادر عن جبهة علماء الأزهر بتوقيع رئيسها آنئذ فضيلة الأستاذ الدكتور محمد يوسف موسي وعنوانه: "موقف الشريعة الغراء من حقوق المرأة"، وهو البيان الذي أسس عليه كبار العلماء وقتها مواقفهم وكان منهم: فضيلة الأستاذ الأكبر محمد الخضر حسين عضو الجبهة وشيخ الأزهر الأسبق، وقد نشر ذلك بصحيفة الأهرام الصادرة في 27/6/1953، وفضيلة الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق، وفضيلة الشيخ محمد عبد الفتاح العناني رئيس لجنة الفتوى بالأزهر يومها، وذلك في بيانه: "حكم الشريعة الإسلامية في اشتراك المرأة في الانتخابات البرلمانية " ص 99.
ودعاه أيضا أن يراجع العدد 292 للسنة 13 من مجلة النذير الصادرة في 23 رمضان 1371 -1951 وعلى غلافها قبل متنها ستجد مكان الجبهة بارزا تحت هذا العنوان: "عدد خاص بمؤتمر الاتحاد العام للهيئات الإسلامية لبحث الحقوق السياسية المزعومة للمرأة" وتحتها كتب هذا العنوان: النص الكامل لكلمات رؤساء ومندوبي العشيرة المحمدية - الإخوان المسلمون- جبهة علماء الأزهر- الجمعية الشرعية - شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي نهاية تصريحه قال لوكيل الأزهر: "نود أن تتقبل منا هذه النسخة من كتاب فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الودود شلبي، الأمين العام الأسبق لمجمع البحوث الإسلامية، والذي عنوانه: "من شيخ أزهري إلى شيخ الأزهر، الأزهر إلى أين" لتري منه كيف يكون حديث ذوي الشأن عن جبهة علماء الأزهر، وقد ختم الدكتور عبد الودود كتابه هذا بتلك العبارة المسئولة: "إن مهمة الأزهر الأولى هي الدفاع عن العقيدة، فإذا عجز عن الدفاع عن العقيدة فقدَ مبرر قيامه ووجوده". ص 195.
شيخ الأزهر والجبهة
يذكر أنه منذ أن تولى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي مشيخة الأزهر عام 1996 بدأ الصراع ضد الجبهة حيث رفض الدكتور طنطاوي بقاءها، بسبب معارضة فتاواها لفتاواه، وقام برفع قضايا ضد الجبهة استطاع في أواخر عام 1999 أن يحصل على حكم قضائي بحلها نهائيا، وعدم اعتبارها جمعية رسمية مشهرة.
ومنذ عام 2000 اختفت جبهة العلماء حتى ظهرت مرة أخرى في الكويت، وأطلقت موقعا لها عبر الإنترنت، معلنة إحياء رسالتها وتجديد نشاطها برئاسة الدكتور محمد البري.

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=31245&SecID=230

هموم الدعوة في حديث شامل مع د. سيد نوح


ا.د. السيد محمد نوح: اضطهاد التيار الإسلامي إعداد له على تحمل المسئولية
حاوره: وصفي عاشور أبو زيد

في ظل الهجمة التي يواجهها التيار الإسلامي من تضييق وتعسف وظلم ومصادرة للآراء والأفكار أكد الداعية المعروف الأستاذ الدكتور السيد محمد نوح ـ أستاذ الحديث وعلومه بجامعتي الأزهر والكويت ـ أن الذين يضيقون على أبناء الصحوة الإسلامية لو يعلمون الخير الذي يقدمونه لهم بهذا التضييق لما أقدموا عليه، وبين أن هذا التضييق إنما هو إعداد لهم لتحمل المسئولية يوم أن يلقيها الله على كواهلهم.
وأكد فضيلته أن واقع الدعاة إلى الله دائما يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، وإحياء للقلوب وتجديد للإيمان، لأن ذلك من أهم العوامل التي بها يستمر العمل ويثمر ويتطور لا سيما في ظل هذا الواقع الذي يطفح بالمادية مما يشكل خطرا على تكوين الدعاة وأحوالهم المختلفة.
وبين الشيخ أنه يجب على الدعاة إلى الله أن يستغلوا الوسائل الإعلامية المعاصرة من فضائيات وشبكة دولية ويستثمروا ذلك استثمارا أمثل لنشر دين الله، وأن يتحلوا بمزيد من الخلق والصبر والثبات أمام هذه المحن المتتابعة، حول هذه القضايا وغيرها فتح الدكتور السيد نوح صدره في حواره لموقع: "إخوان أون لاين"، فكان هذا الحوار:
**في البداية نود أن نتعرف على نظرتكم وتقييمكم لواقع الدعاة اليوم؟؟!
* إذا أريد بالدعاة العلماء الرسميون أصحاب اللفائف فإن نظرتي وتقييمي لهم : أنهم لم يؤدوا واجبهم المنوط بهم على النحو اللائق والمطلوب .
أما إذا أريد بالدعاة كل غيور يدعو للإسلام ، ويعمل له ، ويتحمل كل تعب ومشقة في سبيل ذلك ، فإن نظرتي وتقييمي لهم أنهم يؤدون مع تفاوت في حجم الأداء ، وكيفيته ومع الحاجة الشديدة إلى دوام التبصير والتذكير إلى الطريق الأقوم ومع الدعاء لهم بالتوفيق ، والنصر ، والتمكين.
**وكيف ترون موقف الدعاة إزاء القضايا الأخيرة التي حدثت مثل التطاول على النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنمارك، وتصريحات بابا الفاتيكان ضد الإسلام؟ هل كان رد الفعل على المستوى المطلوب، وهل يطغى جانب السلطة على الدعاة، أم ماذا ترون؟
* كان موقفهم متضاربا ، وغير حضاري إلا من رحم الله؛ إذ كان رد الفعل دون المستوى بكثير ، ولم يأت على الداء من أساسه ، وكانت مجاملة أو مراعاة مشاعر السلطان هي السمة العامة لهذا الموقف .
**في فترة ما قبل التسعينات كان هناك ما يمكن أن نطلق عليه الداعية العالم الذي يتكلم في كل شأن إسلامي ويتفاعل مع الواقع في ضوء الشرع أمثال الشيخ الغزالي والشيخ كشك والشيخ العدوي، وغيرهم من أعلام الدعوة، لكن لم يعد هناك على الساحة سوى النادر من هذا النوع، فلماذا اختفى مثل هؤلاء؟
* احتفى هذا الصنف من الدعاة من أمثال الشيخ الغزالي ، والشيخ كشك ، والشيخ العدوي من على الساحة اليوم إلا من رحم الله ، لأن تربية هؤلاء كانت تربية موسوعية شاملة ، مع الرضا من العيش بالقليل ، وحسبنا مقولة الشيخ الغزالي: كنا نعيش الإسلام كله: دينا ، وعبادات ، ونظما ، وتشريعات وأخلاقا ، وآدابا من خلال حصة المطالعة ، واليوم صارت التربية هشة ضعيفة لا تتجاوز مذكرات تحمل قشور العلم دون لبابه ، ويكون التركيز فيها على الحفظ دون السلوك والعمل ، مع التعلق الشديد بالدنيا بعد أن أقبلت على الناس بزهرتها ، وزينتها ، فصرفتهم عن التحصيل والعمل.

**وما هي الوسائل التي تعيد إلى الساحة هذا النموذج الفريد في رأيكم؟
* الوسائل التي تعيد إلى الساحة هذا النموذج الفريد في نظري هو إفساح المجال أمام المخلصين الصادقين المتمرسين من الدعاة ليتولوا تخريج هذا النوع الفريد المفقود اليوم وهم بخبرتهم سيضعون المناهج الشاملة الجامعة بين الأصالة والمعاصرة ، مع التربية عليها ، والمعايشة للمتابعة والتعديل والتدريب ، وحينئذ سنجد هذا الصنف من الدعاة يملأ الساحة من جديد ، وما ذلك على الله بعزيز.
**في الوقت الذي يجد فيه الداعية الفنانين ولاعبي الكرة يحصلون على الآلاف بينما لا يوفر هو ضرورياته إلا بشق الأنفس، ومطلوب منه أن يفرغ جزءا كبيرا من وقته للدعوة، فكيف يتغلب الداعية على الصعاب الحياتية في ظل طغيان المادة، ويؤدي واجباته نحو الدعوة؟!
* أن يتعلم القناعة والرضا بما قسم الله ، وأن يجعل الاشتغال بالدعوة إلى الله أساس تقسيم وقته وتنظيمه ، وأن يخصص ولو نصفه لكسب العيش ويذكر نفسه دائما بأن نعيم الجنة خير وأبقى وعما قريب فنحن إليه صائرون ، ويكثر من ذكر الله وتقوية الجانب الروحي ، أو الإيماني فإنه سيعنيه عن كثير مما يشغل الناس من الماديات على حد قوله ـ صلى الله عليه وسلم : ـ ( أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) ، وعلى حد قوله: (إن الناس في زمن عيسى ـ بعد خروج يأجوج ومأجوج ـ يكونون في فقر مدقع حتى يكون رأس الثور للمائة من الناس أعظم من الدنيا وما فيها، وطعامهم يومئذ: التسبيح والتحميد ، والتهليل ، والتكبير ) ، فكأنهم يستغنون بذكر الله عن الماديات من طعام وشراب ونحو ذلك .
**هذا الطغيان المادي ربما يؤثر سلبا على روح الأخوة بين الدعاة إلى الله، فكيف يحافظ الدعاة على روح الأخوة فيما بينهم في ظل هذا الواقع؟
* يحافظ الدعاة على روح الأخوة فيما بينهم في ظل هذا الواقع المادي ، بتقوية الجانب الإيماني أو الروحي الذي يثمر محبة الله للعبد ، وحين يحبه سيحبب فيه كل الخلائق ، ومنهم إخوانه؛ إذ في الحديث القدسي عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ( يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ..... الحديث ) ، وفي الحديث أيضا : ( إن الله إذا أحب عبداً نادى يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل في الملائكة ، إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فتحبه الملائكة ، ثم يوضع له القبول في الأرض ... الحديث ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعا .
**يعاني كثير من الدعاة من قسوة القلوب بفعل الواقع الذي تطغى فيه المادة أيضا، وعدم التأثر بالموعظة وكلام الله تعالى، فما أسباب ذلك، وما أهم وسائل العلاج في رأيكم؟
* تعود قسوة القلب هذه إلى أمور كثيرة منها : المعصية والتي قد يكون من بينها تعاطي الحرام أو على الأقل ما فيه شبهة ، والتقصير في عمل اليوم والليلة ، والتي منها إهمال القرآن وهجره ، أو تلاوة قدر بسيط لا يحيي القلب ويحركه ، وعدم رعاية الآداب أو العلاقات الاجتماعية ، ونسيان الدار الآخرة ، وعدم زيارة القبور ، وعيادة المرضى ، وتشييع الجنائز ، ونحوها .
وأيضا صحبة قساة القلب فتسري العدوى من قلوبهم إلى قلبه ، وقلة القراءة والإطلاع، وعدم استشعار الهم والمسئولية ، وأسباب أخرى يضيق المقام عن سردها واستيعابها .
أما أهم وسائل العلاج فتتم بتلافي هذه الأمور، فعلى من يريد أن يحيا قلبه أن يجتهد في عمل اليوم والليلة، ويحرص أن يكون مطعمه ومشربه وملبسه من حلال، ويتذكر الموت دائما، ويشيع الجنائز، ويعود المرضى، ويصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.
**نعيش في هذه الآونة طفرة إعلامية كبيرة تمثلت في عدد كبير من الفضائيات الإسلامية، ومواقع الإنترنت، فكيف نستطيع استغلال مثل هذه الفضائيات والمواقع في توصيل رسالة الإسلام إلى المجتمع؟؟
* يمكن استغلال الفضائيات والمواقع في توصيل رسالة الإسلام إلى المجتمع : بأن يتدرب كل من يجد في نفسه الكفاية على التعامل مع هذه الفضائيات ، وتلك المواقع تدريبا حسنا ، كي يجيد الممارسة الفاعلة ، ويكسب ثقة المشاهدين والمحاورين ، وما أكثر الأكفاء من أبناء الأمة المسلمة في هذا الشأن، ومن وجد في نفسه الكفاية من هذا الجانب ، ولم يتدرب ويزج بنفسه ، فهو آثم وآثم وآثم، وكما قال أبو الطيب:
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
**في ظل بزوغ التيار الإسلامي في عدد كبير من الدول العربية ونجاحه في الانتخابات كيف يمكن استغلال هذا النجاح في نشر الدعوة والأخلاق في المجتمعات العربية والإسلامية؟
* أن يتحلى أبناء التيار الإسلامي بمزيد من الأخلاق الإسلامية ، والسلوك الحميد ، وأن يضاعفوا من جهودهم ، وجهادهم ، ونشاطهم ، وأن يصبروا وأن يحتسبوا ، حتى يبلغ الكتاب أجله ، والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
**التيار الإسلامي ـ والصحوة الإسلامية بشكل عام ـ يواجه تضييقا ومصادرة في كثير من البلاد العربية والإسلامية، وكذلك على المستوى العالمي، فكيف تنظرون إلى هذا الواقع؟
* أنظر إلى هذا الواقع على أنه رحمة من الله ، وتربية وإعداد لتحمل المسئولية كاملة يوم أن تلقى على كاهل هذا التيار ، وهذه الصحوة الإسلامية المباركة ، وكثيراً ما أقول : لو يعلم هؤلاء المضيقون ، والمضايقون لأبناء التيار الإسلامي ، والصحوة الإسلامية مقدار المعروف والخير الذي يسدونه إلى هؤلاء ما أذوهم ولا ضيقوا عليهم، ولا ضايقوهم ولكن صدق الله ( أضل أعمالهم ) .
**أليس من العجيب أن تحارب بعض الدول شعائر الإسلام مثل الحجاب والنقاب، وهي دول إسلامية؟ كيف تحللون هذه الهجمة من الناحية الدعوية؟
* إنها هجمة من يبيع آخرته بدنيا غيره ، ويبقى الحجاب ، والنقاب ، وسائر شعائر الإسلام ويلقى هؤلاء عما قريب في مزبلة التاريخ ، ويحق عليهم قول ربنا سبحانه وتعالى : ( وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ، ويوم القيامة هم من المقبوحين ... القصص ) ، وانطلاقنا في ذلك من قول الحق تبارك وتعالى : ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ولو كره الكافرون ... براءة ) .
**كلمة أخيرة توجهونها لأبنائكم الدعاة في كل مكان.
* (استعينوا بالله ، واصبروا ، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ... الأعراف ) ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ، ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ... الأعراف ) .
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=25927&SecID=0

تكريما ووفاء للمستشار سالم البهنساوي




تكريما ووفاء للمستشار سالم البهنساوي
البهنساوي كان مثال العالم والإنسان

الكويت/وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@hotmail.com
أقامت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بدولة الكويت مؤخرا حفل وفاء وتكريم للراحل الكبير والفقيد الجليل الداعية والمفكر الأستاذ المستشار سالم البهنساوي الذي توفي عن عمر يناهز الـ 74 عاماً وهو يبلغ دعوة الإسلام في جمهورية أذربيجان في أثناء مشاركته في مؤتمر عن "الوسطية في الإسلام" فجر الجمعة 3 صفر 1427هـ الموافق 3 مارس 2006م نظمته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت في العاصمة الأذرية باكو.
وقدم الندوة د. عادل الفلاح، وكيل وزارة الأوقاف الكويتية، مشيدا بمكانته وعلمه وأخلاقه، وأن مصاب الكويت خاصة والعالم الإسلامي عامة بفقدانه كبير.
ثم تحدث الداعية الكبير الشيخ السيد نوح الذي بكى في مطلع حديثه ودعا له بالرحمة والمغفرة، وقال إن مجال القول ذو سعة عن فقيدنا الغالي، لكن أقتصر في حديثي على محورين رئيسين: الأول: منطلقاته في الفكر والسلوك، والثاني: كيف نكون أوفياء له، فأما منطلقاته في الفكر والسلوك فكانت ستة:
أولا: أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية من لدن آدم وحتى قيام الساعة، دين عالمي شامل لكل جوانب الحياة، صالح للتطبيق في كل زمان ومكان.
ثانيا: أن التمكين لهذا الدين لابد أن يكون من عمل البشر، بعيدا عن الخوارق والمعجزات من نزول ملائكة أو بين يوم وليلة، ومن هنا يكون الابتلاءُ الذي يستدعي الصبر مستشرفا دائما قوله تعالى: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ". النور: 55.
ثالثا: العمل للإسلام لابد له من تكاتف وتعاون وعمل جماعي منظم، مع الفهم الدقيق والنقد الذاتي لتوعية المسلمين وتبصيرهم بالطريق.
رابعا: أن البشر مخطئون، وليس عيبا أن تخطئ، لكن العيب أن تصر على الخطأ.
خامسا: معالجة الخطأ بما يناسبه من اللين والشدة.
سادسا: نفع النفس ونفع الغير، فكان لا يُرَى إلا مصالحا لمتخاصمين، أو مواسيا لمصاب، أو مشاركا في مناسبات اجتماعية، أو مجيبا لدعوة، أو قاضيا لأصحاب الحاجات حوائجهم.
ثم تناول أستاذ الحديث وعلومه بكلية الشريعة بالكويت المحور الثاني، وهو كيف نكون أوفياء لفقيدنا العزيز مقترحا مجموعة من الأمور، هي:
ـ إنشاء موقع خاص به على الشبكة العنكبوتية، تنشر عليه أبحاثه ومقالاته ونشاطه وحياته وجهاده.
ـ أن نعمل على تقرير كتبه في المقررات الدراسية لينتفع الطلاب بما فيها من فكر مستنير، واعتدال ووسطية.
ـ أن تقام مؤتمرات وتناقش في كل مؤتمر قضية من قضاياه، وهي كثيرة عنده، مثل: التطرف والغلو، الاعتداء على القرآن والسنة، الشريعة ومكانتها ومعالمها.
ـ أن يقدَّم اسمه إلى الجوائز العالمية، فإذا كانت أهلا يفوز بالجائزة، ومن ثم يلتفت الناس إلى أعماله ومؤلفاته.
أما الداعية المعروفة نسيبة المطوع فقالت: إن عمر الإنسان ليس بوجوده فوق الأرض، ولكن بطول ذكراه على الأرض بعد وفاته، وأشادت بوفاء الهيئة الخيرية وروعة ما تقوم به من تقدير لرموز الأمة، وأن العمل الخيري الذي تميز به البهنساوي هو خيرٌ محض لصاحبه فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، فهو عمل ممتع لصاحبه ومن يعمل معه ومن يصل إليهم سواء بسواء، كما أنه جهاد عظيم وفرصة للعامل أن يدعو إلى الله أثناء مواساة الناس وقضاء حوائجهم، فهو متعة دنيوية وسعادة أخروية، وقالت إننا نغبط الفقيد على هذه الجموع التي جاءت وفاء له.
وأشاد وائل الحسناوي الأستاذ المشارك بكلية الدراسات التكنلوجية ورئيس تحرير مجلة الفرقان بكتبه وقيمتها الفكرية والعلمية، وثمَّن مدافعته عن الإسلام والرد على العلمانيين.
أما الأستاذة خولة العتيقي عضو مجلس إدارة جمعية المعلمين الكويتية، فأعربت عن حزنها على فقده وقالت: إنه لم يمت ولكنه حي بيننا بعمله الصالح، وسيرته الطيبة، وكتاباته النافعة.
وتحدث الشيخ نادر النوري رئيس لجنة فلسطين الخيرية عن الفقيد في أربعة محاور: الأول عن شخصيته، وقال إنها كانت شخصية مخلصة حازمة ذات إرادة قوية وعزيمة صلبة كما كانت شخصية طموحة متفائلة مضحية.
وعن صفاته قال إنه جمع مجموعة نادرة من الصفات الكبيرة أهمها: العمق في العلم، والخبرة في الدعوة، والحكمة في الطرح والأسلوب، والحنكة في التجربة، والمرونة في التعامل، والصلابة في الحق، والصبر في المحن، والقدوة في السلوك، والإخلاص في العبادة.
وعن أخلاقه قال رئيس لجنة فلسطين الخيرية: جمع الفقيد بين أخلاق كريمة منها: سعة الصدر والحلم والأناة والإخوة، والسعي في مصالح الناس وخدمتهم، وكتمان السر، والإنصاف من النفس، والأدب الجم وعفة اللسان.
وقال النوري إنه في رؤيته وأفكاره جمع بين منهج متكامل في عشرة نقاط: معالجة الأخطاء، ومعرفة الواقع وتنزيل الحكم عليه، ووسطية الفكر، والرد على الشبهات وتفنيدها، وإعذار المخالفين، والدفاع عن السنة والانتصار للشريعة، ومراعاة أدب الخلاف، والتأصيل لفكر الدعوة، والدفاع عن رموز الدعوة، والتأصيل للتعامل مع غير المسلمين.
وكان مسك الختام بكلمة كريمته الأستاذة منال سالم البهنساوي التي أبدت سعادتها بهذا الاحتفال الوفي، وعبرت عن مدى فقدها له، والفراغ الذي تركه في حياتها، وذكرت من خلاله وصفاته وأخلاقه عشرة، هي: حبه للإسلام، وحرصه على أداء الصلاة في المسجد وبخاصة صلاة الفجر وعلى قراءة ورده يوميا من القرآن الكريم وعلى زيارة المقابر والدعاء للموتى، والبشاشة والابتسامة مهما كانت الظروف، والتفاؤل حيث كان يكثر من ذكر: تفاءلوا بالخير تجدوه، والبساطة والتواضع، وحب العلم والقراءة والحرص على اقتناء الكتب، وحب الأطفال والجلوس معهم والاستماع إليهم، والاهتمام والرعاية لأولاده وأهله، والنظام والترتيب، والاهتمام بالآخرين ومساعدتهم.

رحم الله الأستاذ المستشار سالم البهنساوي، وحسبنا كلمة نختم بها هنا، قالها عنه الداعية الدكتور توفيق الواعي: "ما كان الأستاذ المستشار سالم البهنساوي رجلاً عاديًّا، وإنما كان إنسانًا ذا طبعٍ ملائكي النزعة، إذا خالطته خالطت رجلاً صافيًا كماء المُزن، رقيقًا كأوراق الزهر، تلمس فيه الحنان والرقة والحدب والحب، وتحس فيه الإخلاص والأبوَّة والودّ، وإذا ناقشته وجدت علمًا غزيرًا، وأدبًا جمًّا، وأُفُقًا واسعًا، ونظرًا ثاقبًا، ومعرفةً غامرةً، يحيط بزمانه، ويلمُّ بواقعه، يملك زمامَ نفسه، ويدري وقعَ خطوه، ويعرف كيف يسير وسط الأشواك في أيام نحسات، يتعدَّى المزالق، ويختار الدروب، ويوجِّه بدون إحراج، ويعلِّم بمنطق القدوة، ويربِّي بأساليب الحب، ويدعو ببصيرة وحنكة، ويردُّ بصبر وأناه، وفقه وحكمة، انضمَّ إلى جماعة الإخوان المسلمين مجاهدًا بقلمه وعلمه لإحياء رسالة الإسلام التي أُقصيت عن المجتمع ونُحِّيت عن الصدارة وعمل على إقصائها عليها شياطين الإنس والجن من غيرنا ومن بني جلدتنا".



وصية أب لابنته ليلة الزفاف

وصية أب لابنته ليلة الزفاف
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@hotmail.com

كلنا يعرف تلك الوصية التي أوصت بها الأم العربية الأصيلة (أمامة بنت الحارث) ابنتها ليلة زفافها، وهي كلمات بليغة كأنها تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم، بتفعيلها وتطبيقها تتحول البيوت إلي واحات يغرد فيها الزوج والزوجة، وينعم فيها الأبناء بالسكينة والطمأنينة، ويرفرف على البيت الهناء والسعادة والرضا.
ولا شك أن المرأة (الزوجة) تعرف ـ بعد هذه الخبرة في الحياة الزوجية مع الزوج ـ ما يكدر صفو الرجل (الزوج)، وما يعكر نقاءه، ما يغضبه وما يفرحه، ما يسعده وما يحزنه، ما يحبه وما يكرهه، ما يريحه وما يتعبه، ومن هنا فإن لكلماتها قيمة ووزنا ومصداقية بما يجعلها أهلا للتنفيذ والامتثال، فهي تنقل خبرتها الطويلة في كلمات نافعة لهذه الابنة التي تستقبل مع زواجها بداية حياة جديدة حينما قالت لابنتها: أي بنية احفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا.
الأولى والثانية: الخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
الثالثة والرابعة: التفقد لمواقع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
الخامسة والسادسة: التفقد لوقت منامه وطعامه، فإنَّ تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
السابعة والثامنة: الاحتراس بماله والإرعاء علي حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرا، ولا تفشين له سرا، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما، والكآبة بين يديه إن كان فرحا. ا.هـ.

وإذا كانت هذه وصية أم خبرت الحياة الزوجية، وتعرفت على مزاج الزوج كيف يكون، وما السلوك المناسب له في كل حال، فإن وصية الأب لابنته تعد أوقع وأصدق من وصية الأم لابنتها في هذا السياق؛ لأن الأم تعبر عن مكنون الزوج الذي خبرته وتعرفت إليه طوال هذه الفترة، أما الأب فهو يتحدث عن نفسه مباشرة دون وساطة من أحد حتى لو كان هذا الأحد هو الأم، التي هي الزوجة، أقرب الناس إلى الزوج.
ومن هنا فإن وصايا الأب لابنته بما يجب أن تقوم به تجاه زوجها هو الأصدق والأوثق والأوقع، وفي نفس درجته تماما من الصدق والواقعية والثقة والتأثير عندما تقوم الأم بوصية ابنها بما يجب أن يقوم به تجاه زوجته، فهي تعلم ـ بحكم كونها زوجة ـ ما تحتاج إليه الزوجة من الزوج؛ لأنها تتحدث مباشرة بلا وساطة.
وقد جاءتني رسالة عبر بريدي الضوئي تعبر عن وصية أب لابنته عند زفافها، ما أروعها وما أصدقها، وما أجدر أن يوصي بها الآباء بناتهم ليجدوا فيها طوق النجاة الذي يحملهم إلى بر السعادة الزوجية والحياة الهادئة المستقرة، ورأيت من الخير أن تنشر لتعم بها الفائدة، فقيمة العلم تكمن في أن يتحرك بين الناس، فيقتنعون به عقلا وفكرا، ويتأثرون به عاطفة وقلبا، وينعكس ـ من ثم ـ على سلوكهم وأخلاقهم.
قال الأب لابنته ليلة زفافها: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد،،
ابنتي !!
اليوم تنتقلين إلى يدين غريبتين . . . في هذه الليلة سيظللك سقف غريب في بيت رجل غريب، في هذه الليلة سأقف فوق سريرك النظيف في بيتي فأجده خاليا من ثنايا شعرك الأسود الذي يفوح منه عطر الطهارة فوق وسادتك البيضاء.
و قد تنهمر الدموع من عيني لأول مرة في حياتي ، فاليوم يغيب عن عينيَّ وجهُ ابنتي ليشرق في بيت الرجل الغريب الذي لا أعرفه حق المعرفة: خيرَه من شرِّه.
اليوم ينتقل شعوري وتنتقل أحاسيسي إلى أهل أمك يوم سلموني ابنتهم و هم يذرفون الدموع؛ كنت أظنها دموع الفرح أو دموع تقاليد أهل العروس، و لم أعرف إلا اليوم أن ما كان ينتابهم هو نفس ما ينتابني الآن، و أن ما يعذبني هذه الساعة كان يعذبهم ، و أن انقباض قلبي في هذه اللحظة وأنا أسلمك إلى رجل غريب كان يداهمهم أيضا.
صدقيني يا بنيتي، إنه لو كان لي ـ يومَ تزوجتُ أمك ـ شعورُ الأب ، لأفنيتُ عمري في إسعادها ، كما أحب أن يُفني زوجُك عمرَه في سبيل إسعادك.
ابنتي !!
في هذه اللحظة أندم على كل لحظة مضت ضايقتُ أمَّك فيها . . اليوم أجاوز الحاضر و أُجَابِهُ المستقبل، وأتمثَّلك واقفةً أمامي تقولين: "زوجي يضايقني يا أبى" فماذا أفعل؟ أسأل الله ألا ينتقم منى بك، و الله غفور رحيم .
و الآن . . دعيني أضع أمام عينيك الحلوتين بعض النقاط التي يحسب الرجل أنها توفر له السعادة في بيته الزوجي.
الرجل _ يا صغيرتي! _ يحب الأمجادَ ويتظاهر بالثراء والنجاح، حتى و لو لم يكن ثريًّا قط، فلا تُحطمي فيه هذه المظاهر، بل وجهيها بحكمتك ولطفك وحسن تصرفك.
و الرجل _ يا فلذة كبدي! _ يفاخر دائما بأن زوجته تحبه، فاحرصي على إظهار حبك أمام أهله بصفة خاصة.
و الرجل _ يا قرة عيني! _ يفخر أمام أهله بأنه قد انتقى زوجة تحبهم وتكرمهم ، فأكرمي أهل
زوجك، و استقبليهم أحسن استقبال .
و بعد ـ يا بنيتي! ـ إذا ثار زوجُك فاحتضني ثورته بهدوء، و إذا أخطأ داوي خطأه بالصبر، وإذا ضاقت به الأيام فليتسع صدرك لتسعفيه على النهوض . . و لا تنسى _ يا عمري! _ أنك إكليلٌ لزوجك، بيدك أن يكون مُرَصَّعًا بالدُّرِّ والياقوت على هامته، أو أن يكون من الشوك يدمى رأسه ورأس أبيك إن لم تحافظي على شرفك له دون سواه.
بنيتي!!
كوني له أرضا مطيعة يكن لك سماء، و كوني له مهادا يكن لك عمادا، واحفظي سمعه وعينه فلا يشم منك إلا طيبا، ولا يسمع منك إلا حسنا، ولا ينظر إلا جميلا، وكوني كما نظم شاعر لزوجته قائلا:
خذي منى العفو تستديمي مودتي * ** ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب
ولا تُكثري الشكوى فتذهب بالهوى** * فيأباك قلبي والقلوب تقلــــب
و أخيرا أسأل ربى أن يرعاك برضاه و أن يستقر لكما كل حبي.
" والدك". ا.هـ.
ولا بأس بالنظر في الوصيتين: وصية الأم لابنتها، ووصية الأب لابنته، والمزج أو الجمع بينهما، فإن في ذلك غاية الكمال، وبكليهما معا تتحقق السعادة الزوجية التي تكتمل بنصيحة الأم ونصيحة الأب كذلك لابنهما يوم زفافه.
مجلة الوعي الإسلامي

وحدة الأمة .. مقصدًا شرعيًّا للصيام

وحدة الأمة في رمضان.. مقصدًا شرعيًّا
وصفي عاشور أبو زيد
تحقيق الوحدة بين أبناء الأمة المسلمة من كبرى مقاصد هذا الدين، ومن أجل هذا أوجب الإسلام كل ما من شأنه أن يحقق هذه الوحدة ودعا إليه وحض عليه، وبيَّن عظيم الآثار وكريم العواقب التي تترتب على إتيان الواجبات التي تحقق للأمة وحدتها، وتضمن لها سلامتها وعافيتها، قال تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ". الأنبياء: 92. وقال: "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ". المؤمنون: 52. وقال: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ...". آل عمران: 103. وقال: "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً". النساء: 175.
كما نهى ـ بل حرم ـ عن كل ما يمكن أن يفرق الأمة، ويفت في عضدها، أو يفرق جمعها، أو يوهِّن جسدها، أو يبطئ حركتها، وأبرز جسيم النتائج ووخيم المآلات التي تترتب على ارتكاب تلك المحظورات التي تفرق جمع الأمة وتفْرطُ عقدها المنظوم، قال تعالى: "وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ". آل عمران: 105. وقال: "وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". الأنفال: 46. وقال عز من قائل: "أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ". الشورى: 13.
الشعائر الكبرى ووحدة الأمة
وتعتبر الشعائر الإسلامية الكبرى من صلاة وزكاة وصيام وحج من أبرز التدابير الشرعية التي وضعها الشارع لتعزيز هذه الوحدة، وتأكيد القوة، والعمل على استمرارها وامتدادها في واقع الأمة الحاضر والمستقبل، وهذا يحتاج إلى تأصيل وتفصيل في مقام آخر.
فالصلاة يؤديها المسلمون بشعائر واحدة من قيام وركوع وسجود وتكبير وتسليم، والزكاة لا يخفى دورها في تحقيق الوحدة والقوة والتماسك الاجتماعي، والحج هو المؤتمر الحاشد والتجمع الأكبر الذي يمثل الحد الأدنى من استبقاء هذه الوحدة كل عام، وكذلك كل العبادات الأخرى التي تحض على التكافل والتماسك والتداعي والإحساس بمشاعر المسلمين وحاجاتهم في كل مكان ليتحقق ما رواه مسلم بسنده عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد. إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(
[1]).

رمضان من شعائر الوحدة
وإذا كان الحج عبادة جامعة ومجمعة يجتمع المسلمون فيها ليناقشوا ويتابعوا ما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم، فما من شك في أن شهر رمضان أو فريضة الصيام تمثل إحدى الركائز الأساسية والتدابير الشرعية التي شرعها الله تبارك وتعالى لإيجاد هذه الوحدة وتعزيزها والعمل على بقائها واستمرارها، ورغم أنها لا تتكرر إلا مرة واحدة في السنة فإن لها أثرا في النفوس بعد الشهر وقبله بما يملأ ما بين الرمضانين ـ لا تمحوه أيام العام جميعا.
وتحقيق هذه الوحدة في الصوم باعتبارها مقصدا شرعيا له من المعاني والأحكام ما يُوجِد هذه الوحدةَ ويقوِّيها، ويعمل على استمرارها وينمّيها، ومن أهم ما يمثل هذه الوحدة في رمضان ما يلي:

أولا: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته:
فالأمة كلها من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر تتطلع ـ على قلب رجل واحد ـ إلى هلال رمضان، ولكل بلد مراسم لاستقبال هذا الشهر الفضيل من تعليق الزينة وفرحة الأطفال وتهليل الكبار وانشراح الصدور وراحة النفوس وبهجة الأرواح، روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"(
[2]).
وكذلك في هلال شوال كل الأمة تتطلع إلى ذلك اليوم بمشاعر واحدة، وفرحة غامرة، بإتمام الشهر، واستقبال العيد، وتزاور الناس.
وما من شك في أن الاختلاف الذي يحدث كل عام بين بلاد المسلمين التي تشترك في جزء من الليل في رؤية الهلال أمر يخالف تحقيق وحدة الأمة رغم أنه من الأمور الظنية في الفقه الإسلامي، والخلاف فيه وارد، غير أن هناك من الأمور النظرية والاتفاقات بين الدول ما يضمن وحدة هذه الرؤية، ومن ثم وحدة الأمة، لكن ربما تتدخل أمور سياسية ومهاترات شخصية تحول بين الأمة وبين الاجتماع على هذا الأمر.
ثانيا: التعبد فيه على نسق شعائري واحد:
فالمسلمون يصومون لرؤية الهلال، ويتسحرون كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم، ويبدأ الصوم من أذان الفجر، ويلزم المسلمُ خلال النهار الحلالَ الطيب من الأفعال والأقوال، ويبتعد عن الحرام الخبيث من الأقوال والأفعال، ويفطرون مع أذان المغرب، ويصلون التراويح، ويقبلون على القرآن، وهكذا.
كل هذه الشعائر أو الطقوس التعبدية يأتيها المسلمون جميعا بطريقة واحدة وعلى نسق واحد، فلا يوجد نسق للأغنياء دون الفقراء، وليست هناك طريقة للأقوياء دون الضعفاء، بل الكل في ميزان واحد، وعلى نسق واحد، وبشعائر واحدة.
وهذا من شأنه أن يُوجِدَ الوحدةَ بين المسلمين، ويعمق شعورهم بالتقارب والتفاهم، مهما اختلفت أجناسهم ولغاتهم وألوانهم، فكل الموازين والنعرات والقبليات والطبقيات تسقط أمام هذا النسق الواحد عند أداء هذه الشعيرة العظيمة.

ثالثا: تذويب الفوارق الطبقية من خلال مراسم الجود:
ليس هناك من أيام في العام كله تنطلق فيها عجلة البر كما يكون في أيام رمضان، وليست هناك مياه تجري في نهر من الأنهار كما تجري مياه الخير والمعروف في نهر رمضان المبارك.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان "أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فَلَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة"(
[3]).
ومن هذا المورد أيضا صدقة الفطر، فقد روى مالك بسندِ سلسلةِ الذهب عن نافعٍ عن ابن عمر قال: "أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نُخرج صدقة الفطر عن كل صغير وكبير وحرٍّ وعبد، صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من شعير أو صاعاً من قمح، وكان يأمرنا أن نُخْرِجَها قبل الصلاة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَقْسمها قبل أن ينصرف إلى المصلّى، ويقول: أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم"(
[4]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرَّفثِ، وطُعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"(
[5]).
وهذا الجود، المفروض منه والمندوب إليه، من شأنه أن يُحدث لونًا من ألوان الحراك الشعائري نحو بلورة الوحدة بين مجتمع المسلمين.

رابعا: الصبر على أذى الناس وعفة اللسان:
وهذا من واجبات الصوم؛ أن يحفظ المسلم الصائمُ بطنَه عن الحرام، وجوارحه عن المعاصي، وفكره من الهواجس السيئة، ولسانه عن فحش القول وبذيء الألفاظ، وأن يصبر على أذى الناس وعواقب مخالطتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم"(
[6]).
قال المناوي: "ومِنْ ثَمَّ عَدُّوا من أعظم أنواع الصبر: الصبر على مخالطة الناس وتحمل أذاهم، واعلم أن اللّه لم يسلطهم عليك إلا لذنب صدر منك فاستغفر اللّه من ذنبك، واعلم أن ذلك عقوبة منه تعالى، وكن فيما بينهم سميعاً لحقهم أصم عن باطلهم نطوقاً بمحاسنهم صموتاً عن مساوئهم"(
[7]).
وفي رمضان يحسُنُ بالمسلم أن يضبط نفسه أكثر ويصبر أكثر؛ طلبًا للأجر وتأليفًا للقلوب وتصحيحًا للصيام، روى البخاري بسنده عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم..."(
[8]).
والله تعالى يقول: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ". فصلت: 34.
يقول صاحب الظلال في تفسيرها: "وليس له أن يرد بالسيئة، فإن الحسنة لا يستوي أثرها كما لا تستوي قيمتها مع السيئة والصبر والتسامح، والاستعلاءُ على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة، فتنقلب من الخصومة إلى الولاء، ومن الجماح إلى اللين".
وهذا كله يوحد الصفوف وينقي الصدور ويُصفّي النفوس ويؤلف القلوب ويجمع الأمة، وهو بعض آثار الصيام وبركاته على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.


خامسا: تعميق الإحساس بالآخر:
والإحساس بالآخر مبدأ إسلامي أصيل بل إنساني عام، اعتنى به الإسلام بشكل عام، وفي رمضان بشكل خاص؛ فصيام الأغنياء يشعرهم بحاجة الفقراء، وصيام الأقوياء يشعرهم بحالة الضعفاء، وصدقة الفطر ترضي الفقير، وتنزع من نفسه فتيل الموجدة والحقد على غيره من المسلمين، حتى الفقير الذي اجتمع لديه ما يكفيه ومن يعول يوما وليلة وجب عليه أن يخرج زكاة الفطر ليتعود على الجود والإنفاق وأن تكون يده هي العليا ولو مرة واحدة في العام، وليشعر أيضا بحاجة غيره ممن هم أشد منه فقرا.
وهكذا فالإسلام يريد من كل المسلمين أن يكونوا معطائين، وأن تكون يدهم هي العليا دائما، ولا يخفى ما في ذلك من توحيد بين صف الأمة وتقوية شوكتها، وسلامة نسيجها العام، كما نرى في هذه التدابير التواصل والالتحام، والتعاطف والانسجــام والالتئام.
ورحم الله أديب العربية والإسلام الأستاذ مصطفى صادق الرافعي حين قال: لو أنصفك الناس يا رمضان لسمَّوك (مدرسة الثلاثين يومًا)!.
([1])صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب. باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم.
([2])صحيح البخاري: كتاب الصوم . باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا).
([3])صحيح البخاري: بدء الوحي. باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([4])موطأ مالك: كتاب الزكاة . باب زكاة الفطر.
([5])سنن أبي داود: كتاب الزكاة. باب زكاة الفطر.
([6])مسند الإمام أحمد. المجلد الثاني. مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما.
([7])فيض القدير: الجزء السادس. فصل في المحلى بأل من حرف الميم.
([8])صحيح البخاري: كتاب الصوم. باب: هل يقول إني صائم إذا شتم.
مجلة الوعي الإسلامي عدد رمضان 1429هـ

من مقاصد الهجرة النبوية

من مقاصد الهجرة النبوية
وصفي عاشور أبو زيد
باحث دكتوراه في مقاصد الشريعة الإسلامية
تعتبر الهجرة النبوية حدثا هاما في التاريخ الإسلامي بل التاريخ الإنساني، لما لهذا الحدث من أثر بالغ على أصعدة كثيرة؛ فقد تحول عنده التاريخ، وتبدلت به الأوضاع، وتغيرت به الأحوال، وتطورت به شبه الجزيرة العربية تمهيدا لتغيير العالم أجمع.
وكثير هي الكتابات التي تحدثت عن الهجرة النبوية من زوايا متعددة أغلبها يصب في أحداثها، والدروس والعبر التي تعود بالنفع على الأفراد والأسر والمجتمعات، وكيف نستضيء بها في واقعنا الدعوي المعاصر، وهي كتابات مقدورة ومهمة، لكننا في حاجة إلى إلقاء نظرة على مقاصد هذه الهجرة العظيمة التي حولت مجرى التاريخ، وهذه خمسة مقاصد وقفت عليها بالتأمل والتدبر ، ومن تأمل وتدبر وعايش الأحداث وتفاعل معها يقف على الكثير والكثير:

أولا: حفظ تدين الأفراد:
وهذا مقصد رئيس من مقاصد الهجرة، وإن كان يرفضه البعض بحجة أن الهجرة كانت لبناء أمة وإقامة دولة وليست هروبا بالدين إلى مكان آمن، غير أن هذا لا يتعارض مع ذاك، فلا مانع من أن تكون الهجرة حفاظا على تدين الفرد، وابتغاء إقامة دولة للإسلام في الوقت نفسه.
وأعني بـ "تدين الأفراد". مستوى الإيمان وحفظه في قلوبهم، وثباته في نفوسهم؛ لأنهم في ظل هذا الاضطهاد غير المسبوق ربما تزعزعت نفوسهم، ورجعوا عن دينهم تحت سياط القهر الاجتماعي، والظلم الإنساني، وعواقب الحرص على الزعامة والسلطة، وآثار التقليد الأعمى في عبادة الآباء والأجداد.
وليس هناك تعارض بين حفظ التدين وحفظ الدين، فحفظ التدين أمر مخصوص بدرجة الالتزام بالدين في نفوس البشر، ومستوى الإيمان في قلوبهم، ومدى حفاظهم عليه، أما حفظ الدين فيرجع إلى الرسالة الإسلامية نفسها والدين الإسلامي كله.
وعلى هذا فاالتدين نسبي ومتغير، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم »(
[1]).
أما الدين فثابت لا يتغير، وبناء على هذا فلا تعارض بين حفظ التدين وحفظ الدين، بل إن حفظ التدين يصب في حفظ الدين وتقوية شوكته وترسيخه في الأرض عبر المؤمنين به والمدافعين عنه، ولا شك أن الهجرة ضمنت هذا إلى حد كبير.

ثانيا: إقامة المجتمع الإسلامي:
وهو مقصد رئيس كان في اعتبار الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فور وصوله المدينة الطيبة؛ بل خطط له قبل الهجرة إلى المدينة، وتمثل ذلك في مظاهر:
أولها: إرساله لمصعب بن عمير هناك مبكرا ليمهد لإقامة هذا المجتمع، والذي كان من ثماره بيعة العقبة الكبرى التي كان عددها أضعاف الأولى.
وثانيها: حين بايع المسلمين بيعتي العقبة، فقد أورد ابن كثير في التفسير عن محمد بن كعب القرظي وغيره أن عبد الله بن رواحة ـ رضي الله عنه ـ قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يعني ليلة العقبة): اشترط لربك ولنفسك ما شئت . فقال : "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً؛ وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ". قالوا : فما لنا إذا نحن فعلنا ذلك؟ قال : "الجنة " قالوا : ربح البيع، ولا نقيل ولا نستقيل»(
[2]) .
وقد كان الأنصار مدركين تبعات هذه البيعة وخطورتها، فلم يعدهم النبي بشيء من حطام الدنيا إنما وعدهم الجنة، فلا عجب أن يكونوا قاعدة قوية يتأسس عليها مجتمع المسلمين الأول.
وثالثها: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقام المسجد الذي يتلاقى فيه هذا المجتمع للتلاقي والتعارف والتآلف، بعد نزوله بالمدينة مباشرة، وهو معقل الإيمان، ومورد تنميته وتعهده، ومنطلق النشاط الاجتماعي والعلمي والسياسي والعسكري فيما بعد.
ورابعها: نفوس الأنصار الطيبة التي رباها المنهج الإسلامي بقيمه ومثله وأخلاقه، وما أروع ما وصفهم به صاحب الظلال حين قال: "ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثاً جماعياً كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين . بهذا الحب الكريم . وبهذا البذل السخي . وبهذه المشاركة الرضية . وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء . حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة . لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عدد المهاجرين! {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا} . . مما يناله المهاجرون من مقام مفضل في بعض المواضع ، ومن مال يختصون به كهذا الفيء ، فلا يجدون في أنفسهم شيئاً من هذا . ولا يقول : حسداً ولا ضيقاً ، إنما يقول : { شيئاً } . مما يلقي ظلال النظافة الكاملة لصدورهم والبراءة المطلقة لقلوبهم ، فلا تجد شيئاً أصلاً"(
[3]).
وخامسها: المؤاخاة التي أبدعها النبي ـ عليه السلام ـ بين كل مهاجري وأنصاري، حتى صار الجميع يتوارثون ويتقاسمون أموالهم، ويتناصفون أمتعتهم، حتى كان أحدهم ينزل لأخيه عن إحدى زوجاته.

ثالثا: توسيع مجال الدعوة إلى الإسلام:
ويمتد هذا المقصد منذ الهجرة إلى الحبشة؛ حيث يقول ابن إسحاق : "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا"(
[4]).
وهناك دار الحوار المشهور بحضرة النجاشي بين وفد المهاجرين وعلى رأسهم جعفر ابن أبي طالب ووفد مكة الذي كان على رأسه عمرو بن العاص، فكانت أرضا خصبة يعرضون فيها مبادئهم وقيمهم وتصورات الإسلام الكبرى حتى دخل النجاشي سرًّا في دين الله.
ثم كانت الهجرة إلى المدينة التي مثلت الانطلاقة الكبرى في الدعوة لرسالة الإسلام عبر المنهج الإسلامي العظيم في الدعوة بالحكمة والحسنى، والمجادلة بالتي هي أحسن، ومن خلال الغزوات التي أعطت للمسلمين فتوحات مكنتهم مساحاتها الواسعة من نشر دين الإسلام، وقد ترتب على هذا كله يوم فتح مكة العظيم الذي قال الله تعالى فيه: "
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا". سورة النصر.


رابعا: إقامة دولة تحمي الإسلام وتدعو إليه:
وهذا مقصد يترتب على ما قبله، فما دمنا أقمنا المجتمع الإسلامي على قاعدتين قويتين: الأولى: الإيمان وتعميقه في النفوس، والثانية: الأخوة وتقوية أواصرها، فعليهما يتحقق المقصد الكبير وهو إقامة دولة تدعو إلى الإسلام وتحمي ذماره.
ولقد كان المجتمع المدني في ذلك العهد يتكون من شرائح يلخصها الإمام ابن القيم فيقول: "ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، صار الكفار معه ثلاثة أقسام: قسم صالحهم ووادعهم على ألا يحاربوه ولا يظاهروا عليه ولا يوالوا عليه عدوه وهم على كفرهم آمنون على دمائهم وأموالهم . وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة . وقسم تاركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه بل انتظروا ما يئول إليه أمره وأمر أعدائه ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن، ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه وانتصارهم، ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو مع عدوه في الباطن ليأمن الفريقين، وهؤلاء هم المنافقون فعامل كل طائفة من هذه الطوائف بما أمره به ربه تبارك وتعالى"(
[5]) .
فهذه كلها تنظيمات سياسية للمجتمع القائم، وتكوين للدولة المسلمة وإعداد المواثيق لحمايتها وحفظها، والوثيقة التي كتبها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشهورة ومعروفة، وهي أول ميثاق لحقوق الإنسان، وأول دستور في تاريخ البشرية.

خامسا: تحقيق الشهود الحضاري:
وهو المقصد الكبير الذي من أجله جعل الله الأمة المسلمة، وأنزل لها الكتاب وأرسل لها الرسول: "وكذلك جعلناكم أُمةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا ) (البقرة: 143). وهو نهاية المطاف بعد الحفاظ على الفرد وإقامة المجتمع، وتكوين الدولة، وظهور بوادر الأمة التي جعلها الله وسطا في التشريع و الزمان والمكان.
يقول الكاتب القدير والمفكر الكبير الأستاذ عمر عبيد حسنة: "هذا الجعْل الوسط، بكل آفاقه وأبعاده ومقتضياته، هيأ الأمة المسلمة لأهلية تحمل الشهادة على الناس، وأهلية أدائها لهم، ليستقيم أمرهم؛ ذلك أن النكوص عن هذا التحمل، والقعود عن هذا الأداء، يترتب عليه مسؤوليات جسام، ويكون سبيلاً لإشاعة الفساد في الأرض، والخراب الحضاري، وظهور الآلهة المزيفة والأنبياء الكذبة، وعودة أصول الشر الكامن في تسلط الإنسان على الإنسان، وإهدار إنسانية الإنسان وكرامته"(
[6]).
فالأمة المسلمة أمة شاهدة على الأمم، أناط الله بها المسئولية عن الناس جميعا، ومن هنا بدأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكاتبات الأمراء، ومخاطبة الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام؛ إقامةً للحجة وإبراء للذمة.
وهنا دان للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ العرب والعجم، لا سيما بعد فتح مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وتحققت العالمية الواقعية للدين الإسلامي، وأصبح الشهود الحضاري ماثلا للأمة المسلمة الذي يُلقي عليها اليوم ـ وقد تغيرت الأحوال ـ تبعاتٍ ثقيلةً وأعباءً كبارًا تقوم على استعادة حراسة قيم العدالة والأمن والحرية والشورى والمساواة كي تعود أمة قوية فتية، فهي أمة باقية ببقاء مصادرها التي تستمد منها "الوسطية" والتي هي الميزة الأساسية في جعلها شهيدة على الناس.

([1])رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الإيمان. حديث رقم: (5)، وقال: "هذا حديث لم يخرج في الصحيحين ورواته مصريون ثقات".
([2])تفسير القرآن العظيم: 4/218. بتحقيق سامي بن محمد سلامة. دار طيبة للنشر.
([3])في ظلال القرآن: تفسير قوله تعال: "والذين تبوءا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم...". من سورة الحشر.
([4])سيرة ابن هشام: 1/321.
([5])زاد المعاد: 3/114. بتحقيق آل الأرناؤوط.
([6])من مقدمته للعدد 81 من كتاب الأمة بعنوان: نحن والحضارة والشهود. الجزء الثاني، للدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي.
مجلة الوعي الإسلامي عدد محرم 1429هـ

مكانة "العرض" في المقاصد الشرعية

نظرة جديدة في مقاصد الشريعة الإسلامية
مكانة "العرض" في المقاصد الشرعية
بقلم/
وصفي عاشور أبو زيد
باحث في العلوم الشرعية ـ كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة

تنحصر مقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق مصالح الخلق العاجلة والآجلة ودفع الضرر عنهم، وذلك بكفالة ضرورياتهم، وتوفير حاجياتهم وتحسينياتهم.
وقد نظر علماؤنا السابقون في الأحكام الشرعية نظرة استقراء، وتأملوا عللها وحكمها التشريعية فوجدوها قررت مبادئ عامة وأصولا كلية استنبطوا منها مقاصد الشريعة.
وتعتبر مقاصد الشريعة من أهم الوسائل في استنباط الحكم الشرعي، بل لا نبالغ إن قلنا: إن المقاصد الشرعية أهم ما ينبغي معرفته ومراعاته عند عملية الاجتهاد التنزيلي؛ ذلك أن كل الأصول الفقهية ـ عدا الكتاب والسنة ـ مختلف فيها، فإذا ذهب الفقيه في عملية التنزيل إلى حكم من الأحكام عن طريق أصل من الأصول المختلف فيها ربما لا يسلمها له غيره ممن يخالفه في الأصل المعتمد عليه للتوصل إلى هذا الحكم، أما المقاصد فلا يختلف فيها أحد، فمن المستبعد أن يختلف أحد في حرمة دم المسلم ونفسه وماله وغير ذلك من مقاصد؛ ولهذا فإن الاعتماد على مقاصد الشريعة يؤدي ـ بشكل كبير ـ إلى عصمة المجتهد من الزلل؛ فضلا عن أنه يؤدي إلى حكم يسلم له به الجمهور الأعظم.
وقد قسم علماء الأصول مقاصد الشريعة ـ من خلال استقراء الأحكام الشرعية الكلية والجزئية ـ إلى ثلاثة أقسام، هي: الضروريات، والحاجيات والتحسينيات.
فعرَّفوا الضروري بأنه ما تقوم عليه حياة الناس ولابد منه لاستقامة مصالحهم، وإذا فُقد اختل نظام الحياة، ولم تستقم مصالحهم، وعمت فيهم الفوضى والمفاسد.
وعرَّفوا الحاجيات بأنها ما يحتاج إليه الناس لليسر والسعة، واحتمال مشاق التكليف وأعباء الحياة، وإذا فقدوه لا تتعرض حياتهم للخطر ولا للفوضى، إنما يقعوا في الضيق والحرج، فهي أمور ترفع عنهم الحرج وتخفف عنهم ليتحملوا مشاق التكليف.
أما التحسينيات فقد عرَّفوها بأنها ما تقتضيه المروءة والفطر السليمة والطباع المستقيمة والأذواق الرفيعة؛ حتى تسير الأمور على أقوم السبل، وإذا فقدوها لا يقعون في ضيق أو حرج، إنما تكون حياتهم مستنكرة في تقدير العقول الراجحة والفطر المستقيمة.

وقسم أهل المقاصد الضروريات إلى خمسة أشياء أطلقوا عليها اسم "الكليات الخمس"، هي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وأحيانا يكون النسل مرادفا للعرض عند كثير من الأصوليين.
وأول من أشار إلى هذا التقسيم ـ أعني التقسيم الثلاثي وتقسيم الضروريات إلى كلياتها الخمس ـ هو أبو المعالي إمام الحرمين الجويني، كما يعلم أهل هذا الشأن(
[1]).
ومما لا ريب فيه أن ريادة أي عالم أو أصالة أي باحث تتجلى في عدم سبقه لما قال، وترديد من يجيء بعده لما قاله، وهذا ما حدث مع الإمام الجويني تماما، فقد ردد الغزالي ما قاله الجويني، وكذلك الرازي والآمدي والعز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرهم.
حتى هيأ الله لهذا العِلْم الإمام الشاطبي، فقفز به قفزة هائلة في كتابه الفريد "الموافقات" فاعتبر بحق "أبو المقاصد" الذي له منها القدح المعلى، وإليه فيها المنتهى.
ثم يظهر على خط التاريخ المقاصدي الإمام محمد الطاهر بن عاشور في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية" الذي أضاف فيه إلى علم المقاصد إضافات مهمة.
ثم أتت بعد ذلك دراسات المتخصصين المعاصرين، والأطروحات الجامعية للدارسين التي تسعى إلى سد الفجوة الكبيرة في هذا العلم الجليل، مثل الدكتور يوسف حامد العالم، والدكتور أحمد الريسوني، والدكتور حمادي العبيدي، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور علي جمعة، وغيرهم.

والمسألة التي أتحدث فيها هنا هي "العرض"، ولست أعني به "النسل" أو "النسب" كما يستخدمه كثير من أهل المقاصد، إنما أعني به ما يتصل بسمعة المسلم ويدور حول ما يسمي بـ "الشرف"، هل هو من مقاصد الشريعة؟ وإذا كان من مقاصدها ففي أي الثلاثة يقع، هل هو ضروري أم حاجي أم تحسيني؟.
ولا شك أن حفظ العرض يعتبر من المقاصد الشرعية المقررة عموما، فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تعرضت للأمر بحفظه، والنهي عن كل ما يؤدي إلى الإساءة لسمعة المسلم، وإشاعة الفاحشة في المجتمع، وتتبع عورة المؤمن ـ أكثر من أن تحصى، وأشهر من أن تذكر، لكن القضية أن المقاصديين اختلفوا في كون حفظ العرض من الضروريات أم لا؟.

وفيما يلي أورد آراء المؤيدين وآراء المعارضين، وذلك للأمانة العلمية ثم أعقب بعد ذلك متحريًا الحياد والموضوعية، تاركًا المسألة إلى حيث تسير بها الأدلة والبراهين.

أولاً: رأي المـؤيديــن:
يعد تاج الدين السبكي ممن أثبتوا العرض ككلية سادسة في الضروريات يقول ـ رحمه الله: "والضروري: حفظ الدين فالنفس فالعقل فالنسب فالمال والعرض"(
[2]).
ويشرح شيخ الإسلام أبو يحيى زكريا الأنصاري كل واحدة ثم يقول عند العرض: "أي حفظه المشروع له عقوبةُ القذف والسب، وهذا زاده الأصل (هكذا) كالطوفي على الخمسة السابقة المسماة بالمقاصد والكليات التي قالوا فيها إنها لم تبح في ملة من الملل. وعطفي للعرض بالفاء أولى من عطف الطوفي له بالواو..."(
[3]).
ومن هذا النص يتضح أن الطوفي ممن أيدوا ذلك إلا أنه ـ كما يقول أبو يحيى ـ عطف بالواو بدلاً من الفاء، وقد عطفها أبو يحيى الأنصاري بالفاء عمدا وهو يشرح، أما السبكي في "جمع الجوامع" فقد عطفها بالواو، وقال الشارح: "وهذا ـ يعنى العرض ـ زاده المصنف كالطوفي، وعطفه بالواو إشارة إلى أنه في رتبة المال، وعطف كلاً من الأربعة قبله بالفاء لإفادة أنه دون ما قبله في الرتبة"(
[4]).
وذكرها قبل الطوفي الإمام القرافي يحكيها عمن قبله فيقول: ".... الكليات الخمس وهي: حفظ النفوس والأديان والأنساب والعقول والأموال، وقيل الأعراض"(
[5]).
وكما هو واضح من هذه النقول أنهم لم يعتمدوا على برهان ولا حجة، ولم يفصلوا في القول ويعرضوا لما يقرره، إنما اكتفوا بذكر المسألة فقط، مع الإيحاء بالتشكيك أحيانا وعدم الرضا، كما في قول القرافي والسبكي.

رأي المعـارضـين:
الجمهور الأعظم من المقاصديين على عدم ذكر العرض من الضروريات؛ فلم يذكره الغزالي، ولا إمام الحرمين، ولا الشاطبي، ولا الآمدي، ولا ابن عاشور، ولا غير من ذكرنا من المؤيدين(
[6]).
بل إننا نرى الإمام ابن عاشور يعارض ذلك، وينفي أن يكون العرض كلية سادسة للضروريات، يقول: "وأما حفظ العرض في الضروري فليس بصحيح، والصواب أنه من قبيل الحاجي، وأن الذي حمل بعض العلماء مثل تاج الدين السبكي في جمع الجوامع على عَدِّه في الضروري هو ما رآه من ورود حد القذف في الشريعة، ونحن لا نلتزم الملازمة بين الضروري وبين ما في تفويته حد؛ ولذلك لم يعده الغزالي وابن الحاجب ضروريًا"(
[7]).
وقال أحد الدارسين(
[8]): "والحقيقة أن جعل العرض ضرورة سادسة إنما هو نزول بمفهوم هذه الضروريات... وهل صون الأعراض إلا خادم لحفظ النسل"([9]).
هذا تقريبا كل ما قيل في هذه المسألة، ولا شك أن الناظر في الرأيين يجد الرأي المعارض مدعوما بالأدلة شيئا ما، بخلاف رأي المؤيدين فلم يذكروا دليلا ولا برهانا.

منـاقشـة وترجيــح:
يقرر الإمام الجليل محمد الطاهر بن عاشور أن الذي حمل بعض العلماء مثل تاج الدين السبكي على القول باعتبار العرض من الضروريات هو وجود الحد، ثم ينفي أن يكون الحد هو ما نعول عليه في اعتبار الشيء ضروريًا.
ونقول: إذا لم نعتمد الحدود ونعول عليها في اعتبار أمر ما ضروريًا أم غير ضروري، فعلى أي شيء نعتمد، وإلى أي شيء نرجع؟!!
إن الله ـ وهو العليم ـ لا يحد حدا لجريمة أو معصية ما إلا إذا بلغت من الخطورة والمكانة مبلغا بحيث لا تقل ـ بحال من الأحوال ـ عن أن تكون شيئًا ضروريا، والذي يتأمل نصوص القرآن والسنة يجد ذلك واضحًا.
فقد شرع الله حد الردة للمحافظة على الدين، وشرع حد القصاص للمحافظة على النفس، وشرع حد الخمر للمحافظة على العقل، وشرع حد الزنا للمحافظة على النسل، وشرع حد السرقة للمحافظة على المال، وشرع حد القذف للمحافظة على العرض.
يقول تعالى في حد القذف: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن لله غفور رحيم. والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرء عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين". سورة النور: 4-9.
وهذه هي الأمور الضرورية التي شرع الله لها الحدود إذا اختلت صارت الحياة مضطربة أو شبيهة بغابة تموج بالأنعام إن لم تنعدم، فلا تتحقق الإنسانية إلا بهذه الأمور، ولا تكتمل كرامة الإنسان إلا بالمحافظة عليها، وإلا تفتقد الإنسانية في الحياة كل معنى كريم.
ويعترض الدكتور الريسوني، وحجته في ذلك أن العرض ليس إلا مكملاً لحفظ النسل وخادمًا له.
والحق أن هذا ليس بوجه اعتراض؛ لأن المقاصد الشرعية التي قررها الأصوليون كلٌّ منها مكمل للآخر وخادم له، ففي الضروريات مثلا نجد المال خادما للنسل والنفس، والنسل خادما للنفس، وكل ذلك خادما للدين، وأما الحاجيات فهي خادمة للضروريات، والتحسينات خادمة للحاجيات، وهكذا فكل مرتبة منها تخدم الأخرى وتكملها.
وكيف يكون العرض من الحاجيات، وتزهق الأنفس والأموال دونه، كما يقرر ذلك الإمام الشوكاني ـ بحق ـ حيث يقول بعد ذكر الكليات الخمسة: "وقد زاد بعض المتأخرين سادسا، وهو حفظ الأعراض، فإن عادة العقلاء بذل نفوسوهم، وأموالهم دون أعراضهم، وما فُدي بالضروري فهو بالضرورة أولى، وقد شرع في الجناية عليه بالقذف الحد، وهو أحق بالحفظ عن غيره، فإن الإنسان قد يتجاوز عمن جنى على نفسه، ولا يتجاوز عمن جنى على عرضه، ولهذا يقول قائلهم:
تهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول"(
[10]).

والعرض في اللغة هو: "ما يمدح به ويذم من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو سلفه أو من يلزمه أمره"(
[11]) أي أنه بتعبيرنا المعاصر: الكرامة والسمعة.
وينبغي أن نفرق هنا ـ حتى لا تختلط الأمور ـ بين العرض والنسل، أو بين حد القذف، وحد الزنا، فحد القذف إنما هو جزاء لإشاعة الفاحشة بين المؤمنين قولاً، أما حد الزنا فهو جزاء لمن قام بهذه الجريمة فعلا؛ وإلا لما جعل الله لكل واحد حدا خاصا به، وهذا المعنى ينبغي أن يقرر حتى لا يقول قائل بتداخلهما، أو يخلط بينهما.
وليت شعري إذا ضاعت كرامة الإنسان وساءت سمعته في المجتمع الذي يحيا فيه، كم تكون قيمته؟!
فلا يتصور أن يحيا الإنسان حياة كريمة ـ كما أراد الله لنا وطلب منا ـ في مجتمع اعتُدي فيه على عرضه بالقذف، وساءت فيه سمعته بالكلام.
إن الله ـ تعالى ـ عندما خلقنا جعلنا على أحسن صورة: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). التين: 4.
وعند الجزاء يوم القيامة يجازينا بأحسن ما كنا نعمل: (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله). النور: 38.
وأمرنا أن نقول الأحسن: (وقل لعبادي يقول التي هي أحسن). الإسراء: 53.
وحثنا على اتباع أحسن القول، بل مدح من يفعل ذلك، وبشرهم، ونوه بهم بإضافتهم إليه سبحانه: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه). الزمر: 18.
ولما كتب الله لموسى في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء قال له: (فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها). الأعراف: 145.
كما أن الجدال لا يكون إلا بالتي هي أحسن: (........ وجادلهم بالتي هي أحسن).النحل: 125.
وكذلك المعاملة بين الناس: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة). المؤمنون: 96.
والتصرف في مال اليتيم، بل القرب منه: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا التي هي أحسن). الأنعام: 152، والإسراء: 34.
حتى رد التحية: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها). سورة النساء: 86.
بل خلق الله الموت والحياة جميعا لذلك فقال: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا). الملك: 2.
فهل يرضى الله منا ـ بعد أن قرر "الأحسنية" في كل شيء ـ إلا أن نعمل أحسن العمل، ونقول أفضل القول، ونحيا أكرم حياة؟!
لقد قال الإمام ابن عاشور في نفس الكتاب الذي نفى فيه كون العرض ضروريا. بعد أن قال إن الضروريات لا يستقيم النظام بإخلالها وتؤول حالة الأمة إلى فساد وتلاشٍ قال: "ولست أعني باختلال نظام الأمة هلاكها واضمحلالها؛ لأن هذا قد سلمت منه أعرق الأمم في الوثنية والهمجية، ولكني أعني به أن تصير أحوال الأمة شبيهة بأحوال الأنعام بحيث لا تكون على الحالة التي أرادها الشارع منها"(
[12]).
ولعل الذي جعل العرض يدور حوله هذا الخلاف هو عدم تحديد معناه، فتحديد المعنى يتوقف عليه هذا الحكم؛ إذ كيف نحكم على شيء غير محدد المعنى؟
من أجل ذلك يجب تحديد معنى العرض، وهو ما نقلناه في التعريف اللغوي السابق حيث السمعة والكرامة: وقد تتصل السمعة بالاتهام بالزنا، وقد تصل إلى إشاعة صفات سيئة في الإنسان.
فأما إن وصل الاعتداء عليه ـ أي العرض ـ بالقذف بالزنا فعندئذ يعتبر من الضروريات، بل لعله ـ في هذه الحالة ـ يقدم على المال والنفس؛ لأن النفس تذهب دون ذلك، وهذا ما كان يعنيه الإمام الشوكاني فيما نقلناه عنه آنفا، وهذا ما نزل فيه حد القذف، ونزلت فيه عشر آيات كاملة في شأن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ فيما عرف باسم "حادث الإفك" وأكثر من عشر آيات في توابع الحادث ومكملاته.

ومما يقوي اليقين في اعتبار العرض ضروريا بهذا المعنى أن الله توعد الذي تولى كبر هذا الحادث وترويجه بعذاب عظيم (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم). النور: 11.
وقرر الله عظم هذا الذنب حين قال: (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم). النور:15.
وتوعد الذين يحبون شيوع الفاحشة في المؤمنين بإطلاق(
[13]) فقال: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة). النور: 19.
بل إننا نرى الله يلعنهم ـ واللعن هو الطرد من رحمة الله ـ ويتوعدهم بالعذاب العظيم (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم. يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين). النور: 23 ـ 25.
ولا يكون التوعد بالعذاب الأليم أو العظيم، ولا يكون الطرد من رحمة الله إلا لأمر جلل، وخطب جسيم، أقل شيء يوصف به أنه كبيرة من الكبائر.
ولا ريب أن المجتمع في هذه الحالة يسوده نوع من الشك والاضطراب، ويكتنفه شعور بالحزن والقلق، مما يدني به إلى حياة لا توصف بأنها حيوانية، فضلا عن أن تكون حياة إنسانية كريمة.
ولنستمع إلى الأستاذ سيد قطب ـ عليه رحمة الله ـ وهو يصف أحوال المجتمع، ويصور ما وصل إليه من حزن وقلق، يقول: "هذا الحادث ـ حادث الإفك ـ قد كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاما لا تطاق، وكلف الأمة المسلمة كلها تجربة من أشق التجارب في تاريخها الطويل، وعلق قلب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق، وزوجه، وقلب صفوان بن المعطل ـ شهرا كاملا(
[14]) ـ علقها بحبال الشك والقلق والألم الذي لا يطاق.
وعاش المسلمون جميعا هذا الشهر كله في مثل هذا الجو الخانق، وفي ظل تلك الآلام الهائلة.. ومحمد الإنسان يعاني ما يعانيه الإنسان، في هذا الموقف الأليم، يعاني من العار، ويعاني فجيعة القلب، ويعاني فوق ذلك الوحشة المؤرقة، الوحشة من نور الله الذي اعتاد أن ينير له الطريق"(
[15]).

ولعلنا نلحظ عتاب الله للمؤمنين في طريقة الصياغة القرآنية في قوله: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين". النور: 12. فالسياق يقتضي: "لولا إذ سمعتموه ظننتم....)، فهذا ـ كما يسميه البلاغيون ـ أسلوب التفات، وهو يخدم الغرض المراد، وهو أن الله أراد أن يشعرهم بأنهم ـ حين تلقفت ألسنتهم هذا الحديث الذي آذى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبا بكر وعائشة، ولم يبادروا إلى نفيه أو تكذيب قائليه ومروجيه قد تنكبوا ـ وهم المؤمنون ـ الصراط السوي والنهج الأمثل الذي تقتضيه صفة الإيمان.

وفي هذه الحالة أيضًا ـ أعني حالة القذف بالزنا ـ نستطيع أن نفهم قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا... كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"(
[16]). فقرن النبي بين الدم والمال والعرض.
وهناك رواية أخرى للحديث يتقدم العرض فيها على الدم: "كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه..."(
[17]).
بل إننا نجد رواية ثالثة يقدم العرض فيها على الدم والمال: "المسلم أخو المسلم لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه"(
[18]).

فليس من المعقول أن يقرن النبي ـ وقد أوتي جوامع الكلم ـ بين شيئين أحدهما حاجي، والآخر ضروري، أو يقدم الحاجي على الضروري!
بهذا يتبين أن حفظ العرض بهذا المعنى إنما هو من الضروريات "الست"، إن لم يلي الدين ويسبق النفس.
وإذا أضيف إلى ذلك تقرير النبي هلاك من وقع في عرض أخيه، ووقوعه في الحرج تأكد المعنى، واتضحت ضرورية العرض، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "يا عباد الله! وضع الله الحرج إلا من اقترض عرض امرئ مسلم ظلما، فذلك الذي حرج وهلك"(
[19]).

أما إن كان معنى العرض متصلا بصفات لإنسان معينة، وهو ما يتعلق بالسخرية والغيبة والنميمة... الخ، فهذا أمر لا ينهض أن يلحق بالضروريات، إنما هو من قبيل الحاجي؛ لأنه لا تزهق دونه نفس ولا مال، فحين يقال مثلا فلان يمشي بين الناس بالنميمة، أو فلان بخيل أو فلان حسود أو حاقد... الخ، لا يترتب عليه ما يترتب على العرض بالمعنى الأول.
ومع ذلك فقد شدد الله في هذا كله، وأغلظ النكير على فاعليه، حتى تتحقق المثالية والكمال المنشود للمجتمع المسلم، فيحيا نقيا طاهرًا من القلق والشك والاضطراب، متمتعًا بأكرم المعاني الإيمانية، وأنبل المشاعر الإنسانية.
ومن ذلك ما ورد في سورة الحجرات يقول ـ تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم). الحجرات: 11 ـ 12.
فلا يخفى النكير بالتنفير الذي يطالعنا في هذا التشبيه المقزز، تشبيه من يغتاب أخاه بمن يأكل لحمه ميتا.
ويدخل في هذا المعنى الآيات التي تلت حادث الإفك، وهي بمثابة المكملات للعرض؛ ولذلك ثنى الله به، من آداب دخول للبيوت، وغض للبصر، وغير ذلك(
[20]).

والحق أن هذه المسألة لا تزال في حاجة إلى كلمة المتخصصين الراسخين من أهل الأصول والمقاصد؛ حتى تترسخ وتتقرر، ولأنها ليست واضحة في تراثنا الأصولي المقاصدي، فلم أر أحدًا من علمائنا ـ حسب اطلاعي ـ حسمه بكلام أكيد أو تحقيق مبين هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم أجد عند من أثبتوا العرض أدلة تقوم على ساق أو تنتهض لأن تضع العرض في الحاجيات بله الضروريات، فالقرافي يقول: "وقيل الأعراض" وهي عبارة ـ بصيغتها للمجهول ـ تثير الشك والارتياب، وتاج الدين السبكي يجعل العرض معطوفا بالواو بعد أن عطف باقي الكليات بالفاء مما يشي بالضعف وعدم الاعتبار ونفي الانفراديه والاستقلالية، مع قيام آيات هائلة في القرآن الكريم وأحاديث نبوية تشير إلى هذا الأمر وتؤكده.
([1]) انظر البرهان للجويني: 2/901-952 بتحقيق د. عبد العظيم الديب. دار الوفاء. ط: ثانية. 1412هـ/1992م، وراجع: نظرية المقاصد عند الشاطبي: 38-41، د. أحمد الريسوني. طبع المعهد العالمي للفكر الإسلامي. ط. ثانية. 1401هـ.

([2]) جمع لجوامع بحاشية البناني: 2 / 280، طبع الحلبي الطبعة الثانية 1356هـ ـ 1937م.
([3]) غاية الوصول شرح لب الأصول: 124، لأبي يحيى زكريا الأنصاري. طبع الحلبي. بدون تاريخ
([4]) جمع الجوامع بحاشية البناني: 2 / 280.
([5]) شرح تنقيح الفصول للقرافي:391، تحقيق د.طه عبد الرءوف سعد. دار الفكر. الطبعة الأولى.1393هـ ـ 1973م.
([6]) يستثنى من ذلك الإمام الشوكاني: فله كلام يؤيد به العرض سيأتي ذكره.
([7]) مقاصد الشريعة: 82. تونس. طبع الشركة التونسية للتوزيع. بدون تاريخ.
([8]) هو الدكتور أحمد الريسوني.
([9]) نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي: 51.
([10]) إرشاد الفحول: 2/629، بتحقيق د. شعبان إسماعيل. طبع دار السلام. القاهرة، ط أولى: 1418هـ، والبيت للمتنبي، وقال السموأل بن عادياء ـ وهو اليهودي ـ:
إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه فكل رداء يرتديه جميل
([11]) المعجم الوسيط 2 / 616. مجمع اللغة العربية.ط. ثالثة. بدون تاريخ.
([12]) مقاصد الشريعة: 79.
([13]) إنما قلت بإطلاق حتى لا يقول قائل إن الكلام خاص بالنبي ولا يتعدى غيره، وهذا كلام باطل لأن دلالات الآية لا تتحمل ذلك، وقد يعترض أيضًا على توعد مَن روَّج الحادث أو عظم الذنب عند الله بقول: إن ذلك متعلق بالنبي ولولا ذلك ما حدث هذا التوعد ولا ذلك التعظيم، وهذا أيضًا كلام باطل من وجهين الأول: أن الله رتب على الحادث أحكاما بألفاظ عامة للمؤمنين، والثاني: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
([14]) وذلك أن الوحي انقطع عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الشهر.
([15]) في ظلال القرآن: 4 / 2495 ـ 2499 دار الشروق.
([16]) رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة كما في صحيح الجامع الصغير للألباني: 7242.
([17]) رواه الترمذي، عن أبي هريرة راجع جامع العلوم والحكم لابن رجب من 408، 409 تحقيق الدكتور محمد بكر إسماعيل. دار إحياء الكتب العربية.
([18]) رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة كما في صحيح الجامع الصغير للألباني: 7242.
([19]) رواه أحمد، والبخاري في الأدب الفرد، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن أسامة بن شريك. كما في صحيح الجامع: 7812.
([20]) انظر: سورة النور: 27 ـ 31.
مجلة الوعي الإسلامي