مبرة الآل والأصحاب.. مشروع عملي للتقريب
وصفي عاشور أبو زيد
شعار المبرةكثيرا ما تعقد المؤتمرات والندوات حول الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وتنفض عن توصيات وقرارات، تَبِيتُ حبيسة أدراج تحجبها عن شق طريقها نحو أخذ خطوات عملية لتنفيذها في الواقع الذي يبقى بكل آلامه ودمائه محتدما ومشتعلا، وتظل روح العصبية في كلا الفريقين موجودة تُذكيها محاولات تسنين الشيعة وتشييع السنة، واستعلاء الطائفية في كثير من بلاد المسلمين واستغلالها لتحقيق مآرب سياسية.
وفي خطوة عملية تعد الأولى من نوعها تم إشهار رسمي من وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بالكويت بإنشاء ما يسمى بـ: "مبرة الآل والأصحاب" في محاولة لإظهار الترابط والمحبة التي تجمع بين آل بيت النبي والصحابة الكرام ظهرت في الثناء المتبادل، وتَرَضِّي بعضهم عن بعض، بل تصاهر بعضهم ببعض، وتسمي بعضهم بأسماء بعض، رضي الله عنهم جميعا.
التقريب العملي
وتقوم المبرة بنشر الصفحات المشرقة من تاريخ الآل الأطهار والصحب الأبرار، وبيان ما كان بينهم من صلة ومحبة، وقرابة ومودة، وصهر ونسب، ويترأس مجلس إدارتها د. عبد المحسن الجار الله الخرافي، الأكاديمي الجامعي المعروف الذي أكد أن مبرة الآل والأصحاب تهدف إلى نشر تراث الآل والأصحاب نقيا صافيا، والرد على مزاعم المستشرقين وغيرهم، وبيان ما كان بين الآل والأصحاب من محبة وألفة ومصاهرة وقرابة، وإبراز العلاقة الحميمة بينهم، بما يعزز الوحدة الوطنية في الكويت والمنطقة عبر تصحيح المفاهيم الخاطئة من الجانب العقدي والتاريخي التي يغذيها المتطرفون، ويعالجها التنوير القائم على الوسطية والتسامح والأخوة والوحدة الوطنية.
وعن التحديات التي واجهت إنشاء هذه المبرة قال الخرافي: إن أهم التحديات تتمثل في استقطاب خَيِّرين جدد؛ فكل العاملين في المجال الخيري مشغولون بما لديهم من مشروعات خيرية ضخمة لا يمكن الفكاك منها؛ لذلك كان التحدي الكبير هو مشاركة خيرين غير مرتبطين بجمعيات أخرى.
الإغاثة فكرية
وفي إشارة إلى نوع جديد من الإغاثة تقوم به المبرة أسماه الخرافي بـ: "الإغاثة الفكرية" يقول: إذا أردنا أن نكون صرحاء مع أنفسنا ونضع أيدينا على الجرح كما ينبغي فلنعرف أن الطائفية من أكبر الهواجس التي يمكن أن تعصف بأمن المنطقة؛ لذلك اخترنا هذا النوع من "الإغاثة الفكرية" ونحن نضع نصب أعيننا ما يحدث في العراق الآن، وبكل أسف فإن هذا الهاجس الطائفي مبني على فهم مغلوط لتراث آل البيت والصحابة الذين كانت لهم علاقة حميمة بين بعضهم البعض، ومع خطأ هذه المفاهيم ازداد الشعور الطائفي رغم أن أصحاب الشأن كانت علاقتهم في أفضل صورة من الحميمية؛ لذلك فنحن نخاطب الفكر ونقول: يا مسلمي العالم إن أصحاب العلاقة كانوا موحدين متحدين ومحمد رسول الله والذين معه، وأئمة آل البيت هم أيضا كبار الصحابة، ونريد من خلال المبرة أن نكرس هذه المفاهيم الوسطية الواضحة في أذهان المسلمين الأمر الذي يلغي فكرة النزاعات الطائفية، ويسحب البساط من تحت أرجل كل الغلاة من الجانبين، وهم الذين ينبشون عن فوارق مصطنعة بين آل البيت والصحابة.
الشيخ عبد المحسن الخرافيواعتبر د. عبد المحسن الخرافي أن الإغاثة الفكرية أو العمل الخيري الفكري له أولوية الآن، وهو هدف مهم لنزع فتيل الطائفية بطرح عقلاني وواقعي، ودون مواجهة حادة أو ميدانية؛ فهذه لا تنتج إلا المكابرة؛ فالمسلمون بخير، والإغاثة المادية تسير في طريقها بقوة، لكن الآن هناك متغيرات سياسية في المنطقة، ولا يخدع بعضنا بعضا؛ فهناك إثارة للنعرات الطائفية، وهذه النعرات في منتهى الخطورة ليس على المنطقة فقط، وإنما على الأمة الإسلامية بكاملها، وبالتالي فقد عمدنا إلى إعادة تقديم تراث آل البيت والصحابة، هذا التراث المظلوم نريد تقديمه بشكل صحيح نحترم فيه ثوابت كل مذهب؛ فنحن لا ندعو من خلال هذا العمل لأن يتخلى أحد عن مذهبه، والوسطيون لن يخسروا بهذا العمل؛ فنحن نحب آل البيت ونحترم الصحابة، ومن يسعى للنَّيْل من أحد الطرفين هو الذي سيخسر؛ ولذلك نريد بهذا العمل أن نصحح المفاهيم الخاطئة.
سبب التسمية والأهداف
وعن سبب تسمية المبرة باسم "مبرة الآل والأصحاب" قال الشيخ محمد سالم الخضر رئيس لجنة البحوث والدراسات بالمبرة: إن هؤلاء الآل والأصحاب هم الأصل الذي قامت عليهم المبرة؛ فنريد أن نبين للناس أن العلاقة بين الآل والأصحاب ليست -كما يدعي البعض- خصومات وعداوات وخلافات، بل العكس هو الصحيح، ويشهد لذلك الكتاب والسنة والتاريخ والعقل؛ لذلك أردنا من خلال الاسم أن نقولها بصوت مرتفع: إن الآل والأصحاب أنساب وأحباب وأصهار وإخوان، وما كانت تجمعهم إلا المحبة في الله، ويصدق عليهم قول النبي صلي الله عليه وسلم حين ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله، منهم: "ورجلان تحابا في الله".
وعن أهداف مبرة الآل والأصحاب قال الشيخ الخضر: إن من أهدافها العمل على غرس محبة الآل (آل البيت) الأطهار والأصحاب (الصحابة) الأخيار في نفوس المسلمين، ونشر العلوم الشرعية بين أفراد المجتمع، خصوصا المتعلقة بتراث الآل والأصحاب من عبادات ومعاملات، وكذلك التوعية بدور الآل والأصحاب وما قاموا به من خدمات جليلة لنصرة الإسلام والدفاع عن المسلمين وتحقيق هدي القرآن الكريم والسنة النبوية، وكذلك من الأهداف دعم الوحدة الوطنية وزيادة التقارب بين شرائح المجتمع من خلال تجلية بعض المفاهيم الخاطئة التي رسخت في بعض النفوس عن أهل البيت الأخيار والصحابة الأطهار.
الوسائل والموارد والإصدارات
وعن وسائل تحقيق الأهداف قال: إن منها إقامة الندوات والمحاضرات، ونشر الكتب والأشرطة التي تحقق أهداف المبرة، وكذلك تأسيس مجلة لهذا الغرض، والبدء في عمل موسوعي ضخم عن آل البيت والصحابة.
وعن موارد المبرة المالية قال الشيخ محمد سالم الخضر: إنها تعتمد على المبالغ المخصصة من قبل المؤسسين والوصايا والأثلاث والهبات، وأية مساعدات أخرى تقدم للمبرة في سبيل تحقيق أهدافها النبيلة بالإضافة إلى الزكاة من مصرفها السابع: "وفي سبيل الله" بناء على فتاوى الهيئة الشرعية في بيت الزكاة بالكويت، ولجنة الإفتاء بوزارة الأوقاف، والرئاسة العامة للدراسات والبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالسعودية، ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، وندوة الاقتصاد الإسلامي.
وعن إصدارات المبرة قال: إنها كثيرة وهي تتناول آل البيت والصحب الكرام، ومنها "شذى الياسمين في فضائل أمهات المؤمنين" و"ربحت الصحابة ولم أخسر آل البيت"، و"تذكير الصديق.. بصلة القرابة بين الصادق والصدّيق"، وهناك إصدارات عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وفاطمة وعائشة وخديجة وحفصة وحمزة رضي الله عنهم جميعا، بالإضافة إلى كتاب "كيف نقرأ تاريخ الآل والأصحاب"، وقد صدر بعضها، والبقية في الطريق إلى النور.
مجهود علمي توثيقي
من إصدارات المبرةيقول عادل القصار الكاتب ووكيل وزارة مساعد لشئون التخطيط والتنمية بوزارة المواصلات الكويتية: "مبرة الآل والأصحاب" مشروع رائد، ومجهود علمي توثيقي يهدف إلى غرس محبة آل البيت الأطهار والصحابة الأخيار في نفوس كل من السنة والشيعة؛ فهناك نزعة وفجوة مصطنعتان في تمايز حب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين، كرسها البعض للتفريق بين المسلمين، بينما التاريخ يشهد بعظيم روح التآخي والتآلف التي ربطت بين قلوب هؤلاء الصحابة وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومثل لذلك بقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "ولدني أبو بكر الصديق مرتين".. فالإمام جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هذا نسبه من جهة أبيه، ومن جهة أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأم فروة أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق؛ لهذا جاءت تسمية فروة بنسبها من أمها وأبيها إلى أبي بكر الصديق، ومنه قال الإمام جعفر: "ولدني أبو بكر الصديق مرتين"؛ ولذلك يقال له: "عمود الشرف"؛ أي إنه عليه السلام يجمع في شرف نسبه بأخذه من بني هاشم من جهة أبيه، وأخذه من آل أبي بكر الصديق من جهة أمه.
وقال القصار: نأمل من الإخوة الشيعة والسنة على حد سواء أن يطلعوا على أدبيات ومنتجات وبرامج مشروع: "مبرة الآل والأصحاب"؛ ففيها بلسم لكثير من حالات الاحتقان الطائفي البغيض.
تنقيح تاريخ الآل والأصحاب
أما الداعية محمد العوضي فقال: ولدت في الكويت "مبرة الآل والأصحاب"؛ لأن تاريخ آل بيت النبوة الأطهار وصحابته الأخيار اختلط به الخطأ والصواب، وشابه لبس، وتداخلت فيه الروايات وزيدت عليها ما ليس منها؛ لهذا نشأت المبرة لتخدم الأمة والمجتمع من خلال عمل مؤسسي هادئ يغرس محبة الآل والأصحاب في نفوس المسلمين، وينشر العلوم الشرعية المتعلقة بتراث الآل والأصحاب بين أفراد المجتمع، ويقوم بالتوعية بدور الآل والأصحاب وما قاموا به من خدمات جليلة لخدمة الإسلام.
ولفت العوضي الانتباه إلى أن أهم ما في نهج المبرة التي تم إشهارها السياساتُ التي تسير عليها وهي تجنب التدخل في السياسة والبعد عن المنازعات أو ما من شأنه إثارة العصبيات الطائفية والعنصرية، وخدمة جميع الشرائح الاجتماعية من خلال الفئات العمرية من الذكور والإناث في نطاق جميع أنحاء الكويت، والانفتاح على شرائح المجتمع وإفادة الجميع.
تنظير التقريب
ومن الجدير بالذكر أن كتابات المبرة وإصداراتها وشعاراتها لا تخرج عن هذا الإطار، بل تعززه وتشهد له، ومن شعاراتها: "آل البيت والصحابة.. محبة وقرابة"، وعندهم شجرة بأولاد النبي صلى الله عليه وسلم وأولاد أبي بكر وأولاد عمر وأولاد عثمان، وأولاد علي، وأولاد موسى الكاظم، رضي الله عنهم، ويظهر في هذه الشجرة المصاهرة والنسب بينهم جميعا.
ومكتوب فوق هذه الشجرة: "بهذه الشجرة شهدت ونطقت مصادر المسلمين، أن الآل والأصحاب شيء واحد، يسمي بعضهم بأسماء بعض، والمصاهرة قائمة بين الطرفين؛ فلنحذر من المدسوس في التاريخ".
ومن هذه الإصدارات: "شذى الياسمين في فضائل أمهات المؤمنين"؛ حيث تناولت هذه الورقات وقفات في عظم شأن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ثم فضائلهن رضي الله عنهن من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فقد وردت الآيات والأحاديث في مدح أمهات المؤمنين والثناء عليهن؛ وهو ما يدل على علو مرتبتهن، وسمو منـزلتهن وتوضيح فضائلهن عامةً ضمن آل البيت رضي الله عنهم، وتناولت كذلك مناقب خاصة لكلّ منهن.
ومن الإصدارات كذلك كتاب بعنوان: "الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم". وفيه يذكر مؤلفه السيد بن أحمد بن إبراهيم أسماء الأعلام من أهل البيت الهاشميين، خاصة العلويين الذين تسموا بأسماء الصحابة رضي الله عنهم، والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة التي تضمنت المصاهرة بين أهل البيت وأبي بكر، وبين أهل البيت والزبير، وبين أهل البيت وآل الخطاب، وبين أهل البيت وطلحة خاصة وبني تيم عامة، وبين أهل البيت وبني أمية، وبين أهل البيت من العلويين وأبناء عمومتهم من العباسيين، بالإضافة إلى ستة ملاحق أخرى يبين فيها الأصهار والأنساب برسوم توضيحية.
هذا نشاط نظري بالإضافة إلى ما تقوم به المبرة من نشاط عملي يصب في هذا الهدف، وهذا في الحقيقة أنموذج ومثال يجب أن يحتذى ويعمم ليعزز من التقارب والتعايش، وإذا كانت هذه تجربة ندعو لامتثالها وتعميمها فإننا ندعو في الوقت ذاته إلى تجنب أي تجربة كانت سيئة، وتلافي طبيعتها وآثارها حتى لا نقع فيما لا يقرب ولا يوحد.
باحث بالمركز العالمي للوسطية - الكويت..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق