إلى المختلفين حول الوسطية..... أدب الاختلاف أولا
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@hotmail.com
تابعت السجال الذي دار حول فكر الوسطية والمركز العالمي للوسطية، وساءني المستوى العلمي والفكري، وكذلك الخلقي ـ وهو الأهم ـ الذي تناول به السادة الكتاب هذا الموضوع، يستوي في ذلك من كتبوا هجوما ومن كتبوا دفاعا، وإن كان الجانب الهجومي أسوأ من الدفاعي أسلوبا، وأبعد عن الموضوعية والإنصاف والنصح الأمين والجدال بالتي هي أحسن.
ولقد نال الدكتور عصام البشير ـ الأمين العام للمركز العالمي للوسطية، والوزير السابق للأوقاف والإرشاد الديني بالسودان ـ من ذلك الحظُّ الأكبر، وصُوِّبت نحوه سهام جارحة؛ حيث صوَّره الكُتاب أنه جاء من السودان جائعا عاطشا عاريا ليأكل من خيرات الكويت ويشرب من مائها ويرتدي من ملابسها، وهو الوزير والبرلماني والداعية والمفكر، كما صورته أنه جاء من السودان مُتَنَمِّرًا لأموال الكويت لـ "ينهبها" ويعود من حيث أتى، بالإضافة إلى التطاول عليه والنيل من شخصه.
فهذا الكاتب الأستاذ أحمد الفهد يكتب مقالا في الوطن بتاريخ الأحد 7/1/2007م بعنوان: "ما كو وسطية بالفلوس!"، ذكر هلامية مفهوم الوسطية وعدم وضوحه، وياليته استمر في معالجة المصطلح لنستفيد من تحرير مضمونه وتوضيحه إن كان فيه غيوم غير أنه انتقل سريعا من ذلك إلى الهجوم على شخص الدكتور عصام مستنكرا عضويته في لجان كثيرة قائلا: "لكن السؤال الذي يطرح نفسه على عصام البشير هو: هل انتهى زمن العمل في سبيل الله.. وأصبح كل شيء لجانا، وكل لجنة تعني جني و«حلب» الأموال في نهاية الشهر؟! ...نشر الإسلام الصحيح يجب أن يكون بدافع ذاتي لا مالي، والداعية «الصجي» يجب أن يأخذ ما يكفيه هو وأبناؤه فقط من هذه الوظائف، لا ما يغنيه هو وعشيرته ويجعله من أصحاب الملايين! ...والذي نتمناه من عصام البشير أمين عام مركز الوسطية العالمي ـ عضو عشرين لجنة في الوسطية ـ أن يبين لنا هل هناك وسطية في الفلوس والإنفاق؟!! وهل هناك استراتيجية للصرف والإنفاق على اللجان.. أم أن المركز العالمي يصرف ما في الجيب ليأتيه ما في الغيب؟!".
ويرد عليه الكاتب مساعد عادل الظفيري في مقال بالوطن كذلك بتاريخ الأربعاء 10/1/2007م بعنوان: الوسطية عدوة من يجهلها!! متهما من يهاجم الوسطية بالجهل مرجعا هذا الهجوم إلى تصفيات سياسية بين بعض الأشخاص، يعني غادر سبل الموضوعية هو الآخر في الرد متجها إلى "شخصنة" الموضوع.
ثم كتب الأستاذ أحمد الفهد ردا على الرد في الوطن أيضا بعنوان: "الإخوان والوسطية" بتاريخ السبت 13/1/2007م. لم يكن أحسن حالا من مقاله الأول فكرا وبعدا عن الموضوعية وأدب الخلاف.
ثم يعقب د. عصام الفليج بمقال في الوطن على هذه الهجمة غير الموضوعية بتاريخ الثلاثاء 23/1/2007م بعنوان: "د. عصام.. كن عاليًا كالغيوم" يقسم فيه المشهد فريقين: فريق المؤمنين الصابرين المحتسبين وضم إليهم أو جعل على رأسهم د. عصام البشير، والفريق الآخر فريق أصحاب الجحيم وعلى رأسهم من هاجموا الدكتور البشير، وهذا تناول أيضا غير موضوعي وغير أمين، يستدعي أقلاما أخرى تهاجم وتكتب وتعقب.
ولذلك كتب محمد يوسف المليفي مقالا في صحيفة السياسة بتاريخ الأربعاء: 24/1/2007م، بعنوان "شخابيط الفليج ..وعودة إلى خالد الجندي والانحدار الدعوي"، وكان من عناوينه الفرعية: "معاشر السادة النبلاء"، وكتب تحته معلقا على كلام د. عصام الفليج، لكنه تجاوز هو الآخر النقد الموضوعي إلى السخرية والاستهزاء والتنابز بالألقاب مع الداعية الدكتور عصام البشير وعلى الكاتب أيضا، ومن قاموس التابز بالألقاب في هذا القال: "داعية الأوقاف الوسطي عصام البشير"، "يقول المفكر الكبير عصام الفليج"، "المصروفات التي تنفق على هذا البشير"....الخ.
إذا تجاوزنا ما كتبه د. سامي ناصر خليفة في مقاله بعنوان: «الوسطية».. تحديات ثلاثة! الذي نشر في صحيفة الحركة 22/01/2007 م، "، وما كتبه د. صالح الراشد في الوطن بتاريخ: 26/1/2007م، بعنوان: "الوسطية في جمعية الصحفيين"، وما كتبه د. خالد أحمد الشلال في صحيفة الوطن: 27/1/2007 بعنوان: "شنهو يعني الوسطية؟"، فإن كل ما كتب ـ تقريبا ـ في الموضوع يبعد بعدا تاما عن البحث وراء المصلحة العامة للكويت وللأمة، وبعيدا كل البعد عن الموضوعية والنقد البناء.
وأود أن أقول لكل من تناول هذه القضية بهذا الأسلوب أنه ينبغي علينا أن نتحرى أدب الاختلاف أولا قبل أن يختلف بعضنا مع البعض، ونتعلم كيف يكون الخلاف وما آدابه، وكيف ننقد نقدا بناء، يُصلح ولا يفسد، ويجمع ولا يفرق، ويجدد ولا يبدد.
وأقل ما يستوجبه الخلاف إشاعة الاحترام والمحبة، لأن الخلاف أمرٌ واقع لا محالة ، فلا يجوز أن يؤدي الخلاف بين المتناظرين الصادقين في طلب الحق إلى تباغض وتقاطع وتهاجر ، أو تشاحن وتدابر وتناحر ، فأخوة الدين ، وصفاء القلوب ، وطهارة النفوس فوق الخلافات الجزئية ، والمسائل الفرعية ، واختلاف وجهات النظر لا ينبغي أن يقطع حبال المودة ، ومهما طالت المناظرة ، أو تكرر الحوار ، فلا ينبغي أن تؤثر في القلوب ، أو تكدر الخواطر ، أو تثير الضغائن .
ولقد اختلف السلف فيما بينهم ، وبقيت بينهم روابط الأخوة الدينية ، فهذان الخليفتان الراشدان ، أبو بكر وعمر ، يختلفان في أمور كثيرة ، وقضايا متعددة ، مع بقاء الألفة والمحبة ، ودوام الأخوة والمودة، ومع هذا الخلاف بينهما فإن كل واحد منهما كان يحمل الحب والتقدير والاحترام للآخر ، ويظهر ذلك من ثناء كل واحد منهما على صاحبه .
كذلك لابد من حمل الكلام على أحسن المحامل إن اتسع لها التأويل، وساغ لها الفهم، ومسالك الأئمة كثيرة في هذا المعنى، فقد تأول ابن تيمية للمتصوفة قولهم: "إن المريد إذا أحبه الله لم يضره ذنب"، وحمله على أن من أحبه الله ووقعت منه معصية فإن الله تعالى يوفقه للتوبة والاستغفار ويعينه على الخلاص من ذنبه حتى لا يبقى مصرا عليها. وتأول ابن القيم معنى قول الجنيد: "إذا أراد الله بالمريد خيرا أوقعه على الصوفية ومنعه صحبة القراء"، وحمله على معنى أنهم يهذبون أخلاقه ويدلونه على تزكية نفسه، وأما القراء ـ وهم أهل التنسك الذين قصرت همتهم عن ظاهر العبادة ـ فلا يذيقونه من حلاوة أعمال القلوب وتهذيب النفوس.
وإذا لم يفعل ذلك الكُتابُ وأصحاب الزوايا الثابتة والأقلام المؤثرة فمن يفعل؟ إذا لم تقم النخبة بواجب تثقيف العامة والمثقفين بثقافة أدب الاختلاف بعيدا عن الهجوم الشخصي والتجريح الذاتي، وضرورة تحري النقد الموضوعي البناء الذي يعمل على تطوير وتجديد الأمة ـ مؤسسات، وهيئات وأفكارا ومذاهب ـ فلا داعي للكتابة، ولا للنقد أصلا.
هذا في الظروف الطبيعية، أما في الحال الذي نعالج الكلام بصدده، وفي الواقعة التي ورد الكلام بشأنها فلابد من كلام آخر وأدب آخر ونقد آخر.
إن الأمر يتعلق بضيف على الكويت أتت به الكويت من بلده ولم يأت هو من تلقاء نفسه أو يفرض نفسه عليهم بالقوة لاهثا وراء دينارات الكويت ـ كما يحلو لهؤلاء الكتاب أن يصوروه ـ وإنما جيء به من بلده لخدمة الكويت ولخدمة أمته الإسلامية كلها عبر هذا المشروع الضخم ـ المركز العالمي للوسطية ـ الذي يُنتظر منه أن يجعل للكويت مكانة بين الدول.
على أن الدكتور عصام البشير لم يأت من بلده نكرة ولا مغمورا، بل جاء علما من الأعلام وداعية من الدعاة ومفكرا من المفكرين وسياسيا مارس السياسة وخَبَرَها ردحا من الزمان.
فلا يجوز أن تُقابل الحسنة بالسيئة بله دفع السيئة بالحسنة، والله تعالى يقول: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان". ومن هنا وجب على أهل الكويت ـ وكان حقا على المزور أن يكرم زائره ـ أن يكرموا ضيفهم ويستفيدوا من خبراته العلمية والفكرية والدعوية والسياسية، لا أن يقابَل بهذه السخرية السخيفة، وذلك التنابز البغيض.
دعك من هذه الظروف وتلك الملابسات كذلك حتى لا أقع فيما لاحظته على الآخرين، والمهم أن النقد البناء والحوار الهادف والإخلاص في النصيحة يرحب به كل عاقل، فضلا عن داعية ومفكر، وأولى بنا أن تتشابك أيدينا جميعا من أجل رفعة أمتنا ومصلحتها العليا، فكفانا فرقة وتشتتا وتطاحنا وتراشقا، وتقاتلا طائفيا ومذهبيا في كل مكان، ولندع الشتائم والسباب والتنابز بالألقاب جانبا، قبل أن نستيقظ على الويل والثبور وعظائم الأمور.
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@hotmail.com
تابعت السجال الذي دار حول فكر الوسطية والمركز العالمي للوسطية، وساءني المستوى العلمي والفكري، وكذلك الخلقي ـ وهو الأهم ـ الذي تناول به السادة الكتاب هذا الموضوع، يستوي في ذلك من كتبوا هجوما ومن كتبوا دفاعا، وإن كان الجانب الهجومي أسوأ من الدفاعي أسلوبا، وأبعد عن الموضوعية والإنصاف والنصح الأمين والجدال بالتي هي أحسن.
ولقد نال الدكتور عصام البشير ـ الأمين العام للمركز العالمي للوسطية، والوزير السابق للأوقاف والإرشاد الديني بالسودان ـ من ذلك الحظُّ الأكبر، وصُوِّبت نحوه سهام جارحة؛ حيث صوَّره الكُتاب أنه جاء من السودان جائعا عاطشا عاريا ليأكل من خيرات الكويت ويشرب من مائها ويرتدي من ملابسها، وهو الوزير والبرلماني والداعية والمفكر، كما صورته أنه جاء من السودان مُتَنَمِّرًا لأموال الكويت لـ "ينهبها" ويعود من حيث أتى، بالإضافة إلى التطاول عليه والنيل من شخصه.
فهذا الكاتب الأستاذ أحمد الفهد يكتب مقالا في الوطن بتاريخ الأحد 7/1/2007م بعنوان: "ما كو وسطية بالفلوس!"، ذكر هلامية مفهوم الوسطية وعدم وضوحه، وياليته استمر في معالجة المصطلح لنستفيد من تحرير مضمونه وتوضيحه إن كان فيه غيوم غير أنه انتقل سريعا من ذلك إلى الهجوم على شخص الدكتور عصام مستنكرا عضويته في لجان كثيرة قائلا: "لكن السؤال الذي يطرح نفسه على عصام البشير هو: هل انتهى زمن العمل في سبيل الله.. وأصبح كل شيء لجانا، وكل لجنة تعني جني و«حلب» الأموال في نهاية الشهر؟! ...نشر الإسلام الصحيح يجب أن يكون بدافع ذاتي لا مالي، والداعية «الصجي» يجب أن يأخذ ما يكفيه هو وأبناؤه فقط من هذه الوظائف، لا ما يغنيه هو وعشيرته ويجعله من أصحاب الملايين! ...والذي نتمناه من عصام البشير أمين عام مركز الوسطية العالمي ـ عضو عشرين لجنة في الوسطية ـ أن يبين لنا هل هناك وسطية في الفلوس والإنفاق؟!! وهل هناك استراتيجية للصرف والإنفاق على اللجان.. أم أن المركز العالمي يصرف ما في الجيب ليأتيه ما في الغيب؟!".
ويرد عليه الكاتب مساعد عادل الظفيري في مقال بالوطن كذلك بتاريخ الأربعاء 10/1/2007م بعنوان: الوسطية عدوة من يجهلها!! متهما من يهاجم الوسطية بالجهل مرجعا هذا الهجوم إلى تصفيات سياسية بين بعض الأشخاص، يعني غادر سبل الموضوعية هو الآخر في الرد متجها إلى "شخصنة" الموضوع.
ثم كتب الأستاذ أحمد الفهد ردا على الرد في الوطن أيضا بعنوان: "الإخوان والوسطية" بتاريخ السبت 13/1/2007م. لم يكن أحسن حالا من مقاله الأول فكرا وبعدا عن الموضوعية وأدب الخلاف.
ثم يعقب د. عصام الفليج بمقال في الوطن على هذه الهجمة غير الموضوعية بتاريخ الثلاثاء 23/1/2007م بعنوان: "د. عصام.. كن عاليًا كالغيوم" يقسم فيه المشهد فريقين: فريق المؤمنين الصابرين المحتسبين وضم إليهم أو جعل على رأسهم د. عصام البشير، والفريق الآخر فريق أصحاب الجحيم وعلى رأسهم من هاجموا الدكتور البشير، وهذا تناول أيضا غير موضوعي وغير أمين، يستدعي أقلاما أخرى تهاجم وتكتب وتعقب.
ولذلك كتب محمد يوسف المليفي مقالا في صحيفة السياسة بتاريخ الأربعاء: 24/1/2007م، بعنوان "شخابيط الفليج ..وعودة إلى خالد الجندي والانحدار الدعوي"، وكان من عناوينه الفرعية: "معاشر السادة النبلاء"، وكتب تحته معلقا على كلام د. عصام الفليج، لكنه تجاوز هو الآخر النقد الموضوعي إلى السخرية والاستهزاء والتنابز بالألقاب مع الداعية الدكتور عصام البشير وعلى الكاتب أيضا، ومن قاموس التابز بالألقاب في هذا القال: "داعية الأوقاف الوسطي عصام البشير"، "يقول المفكر الكبير عصام الفليج"، "المصروفات التي تنفق على هذا البشير"....الخ.
إذا تجاوزنا ما كتبه د. سامي ناصر خليفة في مقاله بعنوان: «الوسطية».. تحديات ثلاثة! الذي نشر في صحيفة الحركة 22/01/2007 م، "، وما كتبه د. صالح الراشد في الوطن بتاريخ: 26/1/2007م، بعنوان: "الوسطية في جمعية الصحفيين"، وما كتبه د. خالد أحمد الشلال في صحيفة الوطن: 27/1/2007 بعنوان: "شنهو يعني الوسطية؟"، فإن كل ما كتب ـ تقريبا ـ في الموضوع يبعد بعدا تاما عن البحث وراء المصلحة العامة للكويت وللأمة، وبعيدا كل البعد عن الموضوعية والنقد البناء.
وأود أن أقول لكل من تناول هذه القضية بهذا الأسلوب أنه ينبغي علينا أن نتحرى أدب الاختلاف أولا قبل أن يختلف بعضنا مع البعض، ونتعلم كيف يكون الخلاف وما آدابه، وكيف ننقد نقدا بناء، يُصلح ولا يفسد، ويجمع ولا يفرق، ويجدد ولا يبدد.
وأقل ما يستوجبه الخلاف إشاعة الاحترام والمحبة، لأن الخلاف أمرٌ واقع لا محالة ، فلا يجوز أن يؤدي الخلاف بين المتناظرين الصادقين في طلب الحق إلى تباغض وتقاطع وتهاجر ، أو تشاحن وتدابر وتناحر ، فأخوة الدين ، وصفاء القلوب ، وطهارة النفوس فوق الخلافات الجزئية ، والمسائل الفرعية ، واختلاف وجهات النظر لا ينبغي أن يقطع حبال المودة ، ومهما طالت المناظرة ، أو تكرر الحوار ، فلا ينبغي أن تؤثر في القلوب ، أو تكدر الخواطر ، أو تثير الضغائن .
ولقد اختلف السلف فيما بينهم ، وبقيت بينهم روابط الأخوة الدينية ، فهذان الخليفتان الراشدان ، أبو بكر وعمر ، يختلفان في أمور كثيرة ، وقضايا متعددة ، مع بقاء الألفة والمحبة ، ودوام الأخوة والمودة، ومع هذا الخلاف بينهما فإن كل واحد منهما كان يحمل الحب والتقدير والاحترام للآخر ، ويظهر ذلك من ثناء كل واحد منهما على صاحبه .
كذلك لابد من حمل الكلام على أحسن المحامل إن اتسع لها التأويل، وساغ لها الفهم، ومسالك الأئمة كثيرة في هذا المعنى، فقد تأول ابن تيمية للمتصوفة قولهم: "إن المريد إذا أحبه الله لم يضره ذنب"، وحمله على أن من أحبه الله ووقعت منه معصية فإن الله تعالى يوفقه للتوبة والاستغفار ويعينه على الخلاص من ذنبه حتى لا يبقى مصرا عليها. وتأول ابن القيم معنى قول الجنيد: "إذا أراد الله بالمريد خيرا أوقعه على الصوفية ومنعه صحبة القراء"، وحمله على معنى أنهم يهذبون أخلاقه ويدلونه على تزكية نفسه، وأما القراء ـ وهم أهل التنسك الذين قصرت همتهم عن ظاهر العبادة ـ فلا يذيقونه من حلاوة أعمال القلوب وتهذيب النفوس.
وإذا لم يفعل ذلك الكُتابُ وأصحاب الزوايا الثابتة والأقلام المؤثرة فمن يفعل؟ إذا لم تقم النخبة بواجب تثقيف العامة والمثقفين بثقافة أدب الاختلاف بعيدا عن الهجوم الشخصي والتجريح الذاتي، وضرورة تحري النقد الموضوعي البناء الذي يعمل على تطوير وتجديد الأمة ـ مؤسسات، وهيئات وأفكارا ومذاهب ـ فلا داعي للكتابة، ولا للنقد أصلا.
هذا في الظروف الطبيعية، أما في الحال الذي نعالج الكلام بصدده، وفي الواقعة التي ورد الكلام بشأنها فلابد من كلام آخر وأدب آخر ونقد آخر.
إن الأمر يتعلق بضيف على الكويت أتت به الكويت من بلده ولم يأت هو من تلقاء نفسه أو يفرض نفسه عليهم بالقوة لاهثا وراء دينارات الكويت ـ كما يحلو لهؤلاء الكتاب أن يصوروه ـ وإنما جيء به من بلده لخدمة الكويت ولخدمة أمته الإسلامية كلها عبر هذا المشروع الضخم ـ المركز العالمي للوسطية ـ الذي يُنتظر منه أن يجعل للكويت مكانة بين الدول.
على أن الدكتور عصام البشير لم يأت من بلده نكرة ولا مغمورا، بل جاء علما من الأعلام وداعية من الدعاة ومفكرا من المفكرين وسياسيا مارس السياسة وخَبَرَها ردحا من الزمان.
فلا يجوز أن تُقابل الحسنة بالسيئة بله دفع السيئة بالحسنة، والله تعالى يقول: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان". ومن هنا وجب على أهل الكويت ـ وكان حقا على المزور أن يكرم زائره ـ أن يكرموا ضيفهم ويستفيدوا من خبراته العلمية والفكرية والدعوية والسياسية، لا أن يقابَل بهذه السخرية السخيفة، وذلك التنابز البغيض.
دعك من هذه الظروف وتلك الملابسات كذلك حتى لا أقع فيما لاحظته على الآخرين، والمهم أن النقد البناء والحوار الهادف والإخلاص في النصيحة يرحب به كل عاقل، فضلا عن داعية ومفكر، وأولى بنا أن تتشابك أيدينا جميعا من أجل رفعة أمتنا ومصلحتها العليا، فكفانا فرقة وتشتتا وتطاحنا وتراشقا، وتقاتلا طائفيا ومذهبيا في كل مكان، ولندع الشتائم والسباب والتنابز بالألقاب جانبا، قبل أن نستيقظ على الويل والثبور وعظائم الأمور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق