الخنازير وإنفلونزا الخطاب الشرعي..!
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@yahoo.com
لم أسترح للخطاب الشرعي الذي تناول به بعض الدعاة أو الخطباء أزمة "إنفلونزا" الخنازير، وتتصاعد نبرته شيئا فشيئا، بل ساءني وأحزنني بقدر ما استفزني ورفع عندي ضغط الدم..! حيث ذهب البعض يتحدث عن حرمة الخنازير، وأن ما يحدث هو النتيجة الطبيعية لعدم التزام الناس ووقوفهم عند هذه الحرمة، وأن البعض ما يزال يشكك في حرمة الخنزير ـ ولا أدري مَن مِن المسلمين شكك في حرمته؟!! ـ ومن ثم استحقوا عقاب الله تعالى، واستنزلوا بلاءً مما تعم به البلوى على البشرية كلها...!
هذا الخطاب السطحي هو أثر من آثار أزمتنا المعاصرة، ومظهر من المظاهر التي يتجلى فيها ما نعانيه اليوم من تراجع وتخلف في خطابنا الشرعي والدعوي الذي يندفع بهذه الصورة، وينساق إلى حيث لا عقل ولا علم "ولا هدى ولا كتاب منير".
فإذا ما حدث زلزال في بلاد غير مسلمة نقول هذا انتقام الله من الكافرين، أما إن حدث في بلادنا فلابد أن يكون هذا اختبارا من الله ليبلونا أنشكر أم نكفر؟ "ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم".
وإذا ما أصاب أحدًا من غير المسلمين مرضٌ فإنما هو عقاب الله الماحق وجزاؤه العادل، وإذا أصيب أحدٌ من المسلمين بالمرض نفسه فإنما هو حب الله له، وتخفيف لذنوبه، ورفع لدرجاته، ويستشهد لهذا بنصوص كثيرة في سرعة البرق فور وقوع الأمر... فيا لله ويا للعالمين من هذا المنطق..!
ولماذا لا يكون ذلك إنذارا للبشرية كلها أن تتوب إلى الله وأن تتضرع إليه، والله تعالى يقول: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ". الأعراف: 94.
ويقول: "وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ". الأنعام: 42-43.
ويقول: "وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ . وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ". المؤمنون: 75-76.
أليس واردا أن الله تعالى يأخذ الناس بالبأساء والضراء لكي يفيقوا من غفلتهم، وينتبهوا من نومتهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويرجعوا إلى ربهم، والله تعالى يحب من الناس أن يدعوه، وأن يتوبوا إليه ويسألوه؟! ولا شك أن هذا من أغراض إنزال الضراء بالناس.
إننا لا نطمع أن تدخل البشرية كلها في الإسلام، وما ينبغي لعاقل أن يفكر في هذا، فسوف يظل الخلاف بين البشر في العقيدة والفكر والتصور والعادات والتقاليد ما دامت السموات والأرض؛ لأن هذه سنة من سنن الله الجارية التي لا تبديل لها ولا تحويل، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
وإنما أقصى ما يمكن حدوثه أن تتعاون البشرية على ما فيه الخير، وما يعود عليها بالنفع والمصلحة، ويجب أن نفرق بين نواميس الله التي تحكم الكون وتسيره، وبين ما يحدث لنا بما كسبت أيدينا، كما يجب الوعي بما لا مدخل لنا في تغييره، وما لنا دور في دفعه والتعامل معه.
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@yahoo.com
لم أسترح للخطاب الشرعي الذي تناول به بعض الدعاة أو الخطباء أزمة "إنفلونزا" الخنازير، وتتصاعد نبرته شيئا فشيئا، بل ساءني وأحزنني بقدر ما استفزني ورفع عندي ضغط الدم..! حيث ذهب البعض يتحدث عن حرمة الخنازير، وأن ما يحدث هو النتيجة الطبيعية لعدم التزام الناس ووقوفهم عند هذه الحرمة، وأن البعض ما يزال يشكك في حرمة الخنزير ـ ولا أدري مَن مِن المسلمين شكك في حرمته؟!! ـ ومن ثم استحقوا عقاب الله تعالى، واستنزلوا بلاءً مما تعم به البلوى على البشرية كلها...!
هذا الخطاب السطحي هو أثر من آثار أزمتنا المعاصرة، ومظهر من المظاهر التي يتجلى فيها ما نعانيه اليوم من تراجع وتخلف في خطابنا الشرعي والدعوي الذي يندفع بهذه الصورة، وينساق إلى حيث لا عقل ولا علم "ولا هدى ولا كتاب منير".
فإذا ما حدث زلزال في بلاد غير مسلمة نقول هذا انتقام الله من الكافرين، أما إن حدث في بلادنا فلابد أن يكون هذا اختبارا من الله ليبلونا أنشكر أم نكفر؟ "ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم".
وإذا ما أصاب أحدًا من غير المسلمين مرضٌ فإنما هو عقاب الله الماحق وجزاؤه العادل، وإذا أصيب أحدٌ من المسلمين بالمرض نفسه فإنما هو حب الله له، وتخفيف لذنوبه، ورفع لدرجاته، ويستشهد لهذا بنصوص كثيرة في سرعة البرق فور وقوع الأمر... فيا لله ويا للعالمين من هذا المنطق..!
ولماذا لا يكون ذلك إنذارا للبشرية كلها أن تتوب إلى الله وأن تتضرع إليه، والله تعالى يقول: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ". الأعراف: 94.
ويقول: "وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ". الأنعام: 42-43.
ويقول: "وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ . وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ". المؤمنون: 75-76.
أليس واردا أن الله تعالى يأخذ الناس بالبأساء والضراء لكي يفيقوا من غفلتهم، وينتبهوا من نومتهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويرجعوا إلى ربهم، والله تعالى يحب من الناس أن يدعوه، وأن يتوبوا إليه ويسألوه؟! ولا شك أن هذا من أغراض إنزال الضراء بالناس.
إننا لا نطمع أن تدخل البشرية كلها في الإسلام، وما ينبغي لعاقل أن يفكر في هذا، فسوف يظل الخلاف بين البشر في العقيدة والفكر والتصور والعادات والتقاليد ما دامت السموات والأرض؛ لأن هذه سنة من سنن الله الجارية التي لا تبديل لها ولا تحويل، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
وإنما أقصى ما يمكن حدوثه أن تتعاون البشرية على ما فيه الخير، وما يعود عليها بالنفع والمصلحة، ويجب أن نفرق بين نواميس الله التي تحكم الكون وتسيره، وبين ما يحدث لنا بما كسبت أيدينا، كما يجب الوعي بما لا مدخل لنا في تغييره، وما لنا دور في دفعه والتعامل معه.
وأريد أن أتساءل مع علمائنا ودعاتنا الذين سارعوا في الحديث عن الحرمة ووصف الأسباب التي أوقعت هذا الوباء عدة أسئلة:
أولا: لماذا لم نر هذا الحديث عند إنفلونزا الطيور؟ وهي التي لم يحرمها الله تعالى؟ أم أن الله حرمها وبعضنا يجادل في حرمتها؟ وماذا نقول فيها إذا كنا سارعنا إلى الحديث عن الحرمة في الخنزير؟
ثانيا: لماذا لا نتريث في حديثنا الدعوي والشرعي حتى نطالع الخطاب العلمي والتجريبي اليقيني ورؤيته في هذا الأمر حتى لا ينبني كلامنا انبناء خاطئا يذهب أدراج الرياح عند أول معلومة علمية؟
ثالثا: هل علمتم ـ أيها العلماء والدعاة ـ أن هذه الأنفلونزا مركبة، فهي عبارة عن فيروس حيواني وفيروس إنساني وفيروس من الخنزير؟ وإذا كان الأمر كذلك فعلا وثبت ذلك علميا أنه مركب فهل يصح الحديث حينئذ عن أن سبب البلاء هو حرمة الخنزير فقط؟!
رابعا: نفترض جدلا أن سبب هذا البلاء هو عدم الالتزام بما حرم الله فقط، فهل حديث الحرمة هو الناجع فقط أم أنه يجب أن نتجاوز هذه المسلمات إلى الحديث عن كيفية التعامل مع الأزمة، ووصف الحلول الناجعة لها والواقية منها، وواجبنا نحوها: آحادا ومجتمعات، ووجوب اتباع إرشاد الأطباء الثقات الذين هم أهل الذكر في هذا الأمر، وغير ذلك مما ينقلنا من الخطاب التقريري السلبي ـ فضلا عن السطحي ـ إلى الخطاب الفاعل الإيجابي المتفاعل مع الأزمة والمتدافع معها.
خامسا: هل ربط التحريم يكون بالعلة أم بالحكمة؟ والمعروف والمقرر أن الحكم يدور مع علته وليس مع الحكمة منه، ومن هنا لا يصح أن نربط التحريم بالدودة الشريطية وغيرها من الأمراض إلا على سبيل زيادة الإيمان بالحرمة بعد توضيح علل الحرمة وأهمية الانتهاء عما حرم الله قبل كل شيء، كما لا يصح أن نتحدث عن أن الملتزم بالصلاة يمارس الحد الأدنى من الرياضة المطلوبة للجسم وأنه بوضع رأسه في السجود على الأرض تمتص الأرض منه الضغط الزائد وغير هذا، فالصلاة واجبة بلا احتياج إلى هذا، والخنزير محرم بلا حاجة لدودة شريطية أو غير شريطية.
سادسا: لماذا لم نر فتاوى لفقهائنا حول حكم الإعدام الجماعي للخنازير، وهل تأكد لنا علميا بما لا يدع مجالا للشك أن الخنازير هي مصدر المرض، وهل إذا لم يغلب الظن على أن الخنزير هو مصدر هذا المرض يظل إعدامه الجماعي قائما أم أنه يكون حينئذ حراما إذا كان في ملكية من يبيحه له دينه؟
في تقديري أننا ببعدنا عن الرصانة والتمهل والوعي في الخطاب الشرعي، وتعويمنا له، وعدم علميته وافتقاره إلى الوضوح، ورميه للأفكار المرسلة بدون إيضاح، وتسرُّعِنا بالحديث عن الحكمة والحرمة، وحشد البشرية في خانة العصاة المحادين لله ورسوله بهذا الشكل، فإننا نظلم أنفسنا ونظلم غيرنا ونظلم الإسلام الذي نزعم أننا دعاته وعلماؤه، وفي النهاية نحن الذين نوقع بالإسلام ودعوته أضخم الخسائر وأفدح الخطايا، ونجني على الدين جناية كبرى، وتصاب الدعوة على أيدينا بهزائم شديدة، وأخيرا نعطي الذرائع لغير المسلمين بالهجوم على المسلمين ودينهم..وإلى الله المشتكى..!
http://mdarik.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1239888638532&pagename=Zone-Arabic-MDarik%2FMDALayout&ref=body
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق