الأربعاء، 13 فبراير 2008

قواعد في أدب الخلاف ـ استشارة دعوية


عبد الله - ليبيا
الاسم
قواعد في أدب الخلاف
العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،سؤالي عن الجماعات الإسلامية، وهو أن هناك الكثير من أبناء بلادنا قد انتمى بعضهم للجماعة السلفية، أو هكذا يسمّون أنفسهم، ولا يقتنعون إلا بكلام بعض العلماء مثل: الشيخ الألباني، وغيره من علماء السلفية.وفي نفس الوقت ينتقدون الكثير من العلماء والدعاة مثل: الشيخ القرضاوي والعوده والقرني وغيرهم، ويحذرون منهم، ويقولون: إن العلماء حذروا منهم، فهل هذا الكلام صحيح؟ وهل السلفية نوعان أم ماذا؟.علما بأن بداية التزامي كانت في التسعينيات، وكانت بفضل الله، ثم بفضل سماعي لأشرطة علماء ودعاة من بلاد الحجاز، مثل: الشيخ ابن باز وعائض القرني وسلمان العودة وغيرهم، ولم أكن أعرف في بداية التزامي شيئا عن هذه الجماعات، وكنت أعتقد أن المسلمين على قلب واحد، وشعرت بلذة الإخوة في الله.وعندما علمت بأمر هذه الجماعات وما يدور بينها أصابني الإحباط الشديد، لدرجة أنني شعرت بضعف إيماني.وفي المقابل هناك جماعة الإخوان، الذين هم بدورهم ينتقدون السلفية، ويعلقون على تصرفاتهم، وينتقدون تمسكهم باللحية والإزار، وبعض السنن الأخرى، علما بأن المنتمين إلى هذه الجماعات هم من أقاربي وجيراني، وهم ينظرون إلي نظرات فيها انتقاص، أو اتهام، أو لا أدري كيف أفسرها، وكأن لسان حالهم يقول لي: إن لم تكن في جماعتنا، فأنت على غير الصواب.فأنا في حيرة من أمري، وأود النصيحة منكم.
السؤال
قضايا وشبهات, فقه الدعوة
الموضوع
الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد
المستشار
الحل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..أهلا بك - أخي الكريم - على صفحات موقعكم إسلام أون لاين، ونشكر لكم هذه الثقة الغالية، وحيا الله أهل ليبيا الشقيقة.اعلم - رعاك الله - أن الاختلاف سنة كونية أودعها الله تعالى في كونه وفي خلقه، فعالم الإنس غير عالم الجن، وهذان غير عالم العجماوات، والإنسان يختلف من لغة إلى لغة، ومن لهجة إلى لهجة، ومن بلد إلى بلد، ومن أسرة إلى أسرة، ومن فرد إلى آخر، بل إن الإنسان أحيانا تختلف مواقفه وتتعارض صفاته من حين إلى حين، وقد قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ).وإذا كان الاختلاف سنة في الخلق، فهو أيضا سنة في الفهم، فعقول الناس مختلفة، ومن هنا نشأ الخلاف في فهم النصوص الشرعية.ونتيجة لهذا نشأت المذاهب الفقهية، ولا نكير على نشأتها؛ لأن اختلاف الآراء المبنية على الدليل مصدرُ ثراءٍ، ومنبعُ فخرٍ للفقه الإسلامي، وليست نقيصة فيه بحال من الأحوال، فلا غرابة أن تنشأ جماعات ودعوات وحركات تدعو إلى الإسلام، نابعة من الإسلام، منطلقة من أصوله، غير أنها تختلف في بعض الفروع، لكن بعضها – للأسف - يضخم هذه الفروع فيجعلها أصولا، ويضخم السنن فيجعلها فروضا، ويضع الفروع والجزئيات مكان الأصول والكليات، والبعض الآخر يستهين بالسنن الظاهرية، مثل اللحية وغيرها، فنحن واقعون بين طرفي نقيض، بين التهويل والتهوين، والوسط دائما هو الخير: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، نضع الأمور في نصابها الصحيح في ضوء فقه النِّسَبِ بين مراتب الأعمال، ولا نهون من شيء حتى لو كان من الفروع والجزئيات.أقول - علمني الله وإياك - إنه لا مانع أبدا من نشأة هذه الحركات والدعوات، بحيث يدعو الكل إلى الإسلام بالطريقة التي يراها، وبالفهم الذي يفهمه شريطة أن يكون اختلاف تنوع وتكامل وتضافر، لا اختلاف تطاحن وتراشق وتنافر، فاختلاف العقول ثراء، واختلاف القلوب وباء.وإذا كان اختلاف التنوع والتكامل والتضافر مباحا، أو مستحبا، بل أحيانا يبلغ درجة الواجب، فلابد من أصول تضبطه، وقواعد ترشد مسيرته، ومبادئ تسدد خطاه، ومن أهم هذه القواعد:أولا: أن لا يُنكَر على المجتهد في اجتهاده وعمله بهذا الاجتهاد، ولا يَمنع هذا من إقامة الحجة عليه، أو المحاورة معه؛ للخروج من الخلاف، والوصول إلى الحق، بل هو الأولى، إذ مازال السلف يرد بعضهم على بعض في مسائل الفقه والفروع من المعتقد، وهذا من النصيحة للمسلمين.وقد نقل عن كثير من السلف عدم الإنكار في مسائل الخلاف إذا كان للاجتهاد فيها مساغ، وهذا مقرر في قواعد الفقه، حيث لا إنكار في المختلف فيه، يقول سفيان: "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه". [الفقيه والمتفقه 2/69].ويقول الإمام أحمد فيما يرويه عنه ابن مفلح: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب، ولا يشدد عليهم". ويقول كذلك: "لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع". [الآداب الشرعية 1/186].ويقول ابن تيمية: "مسائل الاجتهاد، من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه". [مجموع الفتاوى20/207].وقال النووي: "ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً". [شرح النووي على صحيح مسلم 2/24].ثانيا: الاحترام والمحبة على رغم الخلاف، فالخلاف أمرٌ واقع لا محالة، ولكن لا يجوز أن يؤدي الخلاف بين المتناظرين الصادقين في طلب الحق إلى تباغض وتقاطع وتهاجر، أو تشاحن وتدابر وتناحر، فأخوة الدين، وصفاء القلوب، وطهارة النفوس فوق الخلافات الجزئية، والمسائل الفرعية، واختلاف وجهات النظر لا ينبغي أن تكون سببا في قطع حبال المودة، ومهما طالت المناظرة، أو تكرر الحوار، فلا ينبغي أن تؤثر في القلوب، أو تكدر الخواطر، أو تثير الضغائن.ولقد اختلف السلف فيما بينهم، وبقيت بينهم روابط الأخوة الدينية، فهذان الخليفتان الراشدان - أبو بكر وعمر - يختلفان في أمور كثيرة، وقضايا متعددة، مع بقاء الألفة والمحبة، ودوام الأخوة والمودة، ومع هذا الخلاف بينهما فإن كل واحد منهما كان يحمل الحب والتقدير والاحترام للآخر، ويظهر ذلك من ثناء كل واحد منهما على صاحبه.وفي ذلك يقول الإمام بن تيمية: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة". [مجموع الفتاوى: 24/172]. ويقول: "فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ" [الاستقامة 1/31].ويقول يونس الصدفي: "ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة"، قال الذهبي: "هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون". [سير أعلام النبلاء 10/16-17].ويقول الإمام حسن البنا في كلمة معبرة عن هذا المعنى: "إن الخلاف في الفرعيات الفقهية لا يكون سببا في التفرق والتحزب والتنافر، فقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم والأئمة الأعلام ولم تختلف قلوبهم ... ونري أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته، وألسنا مسلمين وهم كذلك؟ وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون ذلك؟ وألسنا مطالبين بأن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا؟ ففيم الخلاف إذن؟ ولماذا لا يكون رأينا مجالا للنظر عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا لا نتفاهم في جو الصفاء والحب إذا كان هناك ما يدعو للتفاهم؟ هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم كان يخالف بعضهم بعضا في الإفتاء، فهل أوقع ذلك اختلافا بينهم في قلوبهم؟ وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم؟ اللهم لا، وما حديث صلاة العصر في قريظة ببعيد". [رسالة دعوتنا].ثالثا: ضرورة حمل الكلام على أحسن المحامل إن اتسع لها التأويل، وساغ لها الفهم، ومسالك الأئمة كثيرة في هذا المعنى، فقد تأول ابن تيمية للمتصوفة قولهم: "إن المريد إذا أحبه الله لم يضره ذنب"، وحمله على أن من أحبه الله ووقعت منه معصية، فإن الله تعالى يوفقه للتوبة والاستغفار، ويعينه على الخلاص من ذنبه حتى لا يبقى مصرا عليها. وتأول ابن القيم معنى قول الجنيد: "إذا أراد الله بالمريد خيرا أوقعه على الصوفية، ومنعه صحبة القراء"، وحمله على معنى أنهم يهذبون أخلاقه، ويدلونه على تزكية نفسه، وأما القراء - وهم أهل التنسك الذين قصرت همتهم عن ظاهر العبادة - فلا يذيقونه من حلاوة أعمال القلوب، وتهذيب النفوس. [مدارج السالكين: 2/396-370].رابعا: عدم تتبع سقطات وعثرات الأئمة والدعاة الهداة، وبخاصة الذين تنغمر سيئاتهم في حسناتهم، ولا سيما أثناء الحوار؛ لأن هذا من شأنه أن يوغر الصدور، ويخرج الحوار عن أهدافه ومقاصده، يقول ابن رجب: "وَالْمُنْصِفُ مَنْ اغْتَفَرَ قَلِيلَ خَطَأِ الْمَرْءِ فِي كَثِيرِ صَوَابِهِ" [القواعد: خطبة الكتاب].وقال الذهبي وهو يتحدث عن ابن تيمية: "وقد انفرد بفتاوى نيل من عرضه لأجلها، وهي مغمورة في بحر علمه، فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه، فما رأيت مثله، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك". [تذكرة الحفاظ: 4/1497].وقال ابن القيم: "من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يُحتمل منه ما لا يُحتمل من غيره، ويعفى عنه ما لا يعفى من غيره، فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.. وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف الحسنات، فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين" [مفتاح دار السعادة: 1/177].هذه كلها قواعد يجب أن تراعى عند الاختلاف كي يكون الاختلاف مسددا وهادفا وصحيًّا ورشيدا، وبغير ذلك تنقلب الساحة إلى حرب وتطاحن وتنافر، ويتغير حكم تعدد هذه الجماعات والدعوات من الوجوب إلى الحرمة، فاتحاد المسلمين فريضة محكمة إلى يوم القيامة.ويفيدك - أخي الكريم – مطالعة الاستشارات التالية:-
خلافات العلماء.. لا تخوضوا في الأرض السبخة- جماعة توحيد الجماعات.. "ولا يزالون مختلفين"- سلفي، أم إخواني، أم .. .؟؟؟ السؤال الخطأ- الخلاف حول الاختلاف.. ميدان الاتفاق أوسع- الخلافات الفقهية والتنظيمية .. كيف نستوعبها ؟- صراع الدعاة .. حراااااااااام- "العمل التنظيمي" .. شرط لاكتمال الإيمان!!
رعاك الله وحفظك وألهمك رشدك، وهدانا وإياك إلى الصواب وإلى طريق مستقيم، وتابعنا بأخبارك.

ليست هناك تعليقات: