الأحد، 20 يوليو 2008

وداعا شيخ المؤرخين العرب .. دكتور حسن حبشي


وداعا شيخ المؤرخين العرب .. دكتور حسن حبشي
وصفي عاشور أبو زيد ـ مصر
9/15/2005 2:08:00 AM
غادر دنيانا في صمت يوم الأحد 17/7/2005م الموافق: 11/جماد الثاني 1426هـ، شيخ المؤرخين العرب العلامة الدكتور حسن حبشي الذي عاش في صمت بعيدا عن الأضواء ومات في صمت بعد مصارعة طويلة مع المرض دون أن يهتم به أحد، عن عمر جاوز التسعين عاما قضاها عاكفا على العلم والتأريخ والترجمة والتحقيق، وهكذا العلماء في دنيا الناس.** رحلة حياة:ولد الدكتور حسن حبشي ـ يرحمه الله ـ في شهر مارس عام 1915م، حصل على الماجستير في التاريخ من جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) عام 1946م، عن موضوع: "نور الدين والصليبيون"، وطبعت أول مرة عام 1949م، وحصل على الدكتوراه من جامعة لندن عام 1955م، ومارس التدريس الجامعي في مصر والعراق والسعودية وليبيا وإنجلترا، كما شارك في كثير من المؤتمرات المحلية والعالمية، وعمل ملحقا ثقافيا بسفارة مصر في باكستان مرتين، وكان يشغل منصب "أستاذ كرسي" التاريخ الإسلامي والوسيط بآداب عين شمس.كان ـ يرحمه الله ـ يجيد لغات عديدة إلى جوار العربية، ومنها لغات نادرة مثل الفرنسية القديمة واللاتينية، ويعتبر أول من نقل إلى العربية مصادر لاتينية كبرى كتبها شهود عيان على الحروب الصليبية؛ حيث يعتبر أهم مؤرخ في العالم العربي للحروب الصليبية. أشرف شيخ المؤرخين العرب على أكثر من ثمانين رسالة علمية، فتخرج على يديه العديد من العلماء، كما أشرف على نشر التراث الإسلامي في دار الكتب المصرية، وكان عضوا في لجان وهيئات كثيرة منها لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، فضلا عن إسهاماته الفعالة في دوائر المعارف والموسوعات التاريخية، ونال العديد من الجوائز والأوسمة المصرية والعالمية.ظل الرجل يعاني فترة طويلة من الأمراض فلم يلتفت إليه أحد بالرغم من أنه جدير بالاهتمام من جهات عديدة، مثل جامعة عين شمس، ووزارة الثقافة المصرية، فضلا عن تلامذته الكبار على رأسهم د. عبد العظيم رمضان الذي كان د. حبشي يتمنى رؤيته قبل وفاته.**نوعية نادرة:يعتبر الدكتور حسن حبشي من نوعية خاصة ونادرة من العلماء والباحثين إذا ما قارناه بعلماء وباحثي هذا العصر؛ حيث لم يكن يشغله شيء سوى القراءة والتأليف والتحقيق، فكنت أذهب إليه في بيته المتواضع في 34 ش عمر بن الخطاب بالمهندسين فأجده عاكفا على الكتاب في مكتبته، وحدثني أنه أحيانا يقضي ساعات نومه على مكتبه وكتابه، وهو على الكرسي.كان كل وقته قراءة وبحثا وتأليفا وترجمة؛ حيث كان يقضي ثماني عشرة ساعة في مكتبه ومكتبته، وكنت إذا رأيته يمشي كأنما آيات الله تتحرك في وجهه وفي هيئته ومشيته، ومما أثر في نفسي جدا أنني وجدته حريصا على صلاة الجماعة في المسجد وهو الذي ناهز التسعين عاما، كأنه عالم تسلل إلينا من القرن الرابع الهجري.لم يفتر يوما عن البحث والتأليف والتأريخ، وكان يقول: "اليوم الذي لا أقرأ فيه لا أحسبه من عمري"، حتى إنه كان قبل وفاته يقوم بترجمة الوثائق البيزنطية القديمة التي تناولت أحداثا تخص العالم الإسلامي، ومن أبرز إنجازاته التي ينوء بحملها عشرات الشباب: قيامه ـ رغم بلوغه أرذل العمر ـ بترجمة مجموعة دراسات عن العصور الوسطى إلى العربية، كان قد أعدها فريق من كبار المتخصصين بتكليف من الحكومة الأمريكية، قام هو بترجمتها من اللغات القديمة كاللاتينية.** أعماله ومؤلفاته:لم تقتصر أعمال الدكتور حسن حبشي على التأليف فقط بل تعدت إلى الترجمة والتحقيق، فقد ترك لنا حوالي خمسين عملا مؤلفا ومترجما ومحققا، منها ما يضم عشرة أجزاء، وأربعة مجلدات، وخمسة، ومن المنشور منها ما يلي:نور الدين والصليبيون: حركة الإفاقة الإسلامية في القرن الثاني عشر الميلادي، الحرب الصليبية الأولى، أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس (الجستا) مترجم عن اللاتينية، الشرق العربي بين شقي الرحى دراسة تحليلية عن حملة لويس التاسع عشر على مصر والشام، أهل الذمة في الإسلام، زنجبار من 1890 ـ 1913م، رحلة طافور في عالم القرن الخامس عشر، فتح القسطنطينية لكلاري مترجم عن الفرنسية القديمة، الجزائر عبر التاريخ، الاحتكار في العصر المملوكي، الحروب الصليبية لوليم الصوري أربعة مجلدات، نزهة النفوس والأبدان أربعة مجلدات تحقيق، مذكرات فلهاردوان عن الحرب الصليبية الرابعة، المسلمون في الأندلس لدوزي ثلاثة مجلدات، قصة إسلام الصحابة عشرة مجلدات، صدر منها مجلدان فقط. ومن كتبه التي لما تنشر بعد: فلسطين في ظل الحكم الإسلامي للي سترانج ترجمة مجلدان، عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران للبقاعي ست مجلدات تحقيق، المعجم الصغير للبقاعي تحقيق مجلدان، در الحبب في تاريخ حلب لابن الحنبلي سبعة مجلدات تحقيق، تطور الجريمة وأساليب التعذيب في التاريخ. ومن أهم ما لم ينشر: الرحمة المهداة عرض جديد للسيرة النبوية العاطرة مجلدان، سرايا الرسول عرض وتحليل قائمان على الوثائق والمصادر الأولية والسيرة، قرون الهجرة دراسة عرضية للعالم منذ الهجرة الشريفة حتى الوقت الحاضر مجلدان، الفتح المبين تمثيلية عن مكة المكرمة حتى أنعم الله عليها بالفتح، صحابيات صنعن الأحداث خمسة مجلدات عن المرأة في صدر الإسلام، وغير ذلك مما يستدعي قيام هيئة أمينة توفر له مجموعة من الباحثين الأمناء الأكْفاء؛ كي تُخرج هذه الكنوز إلى النور.وقد تميزت مؤلفات الدكتور حبشي بالدقة والنفس الطويل الهادئ الذي يصل به إلى نتائج معقولة وموضوعية؛ حيث كان يعتمد على المصادر الأولى، ومكنه من ذلك إجادته للغات قديمة ينقل عنها هذه الأحداث، كما تميزت عبارته بالإشراقة الأدبية والأسلوب الشفاف النير، حتى إنه في كتابه: "قصة إسلام الصحابة: قال عن الصحابة: "كان دينهم الإسلام، وسبيلهم الحق، ورابطتهم الحب، وشعارهم العدل، فكانوا مؤسسي دول، وبناة حضارة يحمدهم عليها الحامدون الشاكرون".** من آرائه التاريخية:كان من رأي شيخ المؤرخين أن الحركة الصليبية تشبه تجربة الصهاينة في تهجير أعداد كبيرة من أتباعهم إلى الأرض المحتلة؛ لقلة عددهم قياسا بمن يحيطون بهم من المسلمين، لكن قيام إسرائيل لم يكن ميلادا طبيعيا يعتمد على رُقيٍّ نوعي لمجتمع من المجتمعات، بل كانت وليدة ظروف غير طبيعية؛ إذ قامت على أكتاف الدول الكبرى، والكيان الصليبي الذي قام في العالم الإسلامي انهار؛ لأنه لم يكن طبيعيا، فرأسه هنا في الشرق، ولكن جذوره في صقيع أوربا.وكان من رأيه ـ رحمه الله ـ "أن اليهود اعتادوا الكذب في تاريخهم، وأسفارهم تشهد بهذا، وتوجه فيها ملامات كثيرة لهم على هذا، لكنهم يبنون على هذا الكذب دولة، ووصل بهم الكذب إلى أن يقولوا: إن أي بلد ورد ذكره في التوراة هو ملك اليهود"، وكان يشدد دائما على "أن الذي جعل إسرائيل تطغى وتتجبر هو ضعفنا وتفرقنا وتشرذمنا، والخلافات الواسعة التي يتنازع فيها العرب والمسلمون، هذا هو الذي جعل إسرائيل هكذا، إن عدد المسلمين لو صرخ فقط لأيقظ النائم وحرك الساكن، ومع هذا فإن الأيام دول وسنة الله لا تتبدل ولا تتحول، وحتمًا سيُعيد التاريخ نفسه ويزول هذا الكيان"، وكان يقول عن حركة الجهاد والمقاومة الفلسطينية: "ستستمر هذه الحركة، ولو افترضنا أنهم استطاعوا في الظاهر أن يخمدوها، فإن الجذوة ستظل مشتعلة...إننا بعد أكثر من خمسين عاما من قيام الدولة العبرية نجد أن حركة الجهاد الفلسطيني قد أصبحت أقوى مما كانت عليه في الماضي، طوال العقود الخمسة الماضية".هذا هو الدكتور حسن حبشي الذي توفي ولم يسمع به أحد، وعاش ولم يُسمع له صوت، في حين أن الدنيا تقوم ولا تقعد إذا ما توفي فنان أو لاعب كرة، وبالرغم من معاناته المرض ـ وهو الجدير بالاهتمام كما أشرت ـ فلم يهتم به أحد في حين يتم علاج الراقصين والراقصات على حساب الدولة، فضلا عن تيسير السفر لهم وحمل نفقة علاجهم خارج مصر.هذا ما يقطع القلب زفرات ويذهب النفس حسرات، ويجعلني أقول في حزن بالغ: متى سيأتي العصر الذي نحترم فيه علماءنا ونقدر فيه رجالنا حق قدرهم؟ أسأل الله أن يكون قريبا، وأن يرحم شيخنا رحمة واسعة، ويعوضه خيرا في مستقر رحمته ودار كرامته، ويهيئ له من المؤرخين وطلاب الدراسات العليا للتاريخ الإسلامي من يتناوله في دراسات أكاديمية ومؤلفات علمية تليق ومكانة الرجل وعلمه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وإليه المشتكى.

تعليقات على الموضوع
تحية إلى أخي وصفي
مجدى إبراهيم محرم
9/15/2005 4:50:00 PM
نشكرك يا أستاذ وصفي فقد كتبت لنا عن شخصية رائعة وهو العالم المحترم الكتور حسن حبشي وأزيد عليك لقد كان رحمة الله عليه من مؤسسي جريدة الجامعة ((جامعة فؤاد الأول ))) والتي أمتلك بضع عشرات من أعدادها والتي وجدتها في مكتبة والدي رحمة الله عليه وقد تخرج من نفس الجامعة وقد كان الدكتور حسن حبشي من أصحاب الأقلام الجذابة والهادفة ومنذ جريدة الجامعة وهو من الملتزمين بالخط والفكر الإسلامي رحمة الله عليه وإن شاء الله سوف أقوم بنشر بعض هذه المقالات إذا كان هناك متسع لي من الوقت وأنت تعرف مدى المعارك التي تواجهنا من الداخل والخارج بارك الله فيك وفي قلمك الرشيق مجدي محرم

ليست هناك تعليقات: