الأربعاء، 23 يناير 2008

المحاسبة والعلم الشرعي.. الجمع ممكن ـ استشارة دعوية


معتز - مصر
الاسم
المحاسبة والعلم الشرعي.. الجمع ممكن
العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد التحية، أنا حاصل على بكالوريوس تجارة شعبة محاسبة، كنت آمل أن أنال شرف الدراسة الأزهرية لكن الله قسم لي ما كان وما هو خير والحمد لله.
لن أتحدث عن نفسي أو صفاتي أو غير ذلك، لكنني ولأسباب الله أعلم بها أشعر أن طريقي هو سبيل العلم والدراسة الإسلامية، أريد أن تكون أولى خطواتي هي خطوة أكاديمية، ولكنني أجهل كيف ذلك، خاصة وأنا أعيش في أحد أقاليم مصر، ومرتبط بهدية أهداها الله لي (خطيبتي)؛ فهي كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين"، كما أنني أعمل بأحد محلات الموبايلات لكنني أشعر أنها لا تتماشى مع ما أتمناه من طريق الدعوة برغم أنها حقا الطريق الوحيد أمامي حاليا لتحصين نفسي، وإنشاء بيت مسلم في معية الله.
جزاكم الله عنا خيرا، ووفقكم لما يحبه ويرضاه؛ فكيف أوفق بين الأمرين؟ وما هو الطريق الأكاديمي المتاح أمامي؟.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
ثقافة ومعارف
الموضوع
مجموعة مستشارين
المستشار
الحل
يقول
الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبد الله، عليه وعلى آله ومن والاه واتبع هداه، وبعد..
أخي الحبيب الأستاذ معتز، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلا وسهلا بك على موقعك إسلام أون لاين، الذي أسأل الله تعالى أن يجعله دائما أهلا لثقتك.
اعلم أخي أن لدراسة العلوم الشرعية مذاقا خاصا، وشرفا كبيرا لا يدانيه شرف؛ لأن كل علم تكون درجة شرفه بدرجة متعلَّقِه، ومُتَعلَّق العلوم الشرعية هو الكتاب والسنة، ولا أشرف منهما على الإطلاق.
لكن عليك أن تستوعب أن الشرف ليس في العلوم الشرعية فحسب، بل ممتد إلى كل علم يعود تحصيله بالنفع والخير على المسلمين في دينهم ودنياهم.
واعلم -علمني الله وإياك- أن من العلوم ما لو لم يقم به المسلمون لوقعوا في الإثم جميعا، خاصة العلوم التي تقوم عليها الدنيا مثل: الطب والهندسة وفروع العلوم التجريبية، وتعلمها والبروز فيها من فروض الكفايات على الأمة الإسلامية كما ذكره أبو حامد الغزالي في كتابه العظيم: "إحياء علوم الدين".
ولا بد من التفرقة هنا بين أمرين أو مستويين:
المستوى الأول: أن هناك من الأمور الشرعية ما لا يسع المسلم جهله، وهي الأحكام الشرعية العقدية والعملية التي لا تصح عقيدة المسلم وعبادته إلا بها، مثل كيفية أداء الصلاة ومعرفة أركانها وشروطها، وأحكام الطهارة، وأحكام الصيام، وأحكام المعاملات المختلفة إن كان يعمل بها... وهكذا؛ فهذه أمور وأحكام يعتبر العلم بها فرضا عينيا على كل مسلم لا يجوز له أن يفرط فيه أو يكون على غير علم وإلمام به.
المستوى الثاني: وهو مستوى التخصص الدقيق وإفراغ الجهد والوسع في علم أو فرع من فروع العلوم الشرعية، وهو ما يجب على المؤهلين له نفسيا وفطريا الذين يوفرون وقتهم وجهدهم له؛ لأنه من فروض الكفايات على الأمة أيضا، متى خلت منه الأمة وقع الإثم على الجميع... وهذا المستوى يتعدى فيه أهله درجة العلم الضروري التي تصح به العبادات إلى درجة الإحاطة الكاملة بأصول العلوم الشرعية وفروعها أو فرع وعلم منها، ويتوسع فيه حتى يبلغ درجة الاجتهاد؛ ليُعلِّم الناس ويبصرهم، وليجتهد فيما يستجد من مسائل لم يسبق لها حكم في دين الله.
وأود أن ألفت نظرك إلى أمر مهم ينبغي أن نقدره حق قدره، وهو أن الأمة في حاجة ماسة إلى العلماء التجريبيين المسلمين، لا سيما في هذا العصر الذي لم يعد يؤمن -في أغلب الأحيان- إلا بالمادة والإثباتات العلمية التجريبية، وفي نفس الوقت نعاني -نحن المسلمين- من فقر شديد في هذا الجانب الذي يعد التأخر فيه من أسباب تخلف المسلمين وانهزامهم نفسيا وفكريا.
ولو اتجه كل دارس إلى العلوم الشرعية؛ فمن أين نأتي بالمهندس والطبيب والفلكي والفيزيائي والكيميائي والتجاري والاقتصادي وغيرهم؟!
وأين الواقع الذي سيتعامل معه الشرع إذا افتقدنا كل هذه التخصصات؟ وكيف نبني دنيانا وتكون لنا كلمة ومهابة إذا تخلفنا علميا و"تكنولوجيًّا"، وأصبحنا مُبرَّزين في الجوانب الشرعية فحسب؟!.
لقد نعى حجة الإسلام أبو حامد الغزالي على عصره هذا الأمر حين قال في بدايات إحيائه: "فكم من بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة، ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه، ثم لا نرى أحدا يشتغل به، ويتهاترون على علم الفقه لا سيما الخلافيات والجدليات والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى والجواب عن الوقائع؛ فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به؟".
هذا ما نعى به على عصره منذ ما يقرب من ألف عام؛ فكيف لو كان بيننا الآن؟! إننا نريد الطبيب القمة في تخصصه، والمهندس القمة في تخصصه، والمعلم القمة في تخصصه، والعالم التجريبي القمة في تخصصه؛ فلا أمل في مستقبل أمة تخلو من علماء بارزين في هذه المجالات، والذين يهدمون دنياهم لا يبنون لآخرتهم.
ومع ذلك -أخي معتز- فكل إنسان أدرى بنفسه، وهو أعلم الناس بميوله، وأقدر على اكتشاف مواهبه، والكيفيات التي تنمَّى بها هذه المواهب؛ فإن شهدت في نفسك أنك لن تعطي إلا في مجالات العلوم الشرعية فلا ضير عليك أن تتجه نحوها، وفي الجامعات والمعاهد المتخصصة ما يكفيك، مثل: كليات الأزهر الشرعية، ومعهد الدراسات الإسلامية، وكلية دار العلوم، ومعاهد إعداد الدعاة وغير ذلك.
هذا إن سمحت لك ظروفك واستطعت أن توفر ضرورياتك، فإن طريق العلم الشرعي والدراسات العليا عموما تحتاج إلى ثلاثة أمور أساسية: فضل وقت، وفضل جهد، وفضل مال. وطلب العلم الشرعي المتخصص الدقيق ليس فرضا عليك ما دام في الأمة من يكفيك هذا الأمر، وإن لم تسمح لك ظروف الحياة -وما أصعبها الآن- فيسعك أن تكوِّن بيتا مسلما مثاليًّا، هذه فريضة أساسية، وتربي من ستشاركك هموم الحياة تربية إسلامية أصيلة، لا سيما إن كانت على خلق طيب -كما جاء في رسالتك- وتتعهد أولادك وتربيهم على العلم الشرعي، وأمامك الكتب من حولك والدعاة في كل مكان، تقرَّب إليهم وصاحبهم، اسألهم وتبين منهم الطريق، واهتم بالعلم وتحصيله بحسب ما تسمح لك الحياة به، وفقك الله لكل خير ورزقنا دعاءك، وتابعنا بأخبارك.
ويضيف
الأستاذ مسعود صبري:
الأخ الفاضل معتز
أعزك الله تعالى بطاعته..
كم جميل أن يهتم شبابنا بدعوة الله تعالى، وأن يكون الشرع هو المرجع لهم دائما في حياتهم؛ فهذا من نعم الله تعالى التي يجب عليك أن تشكر الله عليها.
ولن أطيل كثيرا على ما قاله أخي الأستاذ وصفي، ويمكن لي أن أوجز ما أريد قوله فيما يلي:
1- أن كل مقصود للإنسان يريد تحقيقه يأتي عبر عملية التكوين الثقافي والفكري والتربوي؛ بمعنى أن اهتمامك بالشرع هو دليل على تكوين معين، يعلو فيه الاهتمام بالناحية الثقافية الشرعية، وأنه من الجميل أن ننظر إلى الأمر بشكل أوسع نظرا، وأن نعتبر كل أعمالنا تدور مع الشرع؛ لأن هذا من صميم الإسلام، ولو لم تُسمَّ شرعا بشكل خاص.
2- أن هناك فرقا بين الثقافة الشرعية وممارسة الدعوة؛ فالدعوة أشمل من الثقافة الشرعية، والثقافة الشرعية أخص من الممارسة الدعوية، وقد يجمع الإنسان بينهما، وقد يكون هناك طالب العلم أو عالم الشريعة، وهناك الداعية الذي يمارس الدعوة؛ فيجب عليك أن تحدد مقصودك، هل هو الإلمام بالعلوم الشرعية والتخصص فيها، أم الإلمام بالزاد الشرعي الذي يعينك على الدعوة إلى الله تعالى؟.
وفي هذا المقام يكون التكوين الدعوي له أسسه التي أهمها -حسب ظني-:
أ- حسن العلاقة مع الله تعالى، والاهتمام بالجانب العقدي والتعبدي، وأن يكون هناك زاد روحي للداعية يتزود به في طريقه للدعوة إلى الله.
ب- الثقافة الإسلامية الواسعة التي يعتبر الإلمام ببعض العلوم الشرعية بشكل عام جزءا منها، مع إدراك للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وحركة الحياة من خلال تاريخ الإنسانية، مع ثقافة عامة من العلوم الإنسانية والتجريبية.
ج‌- إدراك واقع الناس ومعاشهم، وخلطة المدعوين، والمعرفة الملمة بقضايا المجتمع، وقراءة واعية لطبيعة الناس.
د‌- الانتفاع بعلم النفس من معرفة مداخل الناس ووسائل التأثير والتأثر.
هـ- التدرب على المهارات الإدارية المفيدة في عملية الاتصال بالآخر؛ مثل: مهارة الحوار، والإقناع والتفاوض...
و- حسن القصد، وتذكير النفس بالإخلاص الدائم لله تعالى.
3- الأمر الثالث، وهو أنه لا مانع من الاهتمام بالثقافة الشرعية العامة، وإن كان هناك اهتمام بسلوك الخط الأكاديمي فليكن في تخصصك؛ يعني أن هناك الاقتصاد الإسلامي، ودراسة نظم المحاسبة وفق الرؤية الفقهية؛ وبذلك تكون تخصصت في مجالك، وفي الوقت ذاته استطعت أن تنمي مهاراتك بناء على الرؤية الشرعية.
4- يبقى بعد ذلك الانتفاع بتلك الدراسة الشرعية التجارية مع عملك الذي تقوم به، والتفكير في وسائل نافعة تخدم قضيتك الأساسية، وهي الدعوة إلى الله تعالى، وأن تكون دراستك تراكمية، بدلا من البدء من جديد في تخصص لم تلم به، وكلاهما خير.
5- يبقى شيء أخير؛ وهو أن الدعوة إلى الله تعالى هي ممارسة لأنشطة يومية يقوم بها المسلم العادي ملتزما هدى الإسلام، ولا يشترط أن يتخصص الإنسان بأن يكون داعية بالمفهوم الخاص؛ فنحن في حاجة إلى إشاعة الخير في الحياة من خلال الممارسة الصادقة التي لا تخالف شرع الله تعالى، وأن نفتح للناس آفاقا في الحياة، ولا نضيق عليهم واسعا باسم الدين؛ فلا نجعلهم يتحركون في حياتهم إلا إذا حصلوا على صك الشرعية؛ فنشر قيمة الإنجاز في العمل وإتقانه، والأمانة في التعاملات ومراقبة الله تعالى وغيرها من القيم الإيجابية التي يمكن الاتفاق عليها بين البشر الأسوياء، حتى لو لم تُسمَّ باسم التدين، أو تلبس زيه. وأحسب أن هذا من فقه المقاصد؛ فإيجاد القيمة أهم من تسميتها، ثم بعد ذلك نخبر الناس أنهم طبقوا الإسلام دون حاجة أن ندعوهم بشكل خاص، وخلال هذا نربطهم دائما بالله تعالى؛ فنكون بذلك وسعنا مفهوم الدعوة إلى الله.
أرجو أن تكون قد وجدت شيئا نافعا فيما قلت لك، وأسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان.
ولا تنسنا من صالح دعائك.
استشارات ذوات صلة:
-
"أهمية العلم الشرعي"، ولا تنس أصول الدعوة
-كيف أبدأ الدعوة، وأطلب العلم؟
-التوفيق بين العلم والدعوة.. والفتوى لأهل المريخ!
-بين العلم الشرعي والدنيوي.. ما زال حائرا

ليست هناك تعليقات: