الأربعاء، 30 يناير 2008

جمال قطب للدعاة: نعم للتطوير لا للصدام ـ حوار



جمال قطب للدعاة: نعم للتطوير لا للصدام
حاوره في القاهرة: وصفي عاشور أبو زيد
**- 24/08/2005





الشيخ جمال قطب
أكد فضيلة الشيخ جمال قطب - الداعية المعروف، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا- أن واقع الدعوة الإسلامية يحتاج إلى مراجعة وإصلاح؛ حيث يعاني كثير من الدعاة والخطباء فقرا في الثقافة، وضعفا في العلم والاطلاع الدائم والمستمر؛ مما أضعف الثمرات المرجوة منهم.
وأشار فضيلته إلى أنه ينبغي أن توفر الدول والحكومات والهيئات الخاصة بشئون الدعوة حد الكفاية للخطيب أو الداعية، وتهيئ له مناخ العلم والتدريب والتطوير حتى يقوم بمهمته على أكمل وجه.
كما شدد على أنه ينبغي على الدعاة والخطباء ألا يسعوا للصدام مع الدول والحكومات، ولا يشهِّروا بأحد، وأن يتعاونوا في المتفق عليه بينهم وبين الحكومات وهو كثير، وينبذوا الخلاف والنقد الصارخ حتى يفوتوا الفرصة على أعداء الأمة المتربصين بها من التدخل في شئون البلاد؛ فإلى تفاصيل الحوار:
* بداية نريد أن نتعرف عن رحلتكم مع الدعوة الإسلامية.
- تقدمت لخطبة الجمعة بالمعسكر الكشفي الدائم بحلوان جنوب شرق القاهرة أثناء الإجازة الصيفية للصف الأول الإعدادي عام 1961م، وكنت وقتها طالبا بالصف الأول الإعدادي بالتعليم العام، وكنت في الوقت نفسه أذاكر المواد الأزهرية، وأدخل امتحان الدور الثاني فيها، واستمررت على أداء خطبة الجمعة أمام والدي ومشايخ آخرين بمساجد منطقة إمبابة التابعة لمحافظة الجيزة.
والتحقت بجامعة الأزهر، وواصلت العمل الدعوي أثناء الدراسة بكلية الدراسات العربية والإسلامية التي تخرجت فيها عام 1975م، والتحقت بالعمل في مشيخة الأزهر بمجمع البحوث الإسلامية باحثا برواق تقنين الشريعة على المذهب الشافعي في مشيخة المرحوم الإمام محمود عبد الحليم.
ثم طلبت النقل بناء على رغبتي من أروقة البحوث إلى الوعظ؛ فبدأت واعظا بمركز إمبابة، ثم مفتشا للوعظ، ثم مديرا، ثم رئيسا لإدارة الدعوة، ومديرا عاما للدعوة، ثم مديرا عاما للإعلام الديني، وتوليت رئاسة لجنة الفتوى بالأزهر الشريف خلال أعوام 1997-1999م.
ولقد طفت بجميع محافظات جمهورية مصر العربية في قوافل الدعوة التي ينظمها الأزهر الشريف، وكذلك منطقة إمبابة لدعوات الهيئات الثقافية للمجتمع المدني، كذلك خبيرا مع صندوق علاج الإدمان التابع لمجلس الوزراء.
كما مثلت الأزهر الشريف في مؤتمرات دولية في جزر القمر لإعلان انضمام الدولة لجامعة الدول العربية، كما مثلته وشيخه في أثناء حرب البوسنة والهرسك لتواجدي على أراضيها في المؤتمر الدولي المنعقد هناك، وذهبت لفترات محدودة للدعوة في السعودية ولبنان وبريطانيا وأمريكا وبلجيكا وغير ذلك.
* لا شك أنكم مارستم الخطابة والدعوة إلى الله فترة طويلة من الزمن تملك من خلالها أن تضع أيدينا على صفات الداعية الناجح.
- ليس كل إنسان يصلح أن يكون داعية، وليس كل داعية يملك الصفات والمقومات التي من خلالها يتحقق له النجاح، إنما لا بد من توافر مجموعة من الصفات التي تعتبر ضمانا لسماعه، وأبرزها في رأيي ما يلي:
الأولى في تقديري: ألا ينتمي لفكر أحادي النظرة، ولا يتمسك بمذهب ولا دعوة مهما كان بريقها؛ فحياد الداعية وتقلبه بعينه الناقدة بين الأفكار هو الضمان الوحيد لسماع دعوته، أما استغراقه في تبني فكر معين والحرص على نافذة معينة وقالب معين؛ فإن الداعية في هذه الحالة المحددة إنما ينشر مذهبا أو فكرة ولا ينشر دينا؛ فالإسلام أكبر من أن يختذل في شخص أو مدرسة أو مذهب.
الثانية: ألا يقبل على الدعوة إلا محتسبا ومتفرغا لدراستها حتى يضع النقط على الحروف، أما أن يقبل على الدعوة بإخلاص فحسب طالبا الثواب راغبا في تبليغ ما علم أو ما أحب دون مداومة التحصيل والاطلاع على العلم والفكر والوعظ السليم.. فإنه يكون في الدعوة مثل الأم التي تطعم ولدها ولا تسقيه، أو تسقيه ولا تكسوه؛ فالإسلام للمسلم حياة كاملة تحتاج إلى تفهم، ويحتاج الداعية إلى معرفة من أين يبدأ مع كل حالة؟ وكيف يتدرج؟ فلا بد من التخصص العلمي والاطلاع الدائم على كتب العلم والوعظ والسير والتاريخ ويصبر على ذلك، ثم يتابع ما يجري في الواقع من حوله حتى يكون على بصيرة من أمره.
الثالثة: لا بد للداعية أن يبقى طالبا للعلم دائما؛ بمعنى ضرورة يقينه بأن ما وصل إليه ليس حقيقة نهائية، فلا بد من دوام تنقيحه ومراجعته وقبول الآخر مهما كان موقعه؛ فالدعوة تعبير عن الدين الخاتم، وجل دين الله عن أن يحوطه صدر إنسان أو مدرسة أو مذهب.
الرابعة: أن يكون الداعية مثالا حيا لما يدعو إليه؛ فقد ورد عن نبي الله عيسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- قوله: "الوعظ زكاة الاتعاظ"، ومعنى ذلك أن الداعية لا يأمر إلا بما عمله هو وأتقنه وحاز ثماره حتى يسهل على المدعو الاقتداء به، أما أن يأتي الداعية أفعالا ينهى الناس عنها، أو يترك أمورا يأمر الناس بفعلها؛ فهذا أخطر ما يكون في الداعية؛ إذ يزهد الناس فيه وينفضون من حوله؛ لأنه -بذلك- أفقدهم الثقة فيه، والله تعالى يقول: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"، وقال: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.
* هناك خلط عند كثير من الناس بين الداعية والخطيب؛ فالداعية عند الناس هو الخطيب، والخطيب هو الداعية.. فما الفرق بينهما في رأيكم؟
- مسألة المصطلحات عموما من المشكلات التي تواجهنا عند الحديث عن أمر ما أو الكتابة فيه، ولو أننا حررنا المفاهيم وقررنا معاني المصطلحات لاتفقنا على كثير من المسائل المختلف فيها، فضلا عن الخطأ والجهل أحيانا كنتيجة لعدم فهم وتحرير بعض المصطلحات.
ومصطلحا "الخطيب" و"الداعية" من المسائل التي تحتاج إلى فهم وتحرير حتى لا يتناوبا أو يحل أحدهما محل الآخر؛ فالخطيب ناقل فكرة، يجند الناس لها، ويستلزم في عمله قدرات الخطابة المتعارف عليها من الإحاطة اللغوية وقدرة الاسترسال، وقدرته على الإقناع والتواصل، واستقطاب حواس المستمع.
أما الداعية فهو صاحب فكرة يبرهن عليها، ويعيش لها، ويجاهد من أجلها، ويتركها للخطباء من ناحية وللمؤلفين والكتاب من ناحية أخرى، والمحاضرين والمحاورين من ناحية ثالثة، وللمبرمجين من ناحية أخيرة؛ فالداعية يعتبر معبرا عن الفكرة الأصلية مولدا لعناصر التوجيه فيها، أما الخطيب فهو إعلامي ليس إلا.
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن لفظ "داعية" أصبح من السهل أن يطلق على أي إنسان متحدث بلسان الدين، وهذا في الحقيقة نزول بالمصطلح عن مستواه السامق الأصيل، ولقد كان قديما لا يطلق على خريج الأزهر المشتغل بالإعلام أو الدعوة في رحاب الأزهر "داعية"، إنما كان يسمى: "واعظ"؛ فتغيرت المصطلحات وتناوبت، وأصبح فيها حالة من الظلم لها، والتدني بمستواها.
* كيف ترون واقع الدعاة والخطباء اليوم؟ هل هو كما ينبغي أن يكون عليه من خلال الصفات المذكورة آنفا وغيرها، أم أن هناك نقصا وتقصيرا ما؟
- واقع الخطباء اليوم واقع مخزٍ ومؤسف خلا حالات فردية معدودة في كل قطر؛ فإن الخطباء أصبحوا غير أكْفَاء لعملهم؛ وذلك يرجع لأسباب خارجة عنهم، ولأسباب خاصة بهم أعجزتهم.
أما الخارجية فأبرزها وقوع بلدان الأمة العربية تحت نير القهر العالمي؛ الأمر الذي تفاقم إلى أن أصبحت الأمة أجزاء مقطعة وفقيرة، محتاجة ومتخلفة، وراكضة خلف التقدم العالمي تلهث دون أن تدرك المستوى المطلوب، وقد انطبع ذلك على جميع برامج وأوعية التعليم بصفة عامة، والتعليم الديني بصفة خاصة، وتعليم الخطباء بصفة أخص.
أما الظروف والمعوقات الخاصة بهم فإن معظمهم قد أقبلوا على الدراسة مجبرين لعدم قدرتهم على اللحوق بالكليات العلمية التجريبية بجامعة الأزهر مثلا؛ فذهبوا إلى الكليات الإسلامية تحصيل حاصل مضطرين إليها، فإذا أضفت إلى ذلك القصور في الكادر الوظيفي والتقصير في رعاية المساجد أدركت أن الخطباء أصبحوا حفظة لأقوال معينة يرددونها دون منهجية ودون إدراك للعواقب والمآلات.
* إذا كان واقع الخطباء بهذا الشكل.. فما الطريق إذن لكي نعين الخطيب أو يكون على الوجه المطلوب مع مهمته؟
- لا بد أولا من إصلاح المناهج التعليمة بالتحرر تماما من الفكر الدخيل على الإسلام أيا كان نوعه؛ سواء كان السبب فيه جهة غربية أم كان من الموضوعات والإسرائيليات في تراثنا الإسلامي، ثم بعد ذلك ينبغي أن يُعدَّ الخطيب إعدادا يتناسب مع مهمته ويتلاءم معها، وأن يكون هؤلاء الخطباء لهم رغبة أكيدة في ممارسة هذا العمل الشريف، وأن تكون عندهم هذه الموهبة.
وأمر آخر في غاية الأهمية وهو أن على الجهات والوزارات المسئولة عن الدعوة إلى الله تعالى توفير معيشة كريمة لمن يقوم بهذه المهمة ماديا وأدبيا، وأن يعملوا على تفريغهم من كل الأعمال سوى هذه الوظيفة حتى يتعلم، ويتمرس ويتزود ليؤدي مهمته على الوجه المطلوب ويؤتي ثماره للمجتمع.
أمر أخير -في رأيي- وهو أن كل مسجد من المساجد لا يكفيه خطيب واحد؛ بل لا بد من مجموعة لكل مسجد، كل منهم يتخصص في جانب من الجوانب، هذا للمشكلات الأسرية بين الأزواج والأبناء، وهذا لهموم الشباب ومشكلاتهم، وذاك لأحكام العبادات والمعاملات، وهذا لفض المنازعات والعمل على الصلح بين الناس، وهكذا.
لو تم هذا كله فلا شك أن دور الخطيب أو الداعية أيضا سيؤتي ثماره، ويكون المجتمع مجتمعا معافى من الأمراض والعلل، وكيف لا وهو يستمد الدواء والعلاج من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
* كثير من الخطباء -إن لم يكن كلهم- يتعرض للفتوى في المساجد، وكثير منهم أيضا يفتون فتاوى مخطئة تؤدي إلى حدوث فتن في المجتمع بتحليل الحرام وتحريم الحلال فبماذا تنصحونهم؟
- أقول لهم أولا: إن منصب الإفتاء شيء، ومنصب الخطابة شيء آخر، والخطيب بالفعل يتعرض لمثل هذا، ويجب عليه أن يستوعب خطورة الإفتاء، وأن يدرك أن المفتي نائب وموقِّع عن الله في الأرض كما قال ابن القيم وغيره، فإذا كان يعلم حكم المسألة موضع الاستفتاء فبها ونعمت، وإلا فيسعه ما وسع الأئمة الكبار والفقهاء العظام الذين كانوا لا يجدون غضاضة في أن يقولوا: "لا أدري".
ولو رجع خطباء اليوم إلى الجيل السابق عليهم لوجدوا خطباء كثيرين مشهورين، ومن أبرزهم الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- وقد كان لا يخشى في الله لومة لائم، وكان يحيل أسئلة ترد إليه -وهو من هو- إلى غيره من المتخصصين في الفقه والفتوى، وهذا في الحقيقة لا يعيب الخطيب، إنما يعيبه أن يجيب على السؤال إجابة غير صحيحة، أو غير مقنعة، فتزداد المسألة عسرا، أو يحرَّم الحلال، ويحلَّل الحرام، وهذا كثيرا ما يحدث.
* فضيلة الشيخ، من خلال عملك في الدعوة إلى الله تعالى فترة غير قليلة من الزمان وإلى الآن.. لعلك تعلم جيدا الصدام القديم الجديد والمستمر بين الخطباء والدعاة إلى الله وبين السياسات والحكومات؛ فكيف السبيل إلى حل هذه المشكلة في رأيكم؟
- أولا لا نبرئ الساسة والحكام من ظلم وتعسف مع الدعاة والخطباء، ولكننا نهيب بالمتعرضين والمتشوقين والراغبين في هذه المهمة أن يبتكروا وسائل وأساليب واضحة شفافة لعدم الصدامات مع الحكومات؛ فمن مصلحته ومصلحة الدعوة ألا يشهر بالأشخاص، ولا يتعرض بالنقد اللاذع للمسئولين الكبار في بلد ما وفي التعريض مندوحة، وكذلك في استحضار شخصيات وأحداث تاريخية ليشير من بعيد إلى ما يريد.. هذه واحدة.
أما الأخرى -وهي مهمة جدا- فهي أنه لا بد أن يتقارب الدعاة مع الحكومات والدول على الحد الأدنى المتدرج، ويبدءوا من كل جانب يمكن منه البداية شرعا، ويؤخروا الصدامات والنقد اللاذع إلى حين، وأظن أن الدعاة أو الخطباء لن يحرموا مثل ذلك تفويتا للفرصة التي يتيحها الخلاف لأعداء الإسلام من القوى العالمية على التدخل في شئون البلاد، ولا شك أن الدعوة في مصر أو السعودية أو الكويت على حالتها الراهنة أفضل من الدعوة في بلاد أخرى، ومساحات الالتقاء والتعاون أعتقد أنها كثيرة جدا يمكن التعاون فيها، وهذا أفضل بكثير من أن نبدأ بالصدام بتناولنا للمختلف فيه الذي يؤدي إلى تشتت الجهود، وإيغار الصدور مما يؤثر سلبا على سير الدعوة الإسلامية.
اقرأ أيضا:
لماذا يهرب الناس من المساجد؟
دعوة إلى أسلمة المساجد!!
داعية فقيه أم فقيه داعية؟
الداعية بين الطفولة والرشد
**باحث شرعي بكلية دار العلوم.

ليست هناك تعليقات: