صورة محزنة من أسباب الهزيمة والهوان
وصفي عاشور أبو زيد ـ مصر
إذا سألت التاريخ عبر قرونه العديدة وأزمنته المديدة عن أسباب الهزائم التي حاقت بالمسلمين في أي عصر من العصور، فلن يجيبك بقوة الأعداء من حيث العَدد والعُدد، ولا بقلة عدد المسلمين، إنما ستكون الإجابة بلا تردد ولا تلفُّت: إن السبب الأول والرئيس هو تفرق الأمة وتشرذمها، وإصابتها بالوهن: حب الدنيا وحب الكرسي والمنصب الذي تكون نتيجته الطبيعية كراهية الموت، سوف يجيبك بأن السبب هو بعدها عن الأخذ بأسباب النصر من حسن صلة بالله، وقوة الصف ووحدته، وإعداد ما استطاعت من قوة ومن رباط الخيل.لقد قرر القرآن الكريم منذ أيام طالوت وداود أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، ويشهد التاريخ منذ عهد النبي بانتصار المسلمين في مواطن كثيرة بغير كثرة عَدد ولا عُدد، وسنن الله لا تحابي أحدا، إنما تقتص من المفرِّطين المقصرين كما تقتص من الظالمين المعتدين.لقد أثار حفيظتى وحزني في آن معا أن نسمع عن قرار أصدرته وزارة الشئون الإسلامية في السعودية يوم الثلاثاء (15/4/2003) تستبعد به عدداً كبيراً من الأئمة والخطباء الذين جعلوا خطبة الجمعة وسيلة للتعبير عن آرائهم الخاصة واجتهاداتهم الفردية خروجا عما ترسمه لهم الوزارة بحسب تصريحات وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ.وقلت في نفسي: من هنا تأتي الهزائم ويكون الهوان، الهزائم تأتي على أيدينا لا على أيدي غيرنا، نكمم أفواه الشعوب، ونمنع علماءنا أن يُفَعِّلوا قضية من القضايا؛ لننتظر العدو يدق الطبول؛ ليطرق أبوابنا ويدنس أرضنا.إن المنابر التي يريدها حكامنا العرب هي المنابر "الميكافيللية" التي ترى أن الغاية تبرر الوسائل، ولا تلتزم بالأخلاق، ولا تتقيد بقيم، ولا تبالي بحلال أو حرام، فالسلطات الحاكمة تريد استخدام المسجد بوقًا لسياستها، فإذا اصطلحت مع إسرائيل فالصلح خير: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)!!وإن ساءت علاقتها معها، فاليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا، والصلح مع العدو الغاصب حرام وخيانة! وهكذا لا يصبح المنبر لسان صدق لرسالة الإسلام، بل جهاز دعاية لسياسة الحكام، وهذا ما يُفقد المسجد مصداقيته، ويلغي تأثيره في الأمة، ويحط من كرامة العلماء والدعاة إلى الله.هل كان يتصور مسلم أن تدنَّس أرض الرسالات الإلهية بأقدام شرذمة قليلة من اليهود؟ لو كان المليار مسلم ذبابا لفر اليهود من طنينه، أو كان يتصور مسلم ما حدث ويحدث في العراق إلا عن طريق خلل داخلي من أبناء جلدتنا؟!لقد قال النبي عليه السلام عن أبي هريرة قال: "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله". رواه ابن ماجه. قال المناوي في فيض القدير: 6/72 معلقا على الحديث: "كناية عن كونه كافرا إذ لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون يوسف 87، وقد يقال بعمومه ويكون المراد يستمر هذا حاله حتى يطهر من ذنبه بنار الجحيم، فإذا طهر منه زال بأسه فزال يأسه وأدركته الرحمة فأخرج من دار النقمة وأسكن دار النعمة؛ وذلك لأن القتل أخطر الأشياء شرعا وأقبحها عقلا؛ لأن الإنسان مجبول على محبة بقاء الصورة الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم".إذا كان الأمر كذلك فماذا سيكتب على وجوه حكامنا العرب الذين فتحوا أراضيهم، ويسروا مطاراتهم، وسهلوا البر والبحر والجو ليدخل العدو فيحتل الأرض وينتهك العرض ويزهق آلاف الأرواح، ويعيث الفساد في البر والبحر والجو؟!لقد نشرت البي بي سي يوم الأربعاء 19/03/2003، تحت عنوان "بوش يشعر بالاطمئنان مع اقتراب الحرب" ما نصه: في الأيام القليلة الماضية، كان الرئيس بوش مثالا للهدوء والاطمئنان، سواء عندما يخاطب الأمة من قاعة الصليب في البيت الأبيض، أو عندما يداعب كلبيه في حديقة البيت الأبيض، وحتى عندما تبين أن الدبلوماسية تسير في طريق مسدود بدا أن ذلك زاد من سكينة الرئيس الأمريكي، فالعلاقة بين بوش والأمم المتحدة كانت دائما مبنية على المنفعة المتبادلة، ولم تكن في يوم من الأيام مبنية على التزام حقيقي، ويبدو أنه كان سعيدا بالتحرر من قيود الأمم المتحدة، والنتيجة أن الرئيس يشعر بالسلام مع نفسه، وهو رجل عميق الإيمان بعدالة القضية التي يحارب من أجلها، والحقيقة هي أن الرئيس الأمريكي الثالث والأربعين يعتقد أنه ينفذ إرادة الله، وطوال الأزمة، كان برنامجه اليومي ثابتا ولم يتغير، ينام قبل الساعة العاشرة مساء، ويصحو قبل الساعة الخامسة والنصف صباحا، ويقرأ الإنجيل ويصلي. ا.هـ. إن الإصلاح ينبغي أن يكون أول ما يكون من الداخل، ويجب أن يحتل اهتمامنا بقضايانا الداخلية حيزا كبيرا من تفكيرنا وجهادنا، فإذا صلح الداخل سهل علينا مقاومة الخارج، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.إننا إذا لم نتخلص من أمراضنا المهلكة، ونصلح أوضاعنا الداخلية؛ فتُمارس الحقوق وتُؤدى الواجبات، ويأخذ كل شيء مكانه الصحيح، ويقوم كل شيء بالميزان الحق والقسطاس المستقيم، فلن نستيقظ إلا على قذائف العدو وساعتها نعود ونرجع، ولات ساعة رجوع، ولات حين مناص
وصفي عاشور أبو زيد ـ مصر
إذا سألت التاريخ عبر قرونه العديدة وأزمنته المديدة عن أسباب الهزائم التي حاقت بالمسلمين في أي عصر من العصور، فلن يجيبك بقوة الأعداء من حيث العَدد والعُدد، ولا بقلة عدد المسلمين، إنما ستكون الإجابة بلا تردد ولا تلفُّت: إن السبب الأول والرئيس هو تفرق الأمة وتشرذمها، وإصابتها بالوهن: حب الدنيا وحب الكرسي والمنصب الذي تكون نتيجته الطبيعية كراهية الموت، سوف يجيبك بأن السبب هو بعدها عن الأخذ بأسباب النصر من حسن صلة بالله، وقوة الصف ووحدته، وإعداد ما استطاعت من قوة ومن رباط الخيل.لقد قرر القرآن الكريم منذ أيام طالوت وداود أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، ويشهد التاريخ منذ عهد النبي بانتصار المسلمين في مواطن كثيرة بغير كثرة عَدد ولا عُدد، وسنن الله لا تحابي أحدا، إنما تقتص من المفرِّطين المقصرين كما تقتص من الظالمين المعتدين.لقد أثار حفيظتى وحزني في آن معا أن نسمع عن قرار أصدرته وزارة الشئون الإسلامية في السعودية يوم الثلاثاء (15/4/2003) تستبعد به عدداً كبيراً من الأئمة والخطباء الذين جعلوا خطبة الجمعة وسيلة للتعبير عن آرائهم الخاصة واجتهاداتهم الفردية خروجا عما ترسمه لهم الوزارة بحسب تصريحات وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ.وقلت في نفسي: من هنا تأتي الهزائم ويكون الهوان، الهزائم تأتي على أيدينا لا على أيدي غيرنا، نكمم أفواه الشعوب، ونمنع علماءنا أن يُفَعِّلوا قضية من القضايا؛ لننتظر العدو يدق الطبول؛ ليطرق أبوابنا ويدنس أرضنا.إن المنابر التي يريدها حكامنا العرب هي المنابر "الميكافيللية" التي ترى أن الغاية تبرر الوسائل، ولا تلتزم بالأخلاق، ولا تتقيد بقيم، ولا تبالي بحلال أو حرام، فالسلطات الحاكمة تريد استخدام المسجد بوقًا لسياستها، فإذا اصطلحت مع إسرائيل فالصلح خير: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)!!وإن ساءت علاقتها معها، فاليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا، والصلح مع العدو الغاصب حرام وخيانة! وهكذا لا يصبح المنبر لسان صدق لرسالة الإسلام، بل جهاز دعاية لسياسة الحكام، وهذا ما يُفقد المسجد مصداقيته، ويلغي تأثيره في الأمة، ويحط من كرامة العلماء والدعاة إلى الله.هل كان يتصور مسلم أن تدنَّس أرض الرسالات الإلهية بأقدام شرذمة قليلة من اليهود؟ لو كان المليار مسلم ذبابا لفر اليهود من طنينه، أو كان يتصور مسلم ما حدث ويحدث في العراق إلا عن طريق خلل داخلي من أبناء جلدتنا؟!لقد قال النبي عليه السلام عن أبي هريرة قال: "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله". رواه ابن ماجه. قال المناوي في فيض القدير: 6/72 معلقا على الحديث: "كناية عن كونه كافرا إذ لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون يوسف 87، وقد يقال بعمومه ويكون المراد يستمر هذا حاله حتى يطهر من ذنبه بنار الجحيم، فإذا طهر منه زال بأسه فزال يأسه وأدركته الرحمة فأخرج من دار النقمة وأسكن دار النعمة؛ وذلك لأن القتل أخطر الأشياء شرعا وأقبحها عقلا؛ لأن الإنسان مجبول على محبة بقاء الصورة الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم".إذا كان الأمر كذلك فماذا سيكتب على وجوه حكامنا العرب الذين فتحوا أراضيهم، ويسروا مطاراتهم، وسهلوا البر والبحر والجو ليدخل العدو فيحتل الأرض وينتهك العرض ويزهق آلاف الأرواح، ويعيث الفساد في البر والبحر والجو؟!لقد نشرت البي بي سي يوم الأربعاء 19/03/2003، تحت عنوان "بوش يشعر بالاطمئنان مع اقتراب الحرب" ما نصه: في الأيام القليلة الماضية، كان الرئيس بوش مثالا للهدوء والاطمئنان، سواء عندما يخاطب الأمة من قاعة الصليب في البيت الأبيض، أو عندما يداعب كلبيه في حديقة البيت الأبيض، وحتى عندما تبين أن الدبلوماسية تسير في طريق مسدود بدا أن ذلك زاد من سكينة الرئيس الأمريكي، فالعلاقة بين بوش والأمم المتحدة كانت دائما مبنية على المنفعة المتبادلة، ولم تكن في يوم من الأيام مبنية على التزام حقيقي، ويبدو أنه كان سعيدا بالتحرر من قيود الأمم المتحدة، والنتيجة أن الرئيس يشعر بالسلام مع نفسه، وهو رجل عميق الإيمان بعدالة القضية التي يحارب من أجلها، والحقيقة هي أن الرئيس الأمريكي الثالث والأربعين يعتقد أنه ينفذ إرادة الله، وطوال الأزمة، كان برنامجه اليومي ثابتا ولم يتغير، ينام قبل الساعة العاشرة مساء، ويصحو قبل الساعة الخامسة والنصف صباحا، ويقرأ الإنجيل ويصلي. ا.هـ. إن الإصلاح ينبغي أن يكون أول ما يكون من الداخل، ويجب أن يحتل اهتمامنا بقضايانا الداخلية حيزا كبيرا من تفكيرنا وجهادنا، فإذا صلح الداخل سهل علينا مقاومة الخارج، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.إننا إذا لم نتخلص من أمراضنا المهلكة، ونصلح أوضاعنا الداخلية؛ فتُمارس الحقوق وتُؤدى الواجبات، ويأخذ كل شيء مكانه الصحيح، ويقوم كل شيء بالميزان الحق والقسطاس المستقيم، فلن نستيقظ إلا على قذائف العدو وساعتها نعود ونرجع، ولات ساعة رجوع، ولات حين مناص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق