إلى شيوخ الفتنة والإرجاف.. الصمت أو اللعنة!!
[03/01/2009][13:19 مكة المكرمة]
وصفي عاشور أبو زيد
في الوقت الذي تنتفض فيه شعوب الأرض- مسلمين وغير مسلمين- منددةً بالمجازر الصهيونية في غزة، وتدين العالم الرسمي شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا، وفي الوقت الذي يمارس فيه الكيان الصهيوني أبشع أنواع الإبادة والتخريب والتدمير، وفي الوقت الذي يحتاج فيه أهل غزة التأييد والنصرة التي أكَّدها القرآن، وشدد عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت الذي يستشهد فيه عالم السنة وعلوم الحديث المجاهد الدكتور نزار ريان، وقد أقام الحجة على علماء الأمة ودعاتها- أقول في هذه الأوقات العصيبة واللحظات الفاصلة في تاريخ الأمة يخرج علينا بعض مَن أسموا أنفسهم "دعاة" يلقون باللوم على حماس، وأن الصواريخ التي تضربها "لا تخرم حيطة"، وأنه لا شرعيةَ للتعبير عن الرفض والتنديد بما يجري من مجازر عبر التظاهر السلمي، بل زاد- فض الله فاه- "أنه يجب علينا أن نلزم بيوتنا وسوف يحقق الله النصر!!".
هذا ما يقوله- للأسف الشديد ويا للعار- أحد "الرعاة"- بالراء لا بالدال- مُخَذِّلا ومرجفًا ومحدثًا فتنةً وبلبلةً في وقت لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تعلو فيه كلمة فوق كلمة الجهاد بمعناه الواسع، ووالله لو كنتُ حاكمًا أو قاضيًا لأمرتُ- على الفور- بالحجر عليه وتعزيره تعزيرًا شديدًا بأقصى ما يسمح به التعزير في الفقه الإسلامي؛ لأن هذا يفتن أمة، ويبيع قضية، ويربك صف المسلمين، ويخون الله ورسوله والمؤمنين.
ما هذا الفقه الأعرج، والفكر الأحول؟ ومن أين أتى أصلاً هذا الفقه "المستنير" الذي لم نسمع به إلا من عبد الله بن أبي بن سلول يوم أحد؟!.. أي دعوة تلك التي يمارسها هؤلاء القوم، ومن الذي أطلق عليهم "دعاة"؟ إنهم ليسوا دعاة إلى الله، وإنما دعاة إلى الاستنعاج والاستنواق، ودعاة إلى الفتنة والخذلان والإرجاف في صفوف الأمة.
وأود أن أسأل هؤلاء الرعاة: "هل لو دخل أحد دارك واغتصب زوجتك وقتل أبناءك ستدخل في غرفة من غرف البيت وتغلق عليك بابها، منتظرًا نصر الله تعالى؟ وماذا لو هتك عرضك أنت؟، هل ستستسلم له ليهتك عرضك وينزع شرفك؟ هل ستلقي باللائمة على زوجتك أو أحد بناتك وأبنائك الضحايا إن وقفوا له بعصا أو هراوة وهو يملك الأسلحة المتطورة؟ فما بالك إن كان المغتصب شعبًا بأكمله، ومقدسات للمسلمين، وقضية أمة، وإبادة شعب؟!!
وما معنى ما جاء عَنْ سَالِمٍ عَنْ عبد الله بن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ ..." الحديث. (متفق عليه، واللفظ لمسلم).
قال ابن حجر: "قوله لا يظلمه: هو خبر بمعنى الأمر، فإن ظلم المسلم للمسلم حرام. وقوله ولا يسلمه: أي لا يتركه مع مَن يؤذيه، ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم". (فتح الباري: 5/97).
إن هذه النوعيات من "الرعاة" لا تخرج عن أن تكون أحد رجلين: إما أن يكون جاهلاً أحمق، أو عميلاً مأجورًا، ولا ثالث لهما عندي!!.
لقد تحدَّث القرآن الكريم عن غزوة أحد فما عنَّف أحدًا من المسلمين، ولا لامهم أو أغلظ النكير عليهم مع أن بعضهم قد خالف نصًّا للنبي صلى الله عليه وسلم صحيح الثبوت صريح الدلالة: "احْمُوا ظُهُورَنَا فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا غَنِمْنَا فَلا تَشْرَكُونَا". (مغازي الواقدي: 1/229).
إن هذا التعويق لا يجوز شرعًا ولا قانونًًا ولا شهامةً ولا رجولةً ولا إنسانيًّا أن يكون من مسلم فضلاً عن رجل يدعي أنه داعية، وقد قال الله تعالى:﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)﴾ (الأحزاب).
ولا يتجاوز هذا أن يكون تخذيلاً وإرجافًا لصف الأمة، وقد قال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62)﴾ (الأحزاب).
فليس بعد نفي الإيمان وإحباط العمل، ولحوق اللعنة، ووجوب الأخذ والتقتيل عقاب، فليتق الله هؤلاء الرعاة، ولتتق الله قنوات الإرجاف الفضائية التي تخرج علينا بهذا الإجرام وتلك الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين؛ حتى لا يقع القائمون عليها تحت طائلة نفي الإيمان وإحباط العمل، والطرد من رحمة الله.
-------------
* باحث في العلوم الشرعية- Wasfy75@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق