قصة الحمار والعصا الصغيرة ـ وصفي عاشور أبو زيد
وصفي عاشور أبو زيد : بتاريخ 20 - 9 - 2006
أصبحت الأمة الإسلامية مستباحة الحمى، يهمش فيها كل من هب ودب، دون مقدمات أو أسباب واضحة، ودون خوف أو توجس من أحد، فنحن نعيش عصر الغثائية الذي تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وليست هناك خطوط حمراء تُحذر أو تخاف؛ لأن الأمة غير مرهوبة الجانب، بين الحين والآخر يخرج من يسب النبي، أو يقول بتحريف القرآن، أو يخرج علينا بقرآن جديد، ومن يطعن في السنة النبوية، ومن يتهم الإسلام باتهامات خرقاء لا أساس لها ولا دليل عليها.وإنني إذ أعترف بتقصير المسلمين وعلمائهم ومؤسساتهم الرسمية في تبليغ الخطاب الإسلامي إلى العالمين خاصة في هذا العصر الذي أصبح قرية صغيرة، يتابع من في المشرق ما يحدث فيه في الغرب والعكس، دقيقة بدقيقة، ولحظة بلحظة، فإنني أرجع هذا الضعف والهوان الذي كتبناه على أنفسنا إلى الاختيارات السياسية الحمقاء التي يختارها حكام المسلمين الذين مرغوا جباه المسلمين في التراب، ورضوا بالدنية في دينهم، فبعدما كانوا ظاهرة صوتية تدين وتشجب وتستنكر عادت ظاهرة صمتية ترى وجوب الأخذ بالمثل القائل: "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم"، واستخف بهم حكام وشعوب العالم الغربي، في حين أنهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون سبيلا، أو أحيانا يعرفون مكمن الخطر وطريق العلاج، ويتغافلون عنه ويتناسونه.وهذا ما يذكرني بقصة الحمار والعصا الصغيرة في يد الطفل الصغير، التي وصلتني عبر بريدي الضوئي من صديقي الأخ الداعية فتحي عبد الستار، والتي تعبر كل التعبير، وتدل أتم دلالة وأصدقها على حال الأمة الإسلامية العاجز الشليل، وحال أعدائها العابثين بمقدراتها، والمستهترين بها.دخل حمار مزرعة رجل، وبدأ يأكل من زرعه الذي تعب في حرثه وبذره وسقيه كيف يُخرج الحمار؟؟ سؤال محير ؟؟؟ أسرع الرجل إلى البيت، وجاء بعدَّةِ الشغل القضية لا تحتمل التأخير، وأحضر عصا طويلة ومطرقة ومسامير وقطعة كبيرة من الكرتون المقوى، وكتب على الكرتون (يا حمار اخرج من مزرعتي) ثبت الكرتون بالعصا الطويلة بالمطرقة والمسمار، وذهب إلى حيث الحمار يرعى في المزرعة، رفع اللوحة عالياً، وقف رافعًا اللوحة منذ الصباح الباكر حتى غروب الشمس، ولكن الحمار لم يخرج، فحار الرجل! "ربما لم يفهم الحمار ما كتبتُ على اللوحة!"، رجع إلى البيت ونام في الصباح التالي صنع عددًا كبيرًا من اللوحات ونادى أولاده وجيرانه واستنفر أهل القرية، "يعنى عمل مؤتمر قمة!"، صف الناس في طوابير يحملون لوحات كثيرة (اخرج يا حمار من المزرعة) (الموت للحمير) (يا ويلك يا حمار من راعي الدار)، وتحلقوا حول الحقل الذي فيه الحمار، وبدأوا يهتفون: "اخرج يا حمار. اخرج أحسن لك"، والحمار حمار، يأكل ولا يهتم بما يحدث حوله غربت شمس اليوم الثاني وقد تعب الناس من الصراخ والهتاف، وبُحّت أصواتهم، فلما رأوا الحمار غير مبالي بهم رجعوا إلى بيوتهم يفكرون في طريقة أخرى. وفي صباح اليوم الثالث جلس الرجل في بيته يصنع شيئاً آخر، وخطة جديدة لإخراج الحمار، فالزرع أوشك على النهاية، خرج الرجل باختراعه الجديد، إنه نموذج مجسم لحمار يشبه ـ إلى حد بعيد ـ الحمار الأصلي، ولما جاء إلى حيث الحمار يأكل في المزرعة، وأمام نظر الحمار وحشود القرية المنادية بخروج الحمار سكب البنزين على النموذج وأحرقه، فكبَّر الحشد، ونظر الحمار إلى حيث النار ثم رجع يأكل في المزرعة بلا مبالاة! يا له من حمار عنيد لا يفهم! أرسلوا وفدًا ليتفاوض مع الحمار قالوا له: صاحب المزرعة يريدك أن تخرج وهو صاحب الحق، وعليك أن تخرج. الحمارُ ينظر إليهم ثم يعود للأكل لا يكترث بهم، وبعد عدة محاولات أرسل الرجل وسيطا آخر، قال للحمار: صاحب المزرعة مستعد للتنازل لك عن "بعض" من مساحته، والحمار يأكل ولا يرد، "ثلثه"، والحمار لا يرد، "نصفه"، والحمار لا يرد، طيب حدد المساحة التي تريدها ولكن لا تتجاوز، فرفع الحمار رأسه وقد شبع من الأكل ومشى قليلاً إلى طرف الحقل، وهو ينظر إلى الجمع ويفكر" (لم أرَ في حياتي أطيب من أهل هذه القرية، يدعوني آكل من مزارعهم ولا يطردوني، ولا يضربوني كما يفعل الناس في القرى الأخرى).وفرح الناس، لقد وافق الحمار أخيرًا، وأحضر صاحب المزرعة الأخشاب، وسيَّج المزرعة وقسمها نصفين، وترك للحمار النصف الذي هو واقف فيه. وفي صباح اليوم التالي كانت المفاجأة لصاحب المزرعة! لقد ترك الحمار نصيبه ودخل في نصيب صاحب المزرعة، وأخذ يأكل، ورجع أخونا مرة أخرى إلى اللوحات والمظاهرات، يبدو أن لا فائدة! هذا الحمار لا يفهم، إنه ليس من حمير المنطقة، لقد جاء من قرية أخرى.بدأ صاحبنا يفكر في ترك المزرعة بكاملها للحمار، والذهاب إلى قرية أخرى لتأسيس مزرعة أخرى، وأمام دهشة جميع الحاضرين، وفي مشهد من الحشد العظيم حيث لم يبقَ أحد من القرية إلا قد حضر ليشارك في المحاولات اليائسة لإخراج الحمار المحتل العنيد المتكبر المتسلط المؤذي، إلى أن جاء طفل صغير خرج من بين الصفوف، ودخل إلى الحقل وتقدم إلى الحمار، وضربه بعصا صغيرة على قفاه فإذا به يركض خارج الحقل. انتهت القصة، وأترك للقارئ استنتاج ما وراءها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق