الاثنين، 7 أبريل 2008

هل للبعد النفسي دور في الحرب علي العراق

هل للبعد النفسي دور في الحرب علي العراق?!
بقلم: وصفي عاشور أبو زيد
تعددت الأسباب والتحليلات التي يقدمها السياسيون والمتخصصون حول الحرب الأمريكية والبريطانية علي العراق, ولعل هذه الحرب من الحروب القليلة في التاريخ التي لم يتفق المحللون ولا السياسيون علي تحديد أسبابها, وقد اجتمعت الأسباب التي تناولتها الوسائل الإعلامية المختلفة في أربعة أسباب تقريبًا:
الأول: يقول إن الأنظمة الحالية في المنطقة تعتبر سيئة جدًا من حيث انعدام الديمقراطية علي النمط العربي, ووجود حكومات متسلطة, وانعدام الحرية بكل أشكالها, وتدهور الأوضاع الاقتدصادية, وأحادية التعليم, وعدم قدرته علي مواجهة متطلبات العصر, أو تحمل الرأي الآخر.
هذا الوضع يؤدي إلي عدم الاستقرار وإلي نمو الحركات المتطرفة والحركات الإرهابية, التي تؤدي بدورها إلي زعزعة الأمن والاستقرار العالمي, ومن هنا لا بد من تغيير هذا الوضع من خلال تغيير الأنظمة الموجودة في المنطقة, وعلي هذا فالخطة قد تكون بدايتها العراق, ثم بعد ذلك التوسع إلي دول أخري مثل: السعودية, وإيران, وسوريا, ومصر, وذلك إما عن طريق الإقناع وتسييس حكام هذه الدول وغيرها حسب الرؤية الأمريكية, أو عن طريق القوة, كما تتبع ذلك في العراق الآن.
والسبب الثاني: يقول إن هدف الولايات المتحدة هو السيطرة علي العالمين العربي والإسلامي عن طريق تغيير النظام في العراق, ثم إيجاد تحالف جديد يضم كلاً من إسرائيل وتركيا وأفغانستان, بالإضافة إلي العراق, وربما يضم دولاً أخري, وذلك من أجل إحكام السيطرة التامة علي المنطقة. أو من أجل ما هو أبعد من ذلك مثل الحديث عن تقسيم بعض دول المنطقة كالسعودية, وإجراء تغييرات جذرية علي المستويات كافة في منطقة الشرق الأوسط, بما يناسب مصالح إسرائيل.
السبب الثالث: وهو السبب المعلن ويعتبر الرسمي الذي نسمعه كثيرًا من حكومة بوش في أمريكا, وكذلك حكومة بلير في بريطانيا, يتخلص في أن حكومة صدام حسين تمثل خطرًا علي المنطقة وعلي النظام الدولي لما تملكه من أسلحة الدمار الشامل, وتحالفها مع الحركات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة كما يزعم بوش وغيره, والذي قد يؤدي إلي استخدام هذه الأسلحة بما ينطوي عليه من كوارث بشرية وبيئية إذا لم يتم إيقافه الآن, وهذا الرأي لا تعتقد به الجهات والأفراد المطلعون والمتابعون» وذلك لوجود ترسانة نووية هائلة لدي الكيان الصهيوني مثلاً, ومع ذلك لم تعترض عليه أمريكا بكلمة واحدة, بل إنها أكبر معوان للكيان الصهيوني في العالم, إلا أن الهدف من ترويج هذا السبب هو إقناع الرأي العام المشغول بالقضايا العادية.
السب الرابع: وهو الذي يشير إلي البترول, فالعراق لديه ثاني أكبر احتياط بترولي في العالم, كما أن بإمكانه زيادة إنتاجه بشكل كبير, وبالذات علي المدي الطويل (خمس سنوات وأكثر), ونظرًا إلي أن البترول سيستمر في كونه أهم مصدر للطاقة خلال السنوات العشرين المقبلة علي أقل تقدير, كما أن هناك نموًا مستمرًا للحاجة العالمية إليه, فإن سيطرة الولايات المتحدة علي البترول العراقي ستقوًّي مقدرتها علي توفير البترول بسعر رخيص من ناحية, واستمرار السيطرة علي الاقتصاد العالمي من ناحية أخري.وهذا السبب وإن كان معتبرًا, إلا أن التطورات الكبيرة في الاقتصاد العالمي, بما في ذلك التطورات الخاصة بسوق البترول وصناعته قد تقل من قيمة هذا السبب.
هذه الأسباب - تقريبًا هي التي تُتداول في الصحافة والإذاعات العالمية, وهو غالب ما يتناوله المحللون والكتاب, إلا أن هناك سببًا خامسًا للحرب لم يحصل علي ما يستحقه من تحليل, علي الرغم من أهميته, هذا العامل مبني علي البعد النفسي لتصرفات الدول, فأي دولة تتصرف بشكل عام حسب مصالحها المختلفة, إلا أن تصرفاتها تتأثر بالوضع النفسي للدولة أو قيادتها.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة - وهي القوة العظمي الوحيدة في العالم - كانت تعتقد أنها آمنة ولا يستطيع أحد أن يتجرأ عليها أو أن يخدش كبرياءها وغطرستها, أو ظنت أنها بمنأي عن أي هجوم خارجي, أو تصرف عدواني عليها, وتفاجأ بما واجهته في 11 (أيلول) سبتمبر 1002 من هجوم خارجي يكاد يكون هو الأكبر في تاريخها علي أكبر رموزها الاقتصادية والعسكرية: مركز التجارة العالمية, ووزارة الدفاع, مع الأخذ في الاعتبار أن هذا حدث خلال قمة نشوتها بعد زوال عدوها الأول والوحيد, الاتحاد السوفيتي بعشر سنوات, وبعد أن حققت نموًا اقتصاديًا كبيرًا خلال التسعينيات يعتبر الأكبر منذ عقود عدة, والذي ضمن موقعها كأكبر وأهم قوة اقتصادية في العالم, بعد سنوات من الشك والخوف خلال الثمانينيات.
وبعد هزّة 11 أيلول تصرف الرئيس بوش بشكل أكسبه تأييد دول العالم وتعاطفها, وحصل علي تأييد شعبي داخل أمريكا لم يحصل عليه عدد كبير من رؤساء أمريكا قبله. ونجحت أمريكا في غزوها لأفغانستان, إلا أن الغنيمة كانت صغيرة وفقيرة مقارنة بالأثر النفسي لأحداث 11 أيلول علي أمريكا. بالإضافة إلي أن زعيمي الحدث - كما تقول وسائل الإعلام المختلفة - أسامة بن لادن و الملا عمر لا يزالان طليقين, كما أن «القاعدة» وحركة «طالبان» استمرتا في الوجود, و هو أمر لا يقل أهمية عن خروج أمريكا من أفغانستان بـ«لا شيء», إن لم تكن تكبدت في ذلك خسائر كبيرة.
ومن هنا, فلا بد من البحث عن جائزة أثمن ونصر أكبر, وليس هناك أفضل من صدام حسين والعراق, فالعراق دولة قوية ومهمة مقارنة بأفغانستان, والعراق يمثل عقدة مستعصية للولايات المتحدة منذ حرب الخليج الثانية في عام 1990/ 1991م, ويبدو كقوة مهمة من الخارج, إلا أنه ضعيف من الداخل, والرئيس العراقي صدام حسين رجل مكروه من شعبه وجيرانه وغيرهم, ومن هنا فإن الحرب علي العراق وهزيمة حكومته الحالية وتغييرها, وربما القبض علي صدام ومحاكمته, ستمثل نصرًا للولايات المتحدة وللرئيس بوش, يخفف الأثر النفسي لصدمة 11 أيلول, وقد تم تبني مخطط الهجوم علي العراق في وقت مبكر, علي رغم عدم وضوح توقيته, وتم بناء الحملة علي العراق بشكل تدريجي خلال الأشهر العشرة الماضي, حتي وصلت إلي درجة متقدمة وبحيث يصعب في الغالب التراجع عنها, بل إن التراجع قد يمثل نكسة عظمي للرئيس بوش, تتمثل في كسر الهيبة والقوة المتبقية «للويلات» المتحدة - علي حد تعبير الدكتور سعيد إسماعيل علي - وأنها لن تصبح العظمي في العالم.
إن التركيز علي العوامل المادية البحتة, أو المصالح الوطنية المجردة, أو الخطط المستقبلية المتوقعة, وإن كان له دوره وأهميته التي لا تنكر, إلا أنه لا يعتبر كافيًا في معرفة تصرفات الدول, بل لا بد من النظر للبعد النفسي, وهذا يساعد علي إمكانية التكهن بتصرفات أمريكا في الحرب والتوقعات بعد الحرب, إضافة إلي معرفة أسباب الصراع نفسه.
هذا السبب - النفسي - يحتاج إلي تسليط الأضواء عليه أكثر وأكثر, وأن يتناوله المتخصصون من السياسيين, بمقالات ودراسات ومؤتمرات وغيرها» لأن له أهميته وخطره.

جريدة آفاق عربية العدد 603 بتاريخ: 17/04/2003م.

ليست هناك تعليقات: