الثلاثاء، 22 يونيو 2010

التبصر بالواقع ودوره في فهم النصوص


التبصر بالواقع ودوره في فهم النصوص


[22/06/2010][10:49 مكة المكرمة]



بقلم: وصفي عاشور أبو زيد

لإدراك فقه الواقع أهمية لا تقل خطورة عن فقه المآلات أو المقاصد أو الأولويات؛ إذ إن كل الرسالات السابقة على الإسلام جاءت تعالج واقعًا معينًا، ولم تكن بمعزل عن واقعها الذي يتميز بالتغير والتحول والتجدد والتنوع والاختلاف، وكذلك جاءت رسالة الإسلام لتصلح الناس وتسعد حياتهم في ظلاله.

وقد عرَّف الدكتور ناصر العمر فقه الواقع بقوله: "علم يبحث في فقه الأحوال المعاصرة من العوامل المؤثرة في المجتمعات والقوى المهيمنة على الدول، والأفكار الموجهة لزعزعة العقيدة، والسبل المشروعة لحماية الأمة ورقيها في الحاضر والمستقبل"(1).

وهذا الفقه له أهمية عند الحاكم والمفتي، يقول ابن القيم عن ذلك وأهميته: "ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:

أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر.

فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يُعدم أجرين أو أجرًا، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله..... ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا، ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله"(2).

ثم إن المتأمل في أحكام الإسلام وآيات القرآن يجد منها ما أنزل في مكة، ومنها ما أنزل في المدينة، وهذا دليل على مراعاة الواقع الذي يحياه الناس.

ولقد راعى الشارع الحكيم أحوال الناس؛ فلم يفرض عليهم المواجهة المسلحة من أول الأمر، ولم يحرم عليهم الخمر مرة واحدة، ولم يفرض عليهم الصيام مرة واحدة، ولكن كان هذا كله- وغيره- عبر مراحل وتدرج حتى يتقبل الناس شرع الله تعالى؛ لأنه هو الذي خلق، وهو يعلم من خلق؛ متى يستجيبون ومتى لا يستجيبون: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾ (الملك).

إن فقهاءنا السابقين جاءوا في عصر فكانت لهم اجتهاداتهم الخاصة بعصورهم، ومن المشهور أن أصحاب أبي حنيفة- رضي الله عنهم- أفتوا بغير ما أفتى به شيخهم في كثير من المسائل، وقالوا في هذا: "هذا اختلاف عصر وزمان، وليس اختلاف حجة وبرهان"، مع أن ما بين أبي حنيفة وتلاميذه لم يكن طويلاً بل كان عقدًا أو عقدين، وقالوا: لو عاش أبو حنيفة ورأى ما رأينا لقال بما نقول به.

ولما نزل الشافعي إلى مصر وترك العراق غير بعض معالم مذهبه، وأفتى بفتاوى مغايرة لما كان عليه مذهبه، واشتهر بأن له مذهبين: مذهبًا قديمًا، ومذهبًا جديدًا؛ وما هذا إلا مراعاة لتغير المكان والزمان واعتبارًا للأشخاص والحال.
ومن المعروف أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والشخص والمآل، وهذا كله اعتبار لفقه الواقع، قال ابن القيم في كلمة صارت علمًا يُهتدَى به: "فصلٌ في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد: هذا فصل عظيم النفع جدًّا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله- صلى الله عليه وسلم- أتم دلالة وأصدقها"(3).

هذا كله يدلك على مدى اهتمام الشرع بالواقع، ومدى تفاعل فقهائنا السابقين مع واقعهم، وأنهم استفرغوا جهدهم لاستهداء الشرع لهذا الواقع ومشكلاته، وعلينا أن نجتهد كما اجتهدوا؛ لنستنزل لواقعنا ومشكلاته من هدايات الشرع ما يجعلنا على طريق مستقيم وصراط قويم.


ثمرات الاهتمام بفقه الواقع:
ولعل من آثار الاهتمام بفقه الواقع اليوم أن يقينًا من الجفاء عن الشرع أو الغلو فيه، ويجعل العلماء مدركين تمامًا لطبيعة العصر الذي نعيشه؛ فلا يجلبون آراء واجتهادات ناسبت عصورًا معينةً، ثم يعتسفونها لواقعنا وهي لا تناسبه، وهذا ما يؤكد حاجة الأمة إلى علماء مجتهدين؛ ليجتهدوا لعصرهم، كما اجتهد من قبلهم لعصورهم.

ومن ثمرات الاهتمام بفقه الواقع أن يدرك الشباب المسلم الملتزم والمتحمس لدينه أن الواقع قد تغير عما كان عليه قبل عقد وقبل عقدين فضلاً عن زمن الخلافة الراشدة، وأصبحنا الآن نعيش في زمن الدولة الحديثة التي أفرزت حدودًا لها أحكامها، ومزقت الأمة إلى دويلات، كل دولة لها شئونها، ولها سياساتها، ولها مشروعاتها المنعزلة عن غيرها، وهذا كله يفرض علينا تساؤلات وقضايا سياسية وشرعية، تحتاج إلى اجتهاد جديد.

ومن أبرز ما يتصل بهذا هو قضية الجهاد، وفي كل أزمة تقع- أفغانستان، العراق، فلسطين- نرى ونسمع مثلاً عن الشباب المتحمس أنه يريد أن يتسلل ليصل إلى هذه البلاد المعتدى عليها، وينضم هناك للمقاومة ليظفر بالشهادة، ويشرف بمقاومة العدو دون نظر لما يمكن أن يؤدي إليه هذا المسلك من مفاسد خاصة وعامة.

فإدراك فقه الواقع، وتغير العصر، وتطور الأوضاع يجعل المسلم أكثر وعيًا، ويجعل شباب الأمة أعمق فهمًا، وأكثر ترشيدًا؛ فيتصرفون التصرفات المناسبة التي تجمع- قدر الإمكان- بين قضاء الواجبات، وعدم إهمال تغيرات الواقع وتطورات الزمان.

-----------

*باحث شرعي بالمركز العالمي للوسطية- الكويت

1- فقه الواقع: (10)

2- إعلام الموقعين: (1/87- 88)

3- إعلام الموقعين: (3/3)

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=66871&SecID=0

فقه المآلات وفقه الأولويات

فقه المآلات وفقه الأولويات
[02/06/2010][22:05 مكة المكرمة]



بقلم: وصفي عاشور أبو زيد

فقه الأولويات وفقه الموازنات وفقه الواقع وفقه المقاصد وفقه السنن(1)، هذه الأنواع من الفقه لها أهمية خاصة في ترشيد الشباب المسلم وتوجيهه نحو الاعتدال، والتوازن بما يحقق محكمات الشرع، ولا يهمل متطلبات العصر، ولا يعني إطلاق هذه الأنواع من الفقه والدعوة إلى الاهتمام بها والتركيز عليها أمرًا قد يُبعدنا عن الأصول أو الكليات، بل إننا بغير مراعاة هذا الفقه نبعد كثيرًا عن روح الشرع، وننعزل بعيدًا عن الحياة والأحياء، وما جاء الدين لنعيش به في الماضي، إنما جاء لنستهديه لمشكلات عصرنا كما استهداه من قبلنا لمشكلات عصرهم، وسوف نقتصر هنا على نوعين فقط؛ لما لهما من صلة مباشرة بموضوعنا، وللاهتمام بهما من نجاعة وقوة في الوقاية والعلاج، وهما فقه المآلات وفقه الأولويات، وقد تحدَّثنا من قَبْل عن فقه المقاصد، ونتحدث لاحقًا عن فقه الواقع.

أولاً: فقه المآلات
اعتبار المآلات التي تئول إليها الأفعال والأقوال والتصرفات أمرًا مطلوبًا شرعًا، بل لعله من المقاصد المهمة التي ينبغي مراعاتها؛ لأن إطلاق الأحكام الشرعية والحديث في الشرع دون مراعاة لمآلاته إنما هو نوعٌ من العبث، وأقصر الطرق إلى الضلال المبين.

وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (الأنعام: من الآية 108)، فنهى الله تعالى عن هذا السب مراعاة للمآل الذي سيئول إليه، وهو سبُّ الله تعالى وجل.
وعن عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي (يعني: عائشة) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة! لولا أن قومك حديثو عهد بِشِرْكٍ، لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشًا اقتصرتها؛ حيث بنت الكعبة"(2)، فراعى النبي صلى الله عليه وسلم ما يئول إليه هدم الكعبة، وسبب ذلك أن القوم حديثو عهد بالإسلام.

وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يقول: كنا في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار!، وقال المهاجري: يا للمهاجرين!، فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما هذا". فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار!، وقال المهاجري: يا للمهاجرين!، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة". قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر، ثم كثر المهاجرون بعد، فقال عبد الله بن أبي: أوقد فعلوا؟!! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعه، لا.. حتى يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"(3).

وهنا خشي النبي صلى الله عليه وسلم من مآلات قتل المنافقين، وهي الحملة الإعلامية المسعورة التي ستُحدث بلبلةً وتُعطي صورةً مشوهةً عن الإسلام ونبي الإسلام، فتحسَّبَ لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يُقدم على هذا التصرف مراعاةً لمآلاته.

وعن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل، قال: "يا معاذ!"، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: "يا معاذ!"، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: "يا معاذ!"، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؛ إلا حرمه الله على النار"، قال: يا رسول الله! أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: "إذًا يتكلوا"(4).

فقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم من مآل البشارة؛ أن يترتب عليها اتكال الناس وقعودهم عن العمل، وعدم اجتهادهم في العبادة.

ولقد تنبَّه الإمام الشاطبي لخطورة المآلات، وأهمية اعتبارها، فقال في كلام مفصَّل منضبط: "النظر في مآلات الأفعال مُعْتَبَرٌ مَقْصُودٌ شَرْعًا، سواءٌ كانت الأفعال موافقةً أو مخالِفَةً، وذلك أنّ المجتهد لا يحكم على فعلٍ من الأفعال الصادرةِ عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلاّ بعد نَظَرِهِ إلى ما يئول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعًا لمصلحةٍ فيه تُسْتَجْلَبُ، أو لمفسدةٍ تُدْرَأُ..، ولكنّ له مآلاً على خلاف ما قُصِدَ فيه، وقد يكون غيرَ مشروعٍ لمفسدةٍ تنشأ عنه، أو مصلحة تندفع به، ولكنَّ له مآلاً على خلاف ذلك، فإذا أُطْلِقَ القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أُطْلِق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدةٍ تساوي أو تزيد، فلا يصحُّ إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجالٌ للمجتهد صَعْبُ الْمَوْرِد، إلا أنه عَذْبُ المذاق، مَحْمُودُ الغِبِّ، جارٍ على مقاصد الشريعة"(5).

ولقد قرَّر الإمام ابن القيم ما قاله الإمام الشاطبي عند حديثه عن حكم الوسائل المؤدية للمقاصد، فقال: "القول المفضي إلى المفسدة قسمان:

أحدهما: أن يكون وضعه للإفضاء إليها، كشرب المسكر المفضي إلى مفسدة السكر، وكالقذف المفضي إلى مفسدة الفرية، والزنا المفضي إلى اختلاط المياه، وفساد الفراش ونحو ذلك، فهذه أفعال وأقوال وضعت مفضية لهذه المفاسد، وليس لها ظاهر غيرها.
والثاني: أن تكون موضوعةً للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب، فيُتخذ وسيلة إلى المحرم، إما بقصد أو بغير قصد منه.

فالأول: كمن يعقد النكاح قاصدًا به التحليل، أو يعقد البيع قاصدًا به الربا، أو يخالع قاصدًا به الحنث، ونحو ذلك. والثاني: كمن يصلي تطوعًا بغير سبب في أوقات النهي، أو يسبُّ أرباب المشركين بين أظهرهم، أو يصلي بين يدي القبر لله ونحو ذلك.

ثم هذا القسم من الذرائع نوعان:
أحدهما: أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته، والثاني: أن تكون مفسدته راجحة على مصلحته.

فهاهنا أربعة أقسام:
الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة، الثاني: وسيلة موضوعة للمباح قُصد بها التوسل إلى المفسدة، الثالث: وسيلة موضوعة للمباح، لم يُقصد بها التوسل إلى المفسدة، لكنها مفضية إليها غالبًا، ومفسدتها أرجح من مصلحتها، الرابع: وسيلة موضوعة للمباح، وقد تفضي إلى المفسدة، ومصلحتها أرجح من مفسدتها.
فمثال القسم الأول والثاني قد تقدم.

ومثال الثالث: الصلاة في أوقات النهي، ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم، وتزين المتوفى عنها زوجها في زمن عدتها، وأمثال ذلك.

ومثال الرابع: النظر إلى المخطوبة والمستامة، والمشهود عليها، ومن يطؤها ويعاملها، وفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وكلمة الحق عند ذي سلطان جائر ونحو ذلك، فالشريعة جاءت بإباحة هذا القسم أو استحبابه أو إيجابه، بحسب درجات في المصلحة، وجاءت بالمنع من القسم الأول كراهة أو تحريمًا، بحسب درجاته في المفسدة."(6).

ومن الواضح من كلام الفقهاء هنا، ومن النصوص الشرعية قبل ذلك أن فقه المآلات واضح وبيِّن ومؤصل ومهتم به، ومع هذا ظل هذا الفقه الخطير غائبًا، مثلاً عمن يزاولون أعمال العنف الذين يخربون بها المجتمعات، ويسفكون بها الدماء، ويهدِّدون بها أمن الأوطان والنسيج الاجتماعي فيها.


آثار اعتبار المآلات:
ومن شأن الاهتمام بهذا الفقه أن يجعل عندنا نظرة مستقبلية تمنعنا من الإقدام على فعل أو تصرف تفوق مضرَّتُه مصلحته، ويحملنا على أداء فعل أو تصرف ترجح مصلحته على مفسدته.

كما أن من شأنه أن يضبط حركة المجتمع، واجتهاد الفقهاء، واختيار الآراء، وترجيح الأقوال، وترشيد التخطيط الإستراتيجي، والتفكير المستقبلي بما يمثل وقاية من الجنوح إفراطًا أو تفريطًا.

ثانيًّا: فقه الأولويات
لفقه الأولويات أهمية كبيرة أيضًا مثل باقي أنواع الفقه (مقاصد، أولويات، واقع، سنن، موازنات..إلخ)، فهو يبين فقه مراتب الأعمال، وأيها يجب أن يُقَدم، وأيها يجب أن يُؤَخر، ويبين فقه النسب بين الأحكام، أيها واجبٌ وأيها مستحبٌّ، وأيها محرمٌ، أيها يستحق الاهتمام، وأيها لا يستحق، أيها حان وقته، وأيها يمكن تأخير الحديث عنه ليس تقليلاً من شأنه وإنما مراعاة لواجب الوقت، وهكذا.

وما أحوج أمتنا اليوم إلى هذا النوع من الفقه، بعد أن أصبحت تكبِّر الصغير، وتصغر الكبير، وتهوِّن العظيم، وتعظِّم الحقير، وتقدم ما من حقه التأخير، وتؤخر ما من حقه التقديم؛ فاختل فيها فقه مراتب الأعمال والنسب بينها اختلالاً كبيرًا.

فترى الاهتمام بالمظهر أكثر من المخبر، وبالأسماء أكثر من المسميات، وبالعناوين أكثر من المضامين، وبالتوافه أكثر من العظائم؛ فإذا مات الفنان أو الراقصة أو لاعب الكرة تقوم الدنيا ولا تقعد، فتُعقد الندوات، وتُكتب المقالات، وتتكلم الشاشات والإذاعات والصحف والمجلات، أما إذا مات العالم والداعية والمربي فلا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا!

ولقد قرَّر القرآن الكريم أن الأعمال ليست سواء، قال سبحانه: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ﴾ (التوبة: من الآية 19).

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان شعبًا، منها أعلى ومنها أدنى، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"(7).

وإن الناظر في أحكام الإسلام وفي كل مجالاته وأبوابه الفقهية والخلقية والعقيدية، يجد فيها الأهم والمهم، والواجب والفرض، والمندوب والمستحب، والمكروه والمحرم وهكذا.

فهناك أولويات في العقيدة، وهناك أولويات في العبادات، وهناك أولويات في المعاملات، وهناك أولويات في الدعوة والإصلاح، وهناك أولويات في العلم وتحصيله، وهناك أولويات في العمل ومراتبه، وهناك أولويات في الفتوى، وفي كل مجال من مجالات الإسلام والحياة نجد أولويات.

وقد فصل في هذا كله شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الرائد عن الأولويات، والدكتور محمد الوكيلي عن فقه الأولويات أيضًا، الذي تعمَّق في هذا الفقه، وقد أصبح للأولويات اهتمام خاص عند دعاة العصر وعلمائه.


آثار اعتبار الأولويات:
ولا يخفى ما للاهتمام به من آثار طيبة على العقيدة والعبادة والدعوة والإصلاح، بل إن له أثرًا لا يُنكر على ترشيد العمل الإسلامي، وتعزيز الاعتدال والتوازن عند شباب الصحوة، وحسبنا ما قرره شيخنا القرضاوي في مقدمة كتابه عن هدفه من هذه الدراسة حين قال: "وتحاول هذه الدراسة أن تلقي الضوء على مجموعة من الأولويات التي جاء بها الشرع وقامت عليها الأدلة، عسى أن تقوم بدورها في تقويم الفكر، وتسديد المنهج، وتأصيل هذا النوع من الفقه، وحتى يهتدي بها العاملون في الساحة الإسلامية والمنظِّرون لهم، فيحرصوا على تمييز ما قدَّمه الشرع وما أخَّره، وما شدَّد فيه وما يسَّره، وما عظَّمه الدين وما هوَّن من أمره، لعل في هذا ما يحد من غلو الغالين، وما يقابله من تفريط المفرِّطين، وما يُقرِّب وجهات النظر بين العاملين المخلصين"(8).

فمتى أدرك الشاب أولويات دينه وأولويات واقعه فلن يُقْدِم على أعمال ليست من واجب الوقت؛ فضلاً عما من شأنه أن يزعزع أمن المجتمعات مثلاً، ويهدد سلامتها، ويسفك دماءها.
-------------
*الباحث الشرعي بالمركز العالمي للوسطية- الكويت.

الحواشي:

(1) هذه الأنواع من الفقه ينبه إليها ويؤكد عليها دائمًا شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، وينيط بها نهضة الأمة العلمية والعملية.
(2) صحيح مسلم: كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها.
(3) صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب: قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}.
(4) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا.
(5) الموافقات: 5/440. تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان. دار ابن عفان. الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م.
(6) إعلام الموقعين: 3/163. تحقيق طه عبد الرءوف سعد. دار الجيل. بيروت. 1973م.
(7) صحيح مسلم: كتاب الإيمان. باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، وفضيلة الحياء، وكونه من الإيمان.
(8) مقدمة كتاب فقه الأولويات. د. يوسف القرضاوي. طبع مكتبة وهبة.
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=65970&SecID=0

إلى شيوخ الفتنة والإرجاف.. الصمت أو اللعنة


إلى شيوخ الفتنة والإرجاف.. الصمت أو اللعنة!!
[03/01/2009][13:19 مكة المكرمة]






وصفي عاشور أبو زيد



في الوقت الذي تنتفض فيه شعوب الأرض- مسلمين وغير مسلمين- منددةً بالمجازر الصهيونية في غزة، وتدين العالم الرسمي شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا، وفي الوقت الذي يمارس فيه الكيان الصهيوني أبشع أنواع الإبادة والتخريب والتدمير، وفي الوقت الذي يحتاج فيه أهل غزة التأييد والنصرة التي أكَّدها القرآن، وشدد عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت الذي يستشهد فيه عالم السنة وعلوم الحديث المجاهد الدكتور نزار ريان، وقد أقام الحجة على علماء الأمة ودعاتها- أقول في هذه الأوقات العصيبة واللحظات الفاصلة في تاريخ الأمة يخرج علينا بعض مَن أسموا أنفسهم "دعاة" يلقون باللوم على حماس، وأن الصواريخ التي تضربها "لا تخرم حيطة"، وأنه لا شرعيةَ للتعبير عن الرفض والتنديد بما يجري من مجازر عبر التظاهر السلمي، بل زاد- فض الله فاه- "أنه يجب علينا أن نلزم بيوتنا وسوف يحقق الله النصر!!".

هذا ما يقوله- للأسف الشديد ويا للعار- أحد "الرعاة"- بالراء لا بالدال- مُخَذِّلا ومرجفًا ومحدثًا فتنةً وبلبلةً في وقت لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تعلو فيه كلمة فوق كلمة الجهاد بمعناه الواسع، ووالله لو كنتُ حاكمًا أو قاضيًا لأمرتُ- على الفور- بالحجر عليه وتعزيره تعزيرًا شديدًا بأقصى ما يسمح به التعزير في الفقه الإسلامي؛ لأن هذا يفتن أمة، ويبيع قضية، ويربك صف المسلمين، ويخون الله ورسوله والمؤمنين.

ما هذا الفقه الأعرج، والفكر الأحول؟ ومن أين أتى أصلاً هذا الفقه "المستنير" الذي لم نسمع به إلا من عبد الله بن أبي بن سلول يوم أحد؟!.. أي دعوة تلك التي يمارسها هؤلاء القوم، ومن الذي أطلق عليهم "دعاة"؟ إنهم ليسوا دعاة إلى الله، وإنما دعاة إلى الاستنعاج والاستنواق، ودعاة إلى الفتنة والخذلان والإرجاف في صفوف الأمة.


وأود أن أسأل هؤلاء الرعاة: "هل لو دخل أحد دارك واغتصب زوجتك وقتل أبناءك ستدخل في غرفة من غرف البيت وتغلق عليك بابها، منتظرًا نصر الله تعالى؟ وماذا لو هتك عرضك أنت؟، هل ستستسلم له ليهتك عرضك وينزع شرفك؟ هل ستلقي باللائمة على زوجتك أو أحد بناتك وأبنائك الضحايا إن وقفوا له بعصا أو هراوة وهو يملك الأسلحة المتطورة؟ فما بالك إن كان المغتصب شعبًا بأكمله، ومقدسات للمسلمين، وقضية أمة، وإبادة شعب؟!!


وما معنى ما جاء عَنْ سَالِمٍ عَنْ عبد الله بن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ ..." الحديث. (متفق عليه، واللفظ لمسلم).


قال ابن حجر: "قوله لا يظلمه: هو خبر بمعنى الأمر، فإن ظلم المسلم للمسلم حرام. وقوله ولا يسلمه: أي لا يتركه مع مَن يؤذيه، ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم". (فتح الباري: 5/97).


إن هذه النوعيات من "الرعاة" لا تخرج عن أن تكون أحد رجلين: إما أن يكون جاهلاً أحمق، أو عميلاً مأجورًا، ولا ثالث لهما عندي!!.


لقد تحدَّث القرآن الكريم عن غزوة أحد فما عنَّف أحدًا من المسلمين، ولا لامهم أو أغلظ النكير عليهم مع أن بعضهم قد خالف نصًّا للنبي صلى الله عليه وسلم صحيح الثبوت صريح الدلالة: "احْمُوا ظُهُورَنَا فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا غَنِمْنَا فَلا تَشْرَكُونَا". (مغازي الواقدي: 1/229).

إن هذا التعويق لا يجوز شرعًا ولا قانونًًا ولا شهامةً ولا رجولةً ولا إنسانيًّا أن يكون من مسلم فضلاً عن رجل يدعي أنه داعية، وقد قال الله تعالى:﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)﴾ (الأحزاب).


ولا يتجاوز هذا أن يكون تخذيلاً وإرجافًا لصف الأمة، وقد قال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62)﴾ (الأحزاب).


فليس بعد نفي الإيمان وإحباط العمل، ولحوق اللعنة، ووجوب الأخذ والتقتيل عقاب، فليتق الله هؤلاء الرعاة، ولتتق الله قنوات الإرجاف الفضائية التي تخرج علينا بهذا الإجرام وتلك الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين؛ حتى لا يقع القائمون عليها تحت طائلة نفي الإيمان وإحباط العمل، والطرد من رحمة الله.

-------------

* باحث في العلوم الشرعية- Wasfy75@yahoo.com

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=43810&SecID=391

الإعمار "الفكري" لقطاع غزة



الإعمار "الفكري" لقطاع غزة
[16/04/2009][09:11 مكة المكرمة]



بقلم: وصفي عاشور أبو زيد




ما زال الصراع قائمًا في قضية غزة، ولم تضع الحرب أوزارها، فإن كانت نار القذائف توقفت- وما توقفت- فإن نار إعمار البنية التحتية لم تتوقف؛ حيث تُعقد له المؤتمرات، وتُدار له الندوات، وتجاهد من أجله الأفراد والمؤسسات والأنظمة والحكومات، والنظام العالمي يجتمع وينفضَّ من أجل القضية؛ يريد أن يُخْضع إرادة المقاومة لشروط يمليها عليها كي يتم التمويل الدولي لإعمار وإغاثة غزة.


ولعلي لا أكون مبالغًا إن قلت: إن هناك نوعًا آخر من الإعمار يجب التنبُّه له والعناية والاهتمام به، وهو نوعٌ لا يقل خطورةً وأهميةً ونتيجةً وآثارًا،- إن لم يزد- عن الإعمار الذي ننشغل به على أهميته، ألا وهو الإعمار الفكري.



وأعني بالإعمار الفكري أمرين:

الأول: معالجة النواحي الفكرية لقضية غزة، والرد على الشبهات التي تُثار حولها مما يكون له الأثر في وضع القضية موضعًا واقعيًّا ومناسبًا، ويعجِّل مسيرة الإعمار المادي.


والثاني: الإعمار التعليمي والثقافي للمؤسسات التعليمية والثقافية والشرعية، عبر الوسائل التي سنذكرها بعد قليل.


ذلك أن القصف الفكري والإعلامي أشدُّ فتكًا وخطورةً ومآلاً من قصف الصواريخ والطائرات، وأن تصحيح المفاهيم وإبلاغ الدعوة وإقامة الحجة وإزالة الشبهة في هذه القضية أولى وأهم؛ لأنه يعتبر المدخل الطبيعي للإعمار المادي، فإذا تكونت القناعات، واتضحت القضية في العقول بما لا يحمل شبهة ولا تكون معه حاجة لحجة؛ فإن طريق الإعمار المادي يكون ممهودًا وميسورًا متى قويت العزائم وصدقت النيات.


والواقع أن المتابع لِكَمِّ الشبهات التي تثار في قضية غزة، والباطل الذي ينقلب حقًًّا، والحق الذي ينقلب باطلاً، ومدى الجهد المبذول في تشويه صورة المقاومة، والمؤامرات التي تُحكَم من أجل إجهاد المقاومة وتقليب الشعب عليها.. أقول إن المتابع لهذا كله وغيره يدرك حقيقةً مؤكدةً؛ مقتضاها أننا بحاجة لما يمكن أن يسمى بـ"الإعمار الفكري"، وتجييش جيوش له توازي- أو تزيد على- ما يتم تجنيده من أجل الإغاثة المادية، وإعمار البنية التحتية لقطاع غزة.

ولكي يكون كلامنا عمليًّا وواقعيًّا لا بد من اقتراح مجموعة من الوسائل التي تعالج هذا الموضوع؛ مبادرةً وتوضيحًا وردًّا وتوثيقًا، ويمكن أن تتبنَّى هذا المشروع أي هيئة أو مؤسسة من المؤسسات المعنية بالقدس وفلسطين عبر تكوين لجنة داخلية أو ما شابه أو إنشاء هيئة جديدة تختص بهذا الأمر لتقوم بما يلي:

أولاً: التركيز على الملف الإعلامي لقضية فلسطين؛ بحيث يصنع خطابًا إعلاميًّا مبادرًا بتوضيح القضية بكل أبعادها الجزئية والكلية، والخاصة والعامة، وبهذا يصعب على أيِّ مرجف أو سيئ النية أن يقوم بإلقاء حباله وعصيه؛ لأنها حينئذ لن تجد البيئة المهيأة لتقبل هذا السحر، وترويج هذا الإفك الذي تلقفه عصا موسى قبل أن يلقى.



ثانيًا: رصد وحصر جوانب الخطاب الإعلامي المضادّ، الذي نمسي ونصبح على قصفه ولا ننزعج له كما كنا ننزعج مع قصف الصواريخ، وتصنيف هذه الافتراءات والشبهات.


ثالثًا: تُعرَض هذه الافتراءات والشبهات على العلماء والمفكرين؛ كلٌّ في مجال تخصصه؛ ليقوم بتوضيحها وتحريرها وبيان مصدرها وأسبابها وأغراضها، والقيام بالردِّ عليها وتفنيدها؛ ردًّا شافيًا شاملاً كافيًا مقنعًا.

رابعًا: إقامة توأمة بين المؤسسات الدعوية في فلسطين ومؤسسات الدعوة في البلاد الأخرى؛ كي يتم تأهيل الدعاء وإعداد العلماء.

خامسًا: إقامة توأمة بين الجامعات بمختلف تخصصات كلياتها في فلسطين وجامعات عالمية مثل جامعة الأزهر، وغيرها من جامعات؛ لاستيعاب أعداد طلاب فلسطين الذين هُدِمت جامعاتهم ومؤسسات تعليمهم؛ ليكملوا دراستهم ويواصلوا مشوارهم.


سادسًا: إرسال علماء ورموز دعاة لجبر النقص وسدّ الخلل، واستكمال الجانب التعليمي والعلمي والدعوي.


هذه- وغيرها- وسائل وكيفيات لهذا الإعمار المهم والخطير في طبيعته وجوهره ومآلاته؛ يمكن أن تقوم بها أفراد وهيئات ومؤسسات وحكومات؛ سعيًا للإعمار الإنساني في توازٍ مع الإعمار المادي والبيئي، وبناء الإنسان الصالح وإعماره تربويًّا وعلميًّا وثقافيًّا هو الخطوة الأولى لإعمار العالم بقيم الحق والخير والعدل والجمال.

---------
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=47790&SecID=391

مقاصد الشريعة والاعتدال



مقاصد الشريعة والاعتدال


[27/05/2010][19:24 مكة المكرمة]



بقلم: وصفي عاشور أبو زيد

للتعمُّق في فهم مقاصد الشريعة دور كبير في التوجه نحو التوسط والاعتدال والتوازن في كل القضايا العلميَّة والفكريَّة، فمن شأنها أن تضبط حركة التفكير، وتقارب بين وجهات النظر، وتقلل مساحة الخلاف، وتعطي أفقًا رحيبًا للباحث، والفقيه والمفتي، والمجتهد عند بحث القضايا المستجدة المندرجة تحت مسألة معلومة المقصد والغاية.



فقه مقاصد الشريعة

وممَّا ينبغي أن يُعلم هنا أنَّ من مقاصد الشريعة الكبرى ومفاهيمها التأسيسيَّة: العمل على حفظ الأمن العام، وإرساء دعائمه في المجتمع، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أن يُفكِّر في تقويضه أو تبديده أو تهديده؛ ولأجل هذا حرَّم الله تعالى الجرائم الكبرى، مثل: الحرابة، والسرقة، والقذف، والقتل، وغيرها، وشرَّع لها ما يُردع مرتكبيها، أو من يفكر في ارتكابها، مثل: حد الحرابة، وحد السرقة، وحد القذف، والقصاص، وغيرها.

ومن المقاصد الكليَّة التي يجب أن تُعلم هنا ويتم التأكيد عليها، والتشديد فيها: إنَّ النفس وحرمتها أمر خطير في شريعة الله، وأنَّ من أحياها فكأنَّما أحيا الناس جميعًا، ومن قتلها بغير حق فكأنَّما قتل الناس جميعًا، وكذلك حفظ المال وخاصةً المال العام، وحفظ النسل والعقل والدين والعرض.

وفي هذه الجرائم وعقوباتها جاء القرآن حاسمًا، ففي الحرابة يقول الله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)﴾ (المائدة).

وفي السرقة: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)﴾ (المائدة).

وفي القصاص قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)﴾ (البقرة).


وفي القذف قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19)﴾ (النور).


ومن المفاهيم الكبرى والمقاصد العليا: إيجاد الحريَّة والحفاظ عليها، ونشر العدالة، وتحقيق المساواة، وإشاعة التسامح، وكل الأخلاق والمبادئ الإنسانية التي اتفقت عليها البشرية، وتواضعت عليها الإنسانيَّة.

ففي الحرية وبخاصة حرية العقيدة يقول القرآن: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: من الآية 256).
وفي العدالة يقول: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: من الآية 25).
وفي الأخلاق يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّما بُعثت لأُتمِّم مكارم الأخلاق" (1).

ولقد وجدت هذه المبادئ والمقاصد سبيلها التطبيقي في سير الخلفاء الراشدين، ومن سار على دربهم، ومدونات الحضارة الإسلامية مليئة بوقائع تمت فيها مراعاة هذه المقاصد، وتلك المبادئ والمفاهيم الكبرى، لا سيما في معاملة الأمم الأخرى حال السلم أو الحرب.

وحسبنا هنا ما قاله "جوستاف لوبون" في كلمته التي طبقت الآفاق: "فالحق أنَّ الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم" (2)، فلم يُكره أحدًا على اعتناق شيءٍ، ولا أسال دماء بغير حق، بل كان حريصًا عليها كل الحرص، وقد تمثلت الرحمة وقيم الإنسانيَّة في الحرب كما تمثلت في السلم سواءً بسواءٍ، وهذه القيم ـ قيم العدل والتسامح والمساواة- هي التي أدى انتشارها إلى انتشار الإسلام، واعتناق الناس له طوعًا دون أدنى إكراه.


فقه مقاصد الجهاد

وإذا كان الجهاد والغلو في فهمه وتطبيقه هو البوابة الرئيسة لأعمال العنف، وسلوكيَّات التطرف، ممَّا له الأثر الكبير على زعزعة الأمن وتهديد دعائم النسيج الوطني، فإنَّنا نكون بحاجة إلى وقفة أمام مقاصد الجهاد حتى تتجلى صورته، وتظهر أغراضه وغاياته ومقاصده.

فللجهاد عند المسلمين مكانة كبيرة؛ فهو ذروة سنام الإسلام، وارتبطت به عزة المسلمين في كل العصور، ولقد امتازت فلسفته في الإسلام عن الديانات والمذاهب والأفكار الأخرى، سواء كانت سماويَّة أو أرضيَّة، فقد ربطه القرآن الكريم والسنة النبوية بأنَّه "في سبيل الله"، ومعنى ذلك أنَّه ليس لإشباع رغبات بشريَّة دنيئة، أو للتشفي وتفريغ مشاعر إنسانيَّة ذميمة، أو تحقيق مصالح شخصيَّة فاجرة، وإنَّما هو لبلوغ مقاصد شرعيَّة نبيلة، وتحقيق أهداف إنسانيَّة عظيمة، حددها الشارع الحكيم، ونصبها أمام القائمين به؛ وذلك لكي يكون "في سبيل الله" لا في سبيل غيره، ولتكون كلمة الله هي العليا، وتسعد البشرية في ظلال الإسلام العظيم.

وحين نتحدث عن مقاصد الجهاد هنا لا نعني به الجهاد بمفهومه الشامل الذي يشمل جهاد النفس وجهاد المنافقين وجهاد الشيطان، والأنواع الأخرى من الجهاد التي ذكر العلماء منها أكثر من ثلاثة عشر نوعًا، وإنَّما نعني به معناه المباشر وهو القتال، ولأن الغلو في هذا المعنى هو الذي جر الوباء والوبال على البشرية كلها عن طريق أحداث العنف والتفجيرات التي تحدث في عواصم عربية وغربية.

وعند التأمل في أحكام الجهاد- وتدابيره الشرعية التي شرعها الإسلام بنصوصه الشرعية الشريفة وبالتطبيق العملي لهذه النصوص- وجدنا أنَّ الله شرعه لمقاصد، وأوجده لأهداف وحكم وآثار، يمكن عند التأمل أن نقسمها إلى قسمين: مقاصد وآثار لازمة أو فرديَّة، ومقاصد وآثار متعديَّة أو جماعيَّة.

ونعني بالمقاصد والآثار الفرديَّة أو اللازمة التي تتحقق للفرد وتعود على ذاته ولا تروم غيره، ومن ذلك:
1- نيل الدرجات والفوز بمرتبة الشهادة.
2- إصلاح النفس.
3- ابتلاء المؤمن وتمحيصه.
4- ابتغاء مرضاة الله تعالى.

أما المقاصد والآثار الجماعية، أو المتعديَّة فهي التي يتجاوز نفعها الفرد إلى المجتمع والأمة والبشريَّة كلها، باعتبار الإسلام دينًا للإنسانيَّة جميعًا.
1- تخليص المستضعفين، وتحرير الناس ورفع الظلم عنهم.
2- حماية الدين ومنع الفتنة.
3- بسط قيم الإسلام ونشر هدايته.
4- حفظ حريَّة الاعتقاد ودُور العبادة، وممارسة الشعائر.
5- حفظ الأمن العام.
6- تحقيق التمايز في صفوف الأمة (3).


خطورة إهمال فقه المقاصد

إذا لم نراع هذا الفقه سواء المقاصد عامة، أو مقاصد الجهاد خاصة، فسوف نوقع أنفسنا ومجتمعاتنا في مخاطر وأزمات وبلاء كبير وشر مستطير.


ومن هذه المخاطر:
1- قصور في الفهم والرؤية للقضايا التي تُعرض وتُتصور.
2- التحجُّر والتشدُّد والتنطُّع في الفهم والسلوك.
3- توسيع هوة الخلاف لا سيما في القضايا الخلافيَّة.
4- إظهار الشريعة على أنَّها قانون تاريخي، دون القدرة على التفاعل مع النوازل المعاصرة.
5- التهوين من أمر النفوس البشريَّة والأرواح، والإقدام على إتلافها دون مبالاة.
6- نشر الفتنة وزعزعة أمن المجتمعات.
7- إرهاق الدولة بمعالجة قضايا جانبية عن التخطيط المستقبلي والتنموي.
8- تخريب مؤسسات المجتمع وإتلاف المال العام.

ثمار مراعاة فقه المقاصد

ومن شأن المعرفة والتفقُّه بمقاصد الشريعة، ومقاصد الجهاد أن يؤتي ثمارًا عظيمة، وينتج نتائج مهمة، ومن ذلك:
1- تلافي كل السلبيات السابقة الناتجة عن إهمال هذا الفقه.
2- فهم النصوص ومقتضياتها على ما أراده الشارع منها.
3- ضبط حركة التفكير والانتقاء في التعامل مع تراثنا قديمًا وحديثًا بما يمنع من الانحراف.
4- يتمثل للشباب المسلم- فضلاً عن العلماء- أفق شرعي رحيب، ومشروع يعصمهم من الوقوع في براثن العنف، ومهاوي التطرف على مستوى المدارسة والممارسة.
5- ترشيد الخطاب الدعوي الذي يؤدي بدوره لترشيد عقل الأمة الإسلاميَّة الخادم لصحوتها.
6- الوقاية من أحداث المتفجرات والعنف التي تقع هنا وهناك.
7- تصحيح الصورة الذهنيَّة، والنمطيَّة عن الإسلام والمسلمين لدى غير المسلمين.
8- ترغيب غير المسلمين في الإسلام.

ولأجل تحقيق هذه المقاصد نحتاج إلى جهد كبير، سواء على مستوى المدارسة أو مستوى الممارسة، فإنَّ تغيير الفكر يحتاج لوقت طويل، وتغيير النفوس يحتاج لوقت أطول، والزمن جزء من العلاج، لكن ذلك أفضل- بلا شك- من التمادي فيما نعاني ونشكو منه..!.

-------------

* الحواشي:

(1) قال العجلوني: "رواه مالك في الموطأ بلاغًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: هو متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره، ومنها ما رواه أحمد والخرائطي في أول المكارم بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ "إنَّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق". كشف الخفاء: 1/211. دار إحياء التراث العربي.

(2) حضارة العرب: 719. ترجمة عادل زعيتر. دار إحياء التراث العربي. بيروت. طبعة ثالثة. 1399هـ/1979م.

(3) راجع في تفصيل ذلك كتابنا: الجهاد في سبيل الله... مقاصد وآثار. لم يُنشر بعد.

-----------

** الباحث الشرعي بالمركز العالمي للوسطيَّة- الكويت.

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=65557&SecID=360

نصوص الشرع بين التقاليد الراكدة والوافدة


نصوص الشرع بين التقاليد الراكدة والوافدة

[18/05/2010][11:56 مكة المكرمة]



بقلم: وصفي عاشور أبو زيد


من أخطر المناهج التي تؤدي إلى الانحراف غلوًّا أو تقصيرًا أن نجعل الواقع والموروث الثقافي الذي نشأ عليه الفرد مصدرًا للحكم على التصرفات والأفعال والرؤى بالصحة والبطلان، أو الحلال والحرام.
ولا يقل خطورةً عن الموروث الثقافي الراكد أن يجعل الفرد العادات والتقاليد الوافدة هي الأساس والمنطلق في الرؤى والتصورات وبناء الأحكام على السلوكيات والتصرفات بالتحليل والتحريم، وهذا يقتضي أن نفرد بالحديث كل واحدة منها لنبين مآلاتها وخطورتها:

أولاً: التقاليد الراكدة والموروث الثقافي:

حين ينشأ المسلم في بيئةٍ من البيئات، ويتربى على عادات وتقاليد معينة يترسخ في ذهنه أن هذا هو الصواب وما عداه هو الباطل.

أسباب اتباع الراكد:

ولسيادة هذا الفكر مجموعة من الأسباب نجملها فيما يلي:

1- الكسل الفكري وتسليم زمام العقل للموروث الثقافي الموجود.

2- عدم مراجعة المسلمات الموروثة- التي يحسبونها مسلمات- بين الحين والآخر؛ فضلاً عن غيرها.

3- ندرة العلماء الكبار الثقات الراسخين الذين يرجع إليهم في استيضاح هذه المعضلات.

4- ثقافة الأمية والجهل السائدة في مجتمعاتنا العربية والتي تجعل المسلم على ما نشأ عليه دون تغيير.


وهذه منهجية متبوعة منذ قديم، قالها صناديد الكفر حين ظهرت دعوة الإسلام، ودعاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- لها، وقد أورد القرآن الكريم مقولاتهم حول اتباع آبائهم، واستنكار ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وغيره من الأنبياء، ومن ذلك:

- ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170)﴾ (البقرة).

- ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (104)﴾ (المائدة).

- ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)﴾ (يونس).

- ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)﴾ (الأنبياء).

- ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)﴾ (الشعراء).

- ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)﴾ (لقمان).

- ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)﴾ (الزخرف).

وهكذا نجد مساحة هذا الأمر واسعة في القرآن الكريم مما يعطي إشارةً إلى خطورة الأمر وأهميته في الحال والمآل، فالتقليد الأعمى سببٌ في الضلال والعمى، ومانع من موانع التوفيق والهدى، ويغلق أمام العقل روافد الإيمان الصحيح، ويعطل القلب عن اعتقاد العقيدة السليمة عبر إعمال الفكر والتأمل والنظر، وقد قال الإمام ابن الجوزي يرحمه الله: "اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل؛ لأنه إنما خُلق للتأمل والتدبر، وقبيح بمن أعطى شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة".

مخاطر اتباع الراكد:

وترك ما كان على ما كان، والاعتقاد بأن هذا الموروث- بصوابه وخطئه- هو الصواب المطلق وما دونه هو الباطل، وأن هذا الموروث هو المصدر الذي يستمد منه التحليل والتحريم- هذا له خطورته بلا شك ومآلاته السلبية على الفرد والمجتمع، ومن ذلك:

1- الخلل العقدي الذي يقع في عقيدة المسلم بفعل التقليد الذي يورث الجهل، وبخاصة في عقيدة الولاء والبراء؛ لأن المقلد سوف يوالي ويعادي على العادات والثقافة الموروثة بعيدًا عن محكمات الشرع.

2- تحليل الحرام وتحريم الحلال، ومخالفة الشرع بنصوصه وفهمه السليم.

3- الإمعان في التخلف العلمي والفكري والحضاري.

4- الانغلاق والتقوقع على الموروث وعدم الانفتاح على الصالح والنافع من الوافد.

5- إعطاء صورة سيئة عن الإسلام مما يعزز من وصْف الإسلام بالإرهاب والتطرف.

6- ذهاب الأجيال الناشئة ضحايا لهذا الانغلاق مما يوفر بيئة خصبة للتربية على العنف والتكفير.


بهذه الصورة يتضح لنا خطورة اعتماد الموروث الثقافي والفكري والعقدي والعبادي منهجًا في التفكير والممارسة بعيدًا عن مظلة الشرع وحاكمية النصوص الشرعية من قرآن كريم وسنة صحيحة.


ثانيًا: التقاليد الوافدة:

وكما أن للانغلاق على الراكد من الموروث الفكري والثقافي خطره في طبيعته وآثاره، فإن للانفتاح على الثقافة الوافدة دون ضابط من أصولنا، أو مرجعية من شرعنا أيضًا مخاطر وآثارًا كبيرةً ربما تزيد في طبيعة خطورتها وجسامة آثارها عما يترتب على التقاليد الراكدة.


أسباب اتباع الوافد:

ولهذا الاستلاب الذي يحدث للبعض أسبابه أيضًا كما أن للانغلاق على التقاليد الراكدة أسبابه، ومن هذه الأسباب:

1- عدم التأصيل الشرعي المناسب الذي يقي الإنسان من الوقوع في براثن الوافد، وتمييز ما يقبل منه وما يرفض.

2- قلة العلماء الثقات الذين يُرجع إليهم عند الاختلاف في القضايا الكبرى لبيان الصحيح من الباطل، والحلال من الحرام.

3- النشأة والتربية التي ينشأ عليها الفرد قد تخيل إليه أن الانفتاح على كل جديد مهما كان هو التحضر والمدنية وأن التمسك بالأصول والمبادئ هو التخلف والرجعية.

4- المناهج التعليمية التي ربما لا تزرع فيه منذ الصغر كيف يتعامل مع الوافد- والراكد أيضًا- بضوابط وشروط معينة، ولا تنمي فيه العقل والفكر بقدر ما تعوده على الحفظ والتلقين.

5- التعصب والتشدد في رفض كل ما هو وافد، والعكوف على الراكد فقط، فإن هذا يورث ويولِّد تيارًا آخر مضادًّا له في الاتجاه ينادي بقبول كل ما هو وافد، ورفض كل ما هو راكد؛ فغلو التفريط دائمًا يكون مقابلاً لغلو الإفراط، والعكس صحيح.


آثار اتباع الوافد:

ومن النتائج والآثار السيئة والخطيرة الناتجة على هذا الانفتاح غير المنضبط ما يلي:

1- الانعتاق بعيدًا عن مظلة الإسلام، وقد يدخل صاحبه في دائرة الكفر.

2- ضياع الهوية والقضاء عليها تمامًا، ونسيان الأصول والأخلاق الإسلامية.

3- النظر بازدراء ودونية لكل ما هو أصيل وتراثي على أنه لم يعد صالحًا لهذا العصر.

4- تمييع الشخصية المسلمة، ووضعها في مأزق حضاري في الاختيار بين الوافد الذي يبدو متحضرًا ومتقدمًا حتى لو كان مخالفًا لثوابتنا، وبين القديم الموروث الصالح الذي قد يبدو غير مناسب، وهو غير متعارض مع ثوابتنا، ومن أسباب حدوث ذلك العرض الخطأ للدين، والخطاب الإسلامي الذي يحتاج لمراجعة وتطوير.

5- انطلاق الأجيال الناشئة بعيدًا عن حظيرة الإسلام، بقيمه وأخلاقه، وعاداته وموازينه، واتباع منهجيات أخرى ماسخة للهوية، وقاضية على الدين والخلق.


ثالثًا: المنهج الوسطي هو طوق النجاة:

ولا يشك أحد في أن المنهج الوسط هو التعامل من خلال الشرع لا في ضوء الراكد ولا الوافد، فيتخذ المسلم من شريعته- بقرآنها وسنتها الصحيحة- مرجعًا أعلى يستقي منه العقائد والأحكام، ويأخذ منه التصورات والأفكار، ويعادي عليه ويوالي عليه، ويكون ضابطًا له في حركة الأخذ والرد، والقبول والرفض، فما وافق ديننا قبلناه، وما خالفه رفضناه، وما كان فيه حق وباطل ميزنا حقه عن باطله فقبلنا حقه ورددنا باطله.

وهذا المنهج الوسط في التعامل مع الوافد والراكد يقينَا- يقينًا- من التطرف في الفكر، والعنف في السلوك، والجنوح في الممارسة، ويصحح صورتنا في العالم كله، والتي أصبحت تطارد كل مسلم اليوم على أنه رمز للعنف والإرهاب والتدمير والتخريب، كما أنه يجعلنا نقيس الأمور بمقياس حساس وقسطاس مستقيم، ونضع الأمور في نصابها، فلا نقدم ما من حقه التأخير، ولا نؤخر ما من حقه التقديم، بل يوضع كل شيء في عدلِ مكانه وحاقِّ موضعه.


معالم المنهج الوسطي في فهم النصوص:

وحتى لا يكون الكلام فضفاضًا نضع بعض المعالم التي تعيننا على تلمس المنهج الوسطي في فهم النصوص، والتي أهمها ما يلي:

1- فهم النص مجردًا دون أن يطغى عليه موروث أو وافد، أو ترغيب أو ترهيب.

2- فهم النصوص في ضوء ملابساتها وظروفها وبيئاتها.

3- التفريق في النصوص بين ما هو خاص وعام، ومطلق ومقيد.

4- فهم النصوص في ضوء عللها وحكمها ومقاصدها.

5- التفريق في النصوص بين ما هو واقعة عين لا تتعدى غيرها وبين ما هو مطلق مطرد.

6- التشبث والتمسك بالثوابت، والمرونة في المتغيرات.

7- التشدد في الأصول والكليات، والتسامح في الفروع والجزئيات.

8- التفريق في فهم النصوص بين الحقيقة والمجاز.

9- الترحيب بكل ما يؤيده النص حتى لو كان وافدًا، ورفض كل ما يتعارض معه حتى لو كان موروثًا.

10- الرجوع للعلماء المشهود لهم بالحجة الشرعية والخشية القلبية فيما أُشكل في الفهم أو التطبيق.



أحسب أننا بهذه المعالم العشرة- وبالطبع هناك غيرها- نستطيع أن نصل إلى رؤية وسطية في التعامل مع النصوص وفهمها؛ تجعلنا نعتز بالموروث دون انغلاق، وتمكننا من الانفتاح على الوافد دون ذوبان، وهي رؤية تجعل النص هو الحَكَم في الأخذ والرد، وفي القبول والرفض، وليس ما ورثناه أو ما استوردناه.

------------------

* الباحث الشرعي بالمركز العالمي للوسطية- الكويت

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=65022&SecID=0

العلماء الصادقون والدعاة الربانيون



العلماء الصادقون والدعاة الربانيون

[24/05/2010][17:55 مكة المكرمة]



بقلم: وصفي عاشور أبو زيد


يختلف الإسلام عن الديانات الأخرى في النظر إلى طبيعة وجود العلماء، فالرسالات الأخرى كانت رسالاتٍ محدودةً بأزمنة محددة وأمكنة معينة وأقوام وأجيال بأعيانهم، ثم إذا انحسم الأمر وآمن بالرسول من آمن وكفر به مَن كفر؛ يقضي الله تعالى بالنجاة للمؤمنين وبالهلاك على الكافرين، ثم ينتهي المشهد الرسالي لينكشف الستار على رسالة أخرى ورسول جديد وقوم آخرين.


ولما جاءت رسالة الإسلام جعلت للعلماء مكانًا أيَّ مكان، ومنزلةً أية منزلة؛ ذلك أن هذه هي الرسالة الخاتمة والخالدة، فالعلماء فيها ورثة النبوة؛ يقومون بدورها في إبلاغ الدعوة وإقامة الحجة وإزالة الشبهة، فلا يزال نور النبوة موجودًا وممدودًا في أمة الإسلام ما وُجد فيها العلماء المخلصون، والدعاة الصادقون الربانيون.


ومن هنا كانت الآيات التي تتحدث عنهم وعن مكانتهم وفضلهم وثوابهم كثيرة، ومن ذلك:
قول الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: من الآية 9)، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: من الآية 28)، ويقول جل وعلا: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: من الآية 59)، وأولو الأمر- كما يقول أهل العلم- هم العلماء، وقال بعض المفسِّرين: أولو الأمر الأمراء والعلماء (1)، ويقول الله جل وعلا: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة: من الآية 11)، وقوله عز وجل: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: من الآية 114)، وهل استزاد النبي من شيء غير العلم؟!



وأدخل الله تعالى مَن يكتمون العلم في دائرة الملعونين في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)﴾ (البقرة).


وفي السنة النبوية وبعض الآثار وجدنا هذا وأكثر:

فعن مالك: أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: "يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإن الله يُحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل السماء" (2)، وروي أنه: "يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء" (3)، قال المناوي: "(مداد العلماء) أي الحبر الذي يكتبون به في الإفتاء ونحوه كالتأليف (ودم الشهداء) أي المهراق في سبيل الله (فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء)، ومعلومٌ أن أعلى ما للشهيد دمه، وأدنى ما للعالم مداده، فإذا لم يفِ دم الشهداء بمداد العلماء كان غير الدم من سائر فنون الجهاد كلا شيءٍ بالنسبة لما فوق المداد من فنون العلم، وهذا مما احتجَّ به من فضَّل العالم على الشهيد" (4).


وقد عبَّر بعضهم عن ذلك فقال:

يا طالبي علم النبي محمد ما أنتمُ وسواكمُ بسواء

فمِدادُ ما تجري به أقلامُكم أزكى وأرجحُ من دم الشهداء

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ومَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة..." (5).


وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا، اتخذ الناس رءوسًا جُهالاً، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلوا" (6).


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سُئل عن علمٍ علمه ثم كتمه أُلْجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نار" (7).


فكل هذه نصوص تُبيِّن قيمة العلم، ومنزلة العلماء، والأمر بتبيينه، والنهي عن كتمانه، وفضل طلبه، وأن موت العالم مصيبة يقبض بها العلم، وهذا كله يدل على تميز منزلة العلماء في الإسلام؛ لما يقومون به من تبليغ ميراث النبوة، ويحملونه من دعوة الإسلام.


ولا تزال جماهير الأمة المسلمة ترجع إلى العلماء في جميع الظروف، فتترقَّب كلمتهم في حال السلم والحرب، حال الغنى والفقر، حال القوة والضعف، حال الحرية والاستبداد، ولا تزال الشعوب تلتف حول علمائها، ولا يزال للعلماء مكانة وهيبة وكلمة ومرجعية وقيمة كبيرة في قلوب الأمة، وكل أزمة تمر بها الأمة تُقوِّي هذه المعاني وتؤكدها.


وحينما نَصِفُ العلماء بـ"الصادقين"، والدعاة بـ"الربانيين" إنما نعني العلماء الرساليين والدعاة المخلصين أصحاب التجرد والإخلاص، والقوة في الحق، والجرأة في الصدع به دون خشيةً من ترهيبٍ هنا أو رجاء في ترغيبٍ هناك، الذين قال الله فيهم: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ (الأحزاب: 39).



إذ إن هؤلاء هم الذين تلتف حولهم الأمم والشعوب، وتثق في كلمتهم الجماهير، ويخشاهم الحكام الظالمون، ويؤثرون في الأمة التي تنتظر كلمتهم وتترقَّب رأيهم فيما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم.


ثمرات الرجوع إليهم



ووجود هذه النوعية من العلماء والدعاة في الأمة، ورجوع الناس إليهم، له آثار كبيرة وثمرات عظيمة، من ذلك:



1- تقديم وتوضيح الدين كما أراد الله وأراد رسوله صلى الله عليه وسلم دون إفراطٍ أو تفريط.

2- الكشف عن حكم الله الحق دون خوفٍ من ترهيب، أو رجاء في ترغيب.

3- رسم الطريق الصحيحة المتوازنة لكي تسير فيها الأمة.

4- تبصير الأمة بحكم الله- اجتهادًا- في الوقائع الجديدة والملمات المستحدثة.

5- الوقاية من تيارات الإفراط والغلو بإظهار مخاطر الغلو وآثاره المدمرة، وبيان اعتدال الإسلام وتوازنه.

6- القضاء على تيارات التفريط والانحلال ببيان سماحة الدين ورحمته واستيعابه لكل مظاهر الحياة.

7- وجودهم في الأمة يعتبر صمام أمان وضمانةً للأمن والسلام والاستقرار الفكري والأمن الوطني.


وإذا كان الأمر كذلك وجب علينا أن نهتمَّ بتكوين علماء ودعاة من هذه النوعية؛ لأن واقعنا اليوم أصبح فقيرًا إلى علماء من هذا النوع، وقد بدأت مشروعات في بعض الدول العربية تهتم بتكوين علماء ربانيين ودعاة صادقين.

----------------

* الحواشي:

(1) راجع مثلاً: تفسير الطبري: 8/492-493. تحقيق أحمد محمد شاكر- مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى 1420هـ - 2000م.



(2) الموطأ: (1821).

(3) قال العجلوني: "رواه الشيرازي عن أنس، ورواه الموهبي عن عمران بن الحصين، وأخرجه ابن عبد البر عن أبي الدرداء وابن الجوزي في العلل عن النعمان بن بشير، قال المناوي: وأسانيده ضعيفة لكن يقوي بعضها بعضًا"- كشف الخفاء: 2/400. دار إحياء التراث العربي.



(4) فيض القدير: 6/603. دار الكتب العلمية بيروت- لبنان الطبعة الأولى 1415 هـ- 1994م.



(5) جزء من حديث في صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر.



(6) صحيح البخاري: كتاب العلم. باب: كيف يقبض العلم.



(7) سنن الترمذي: أبواب العلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جاء في كتمان العلم، قال الترمذي: وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو- حديث أبي هريرة حديث حسن.

--------------

* الباحث الشرعي بالمركز العالمي للوسطية- الكويت.

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=65362&SecID=363