الثلاثاء، 22 يونيو 2010

بل توحش وزيادة!



بل توحش وزيادة![10/10/2009][13:46 مكة المكرمة]



بقلم: د। خالد فهمي






- المحاورة خصيصة كاشفة عن إنسانية الإنسان!

بهذه الجملة أفتتح تعقيبي على مداخلة أخي وصديقي العزيز العالم الشرعي الدكتور/ وصفي عاشور أبي زيد على مقالتي (توحش العلمانية) المنشور بزاوية آراء حرة بموقع (إخوان أون لاين) يوم 4/10/2009م.



وقد جاء مقاله بعنوان: (تأجيل الحج وعلاقته بالدين) ونشر بالموقع والزاوية نفسها مساء يوم 8/10/2009م.



وتعقيبي على ما كتبه وصفي عاشور ينطلق ابتداءً من مودة عميقة وتقدير بالغ لاسمه وصفته.



ويبدو أنني مضطر إلى أن أذِّكر بوجوه جاءت باهتة في مقالي الأول، وليسمح لي القارئ الكريم أن أسوقها في صورة ملاحظات كما فعلت أولاً وابتداءً.



أولاً: حمل مقالي عنوانًا جانبيًّا لم يظهر في المنشور على الموقع وهو (ملاحظات على إدارة الأزمة في مصر وعلاقاتها بالشريعة)، وهو ما كان كفيلاً في ظني أن يخفف من مراجعات الدكتور وصفي لي، فيما ضخمه من أمر قراءة علاقة تأجيل الحج بالدين، وانتصاره بأن التأجيل لمدة عام ولو للفئات العمرية جميعًا، ليس تعطيلاً للدين؛ إذ الدين لا ينحصر عنده وعندي في نسك واحد ولو كان بمنزلة الحج، والذي هو ركن من الأركان باتفاق.



وأحسب أن ملاحظة لفظ (ملاحظات) الغائب عن العنوان المنشور؛ كان كفيلاً بصد كثير مما جاء في تعقيب الكريم وصفي عاشور.



ثانيًا: لا أحسب أن وصفي عاشور يدعو إلى إحسان الظن بأيٍّ من الأنظمة العربية، ولا سيما في مصر وجزيرة العرب؛ ذلك أنه لا مانع والتطبيع يجري على أكثر من قدم وأكثر من ساق، بعد تطوير عبارته من إخفاء هذا الوجه الدميم المنفِّر لهذه الأنظمة الضالعة في هذه الورطة، ومحاولة ستر عورة النظام هنا أو هناك، خلف ما يمكن أن يسمى بإهانة المقدسات، أمرٌ قد يكون واردًا في هذا السياق؛ ليتم من خلاله- إن تعطل الحج بسبب من إلحاح الآلة الإعلامية الغربية المدعوة بما يسمى اللوبي الصهيوني المتصرف في أبواقه الكبرى- الضغطُ على النظام الحاكم في الأراضي المقدسة، وهو أمر معروف في إدارة المواقف بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية المركزية على الأقل، مع ما في ذلك من شطط وإفراط في القراءة والتأويل والاستنباط على ما سبق أن قررت ابتداءً.



ثالثًا: بدا من تعليق الدكتور وصفي عاشور أن مقالتي الأولى لم تُحط بأبعاد ما يسمى في الفقه الإسلامي بفقه النوازل، أو فقه الحادثات الجديدة، وأنا أحب أن أقرر في هذا السياق عن طريق فتح باب الأسئلة المشروعة: أليس فقه النوازل يستدعي قراءةً وتقديرًا واضحين تمامًا لأبعاد المواقف الإقليمية (داخل الوطن العربي) والمواقف الغربية المناهضة تاريخيًّا للإسلام، والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا؟



ثم ومن جانب آخر؛ أليس أخي الدكتور وصفي عاشور معي في أن تغييب قراءة أثر الإرادة الغربية في نسختها الأمريكية والصهيونية أمرٌ مضرٌّ جدًّا بفقه هذه النازلة، وبفقه غيرها من نوازل هذه المرحلة التاريخية الراهنة من عمر الأمة المسلمة؟



وهل تراه ينفي أن ثمة احتمالاً ولو ضئيلاً يمكن أن يدعم أن لهذا الغرب مرادًا في الإضرار بالإسلام دينًا وسياجًا جامعًا لأبنائه في ظل حرب قائمة فعلاً؟



أقول هذا وفي ذهني وذهن القراء الكرام أصداء ما بثَّه برنامج "بلا حدود" يوم 7/10/2009م على ضيفه الغربي من أن لديه أدلة كثيرة تدعم ضلوع مؤسسات إعلامية يهودية صنعت هذه الأزمة، ثم أسهمت اقتصاديًّا في تصنيع المصل وتصديره للبلدان العربية!



- علامات الربط بين العلمانية وتأجيل الحج!

وأنا مندهش مما ورد على لسان أخي الدكتور وصفي من أنه يستبعد الربط بين العلمانية وتأجيل شعيرة الحج، بلا مسوغ، واكتفى بقوله عما قلتُه من أنني نقلت القضية إلى غير ميادينها.



وليسمح لي وصفي عاشور أن أدلِّل بما لم يأت في مقالي الأول، ظنًّا مني أنه مشهور ذائع شائع لا حاجة إلى تدوينه.



لقد دأب العلمانيون في مصر على التماس الفرص انتصارًا لوجه العلمانية، ودعمًا لمحاولة إظهار مصر بلدًا علمانيًا، وهو ما كان سببًا في أحيان كثيرة في أزمات انخذلوا فيها، من مثل أزمة وليمة أعشاب البحر، وأزمة الحجاب التي أثارها وزير الثقافة فاروق حسني، وغيرهما مما مرّ من أزمات، ولكن هناك علامات دالة ظاهرة تكشف عما سميته أنت ربطًا بين العلمانية وتأجيل الحج نفيًا من جانبك، وإثباتًا وتوكيدًا من جانبي، وهي كما يلي:

1- ألست معي في أن صدور قرار تأجيل الحج أو إلغائه العام الحالي في تونس أكبر دليل على هذا الربط بين العلمانية والقضية الذي نفيته، والذي أثبته وأدعمه وأؤكده؟! ذلك أن تونس تتعامل بمنطق الريادة العلمانية حتى غدت في المشهد النهائي في صورة مقاطعة فرنسية لا دولة عربية مسلمة! لقد تم الإلغاء من دون تيقن في آثار الوباء، ومن رجحان كذلك!



2- ألست معي في أن صدور تصريحات سابقة على لسان رئيس وزراء حكومة مصر الدكتور أحمد نظيف، والتي أعلن فيها أن مصر دولة علمانية، وهو ما جاء في وسائل الإعلام المختلفة يوم 23 مايو 2006م، (انظر: (العربية نت) يوم 23/5/2006م)- أقول: ألست معي في أن ما صدر عن هذا الرجل يجعل أمر الربط بين العلمانية وتأجيل الحج وجهًا مقبولاً مستساغًا في النظر العقلي.



أقول هذا ولا سيما أن بطل هذا التصريح غير المسبوق في تاريخ مصر المعاصرة هو نفسه بطل التصريح الذي أعلنته وسائل الإعلام يوم 7/10/2009م، وجاء فيه (نظيف يرفع للقيادة السياسية تقريرًا لإصدار قرار رئاسي بإلغاء الحج) كما نشرت جريدة (المصريون الإلكترونية) يوم 7/10/2009م.



3- ألست معي يا سيدي في أن الاحتجاج بمرات سلفت، تم فيها إلغاء الحج كان بسبب يقيني قاضٍ بضرورة الإلغاء من جانب، وتمَّ في ظل سيادة الخلافة الإسلامية التي هي كما تعلم منصب شرعي في الأساس مجعول لحراسة الدين، في أصله وتشريعاته ومناسكه، ومجعول كذلك لرعاية دنيا الناس، وحياطتهم، وهو ما لا يستطيع أحد أن يزعم توافره الآن بحال ما.



- أحسنت.. فلماذا تكلمت؟

وأحسب أن الحق يقتضي أن أقرر أن الدكتور وصفي عاشور كان واعيًا في تعقيبه فلم يحمل كلامي على غير محمله إلا في النادر جدًّا من جانب، وكان واعيًا لاحترازاتي وتقييداتي من جانب آخر.



وفي هذا السياق أحب أن أقول إن ما نقله عن الأصولي الآمدي ليثبت فارق ما بين النسك وأصل الدين مستقر لدي، وإن إقراره بأن مسألة تقديم رعاية مقصد حفظ الدين على مقصد حفظ النفس فيها اختلاف، سبق مني إقراره، فلماذا يعقب فيه عليَّ اللهم إلا أن يقصد إلى بيان أن هذا الترتيب مراد عند تعرض أصل الدين لما تخشى عواقبه أو قُل بوائقه ومخاطره، وأنا لا أشاحنه فيه، ولكني أقرر أليس ثمَّ خشية في ظل هذا الربط بين العلمانية والأنظمة العربية الحاكمة له ظل علامات كثيرة طالت الصيام والصلاة في تونس مثلاً، وطالت الحج في تونس، ثم مصر جزئيًا؛ أقول: أليس ثمَّ خشية أن تطال هذه الأزمة شعائر أخرى فنسمع دعوة إلى إغلاق المساجد بما هي أماكن للتجمعات؟! يخشى منها أن تكون مناخًا جيدًا لانتشار الوباء المصطنع!



إن الاختلاف على مسألة ما مما يدعو إلى عدم إنكار أحدنا على الآخر، أو ليس مما تعلمناه يا سيدي ألا ينكر بعضنا على بعض في المختلف فيه؟ فكيف إذا كانت جمهرة الأصوليين إلى الآن على الأقل ترعى الانتصار لتقديم مقصد حفظ الدين ورعايته على مقصد حفظ النفس، وليس إلى الآن توجد آلية تستطيع أن تقرر أن الدعوة إلى تعطيل الحج ليس مقدمة إلى تعطيل كل الشعائر أو قل للمقاصد غير التعبدية.



- مخاوف أخرى!

ثم إن هناك مخاوف أخرى تعرض في باب المسئولية العلمية في المقام الأول، وترعى رعاية حق بعض المسلمين ذوي الظروف الخاصة في ظل قرار المنع الجزئي الواقع، والمنع الكلي المحتمل.



هذه المخاوف تتعلق بالتساؤل حول أحقية بعض المسلمين الكبار في السن في أن يؤدوا فريضة الحج ولو في ظروف تقود إلى الذهاب إلى الحج، ولو كان ذلك الجود بالنفس الذي يسميه الناس هلاكًا لها، وهي مسألة تتعلق بالنجاة الفردية خلوصًا إلى لقاء الله تعالى، بمعنى من ذا يستطيع أن يمنع رجلاً أراد أن يحج لله تعالى في فرصة هي عنده الفرصة الأخيرة.



ثم إن قراءة متأنية لقوله صلى الله عليه وسلم: "حجُّوا قبل ألا تحجوا" قد ترعى أمر الركون إلى عدم الإلغاء أو التأجيل، ولا سيما بعد اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية في حق الأفراد.



وهو ما يجرنا إلى قضية أبعاد الحج أهو على الفور أم على التراخي في ظل مستجدات الأحداث المعاصرة، ولا بد من أن نفرِّق بين فور الأفراد وتراخيهم، وفور الجماعات (البلدان) وتراخيها.



سيدي وصفي أنا مدان لك بتقديري وامتناني، وعاتب عليك أيضًا فيما قلت إنه لمز لعلماء السلطة، وأنا قادر على لمزهم إن كنت أريد، ولكن فيما سقته من أسئلة موجهة إليهم كنت أريد أن أنبه إلى شيء مهم أؤكد به الربط بين العلمانية المتوحشة وبين تأجيل الحج، وهو أن تقدير مقام مناصب المؤسسة الدينية الرسمية في مصر اختلف بين عصرين على الأقل؛ عصر ما قبل الثورة 1952م، وحقبة ما بعد يوليو 1952م الممتدة إلى اليوم.



إن هناك تراجعًا ظاهرًا أصاب هذه المؤسسة في باب تعامل النظام معها فيما يستدعي استشارتها فيه وهو ما لا أحسبك تشغب عليَّ فيه، وهو ما قادني إلى الإقرار بأن في تأجيل الحج وجهًا ظاهرًا دالاًّ على توحش العلمانية، وعلى أن في هذه الأجواء والممارسات المصاحبة لتضخيم أمر هذا الوباء استثمارًا له، ونيلاً من مناسك الإسلام، وتعطيلاً لمقاصده ومنافعه- ما يدل على أكثر مما سميته توحش العلمانية.



سيدي الدكتور وصفي إن في استثمار بعض حادثات الواقع المعاصر من قِبَل التيارات المناوئة للفكرة الإسلامية توحشًا علمانيًا وزيادة!

------------

* كلية الآداب- جامعة المنوفية

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=54887&SecID=0

ليست هناك تعليقات: