الاثنين، 7 أبريل 2008

العمليات الاستشهادية وواجب المراجعة

وجهة نظر للمناقشة
العمليات الاستشهادية وواجب المراجعة
بقلم: وصفي عاشور أبو زيد
باحث بقسم الشريعة - دار العلوم
حاشايَ أن أقلل من قيمة المقاومة الصامدة ومشروعيتها, أو أشكك في كون العمليات الاستشهادية من أعظم صور الجهاد في هذا العصر. لكن مشكلتنا - كما هي عادتنا في قضايانا الفكرية والواقعية - أن ننقسم إلي فريقين: فريق أقصي اليمين, والآخر أقصي اليسار. والصواب هو المنهج الوسط والقول الوسط الذي لا يقصر أو يغالي, ولا يفرًط أو يفرًّط.. {وكذلك جعلناكم امةوسطا ..} [البقرة:143].
وقد انقسم الناس تجاه العمليات الاستشهادية إلي فريقين: فريق يحاربها ويري حرمتها الشرعية والدولية, وأنها - بزعمهم - اعتداء علي حقوق المدنيين, وإزهاق لأرواح الآمنين. وفريق آخر يري مشروعيتها في أي وقت وتحت أي ظروف, فما دام هناك وجود لإسرائيل لا ينبغي أن تتوقف ولا أن تتواري, إنما يجب أن تكون حاضرة في أي وقت لا تغيب, وقوية تحت أي ظرف لا تخبو.
وأنا مع الفريق الثاني الذي يري مشروعيتها, بل يري وجوبها وأنها من أعظم ضروب الجهاد في عصرنا الحاضر.. إن لم تكن أعظمها علي الإطلاق. لكن لي تحفظات وملاحظات علي هذه العمليات خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدت أحداثًا مروعة ومجازر وحشية في جنين ونابلس وغيرهما. فلا ينبغي أن نقوم بهذه العمليات تحت أي ظرف وفي أي وقت, إنما نتخير الوقت المناسب والمكان المناسب اللذين من خالهما نحقق أهدافنا المرصودة, ونقوم بواجبنا الذي يفرضه علينا ديننا, ثم نحظي بعد ذلك بتأييد الرأي الدولي والعربي والإسلامي.
فلم يكن هناك داعي - فيما أري - للعملية التي تمت في «ريشون لتيسيون» مساء الثلاثاء 7/5/2002م, وذلك لاعتبارات عديدة:
أولها: أنها تمت بعد أن أنهي شارون حملته المذعورة.
ثانيها: أنها تمت أثناء زيارة شارون لواشنطن, فلو افترضنا أن عند بوش تهديدات من السعودية أو غيرها من الدول العربية بعرقلة مصالحها مثلاً, فهو حريص علي مصلحة بلده في الشرق الأوسط, ومن هنا يريد أن يهدئ شارون بطريقة أو بأخري, إنقاذًا لمصالحه ومصالح بلده.
ونحن بقيامنا بهذه العمليات في هذا الظرف نعطي لكلام شارون مع بوش مصداقيته, ونتيح له الحجج الدامغة والبراهين الساطعة أمام بوش وأمام الرأي العام لما يصنعه من سفك وقتل ودمار.
وثالثها: أننا نؤلب الرأي الدولي, والرأي العربي والإسلامي أحيانًا علي المقاومة وما تقوم به من عمليات.
ورابعها: أننا نسد الباب أمام قادة العرب والمسلمين لمساعيهم - إن كانت لهم مساعي - نحو السلام الذي يتشدقون به صباح مساء, فإن كان في الباب مواربة لهم فلا ينبغي أن نسد أمامهم الأبواب ونغلقها.
إن المحلل للأحداث لا يستطيع إنكار أن عملية «نتانيا» التي تمت في أواخر مارس الماضي, والتي تمت في أحد الملاهي الليلية أثناء احتفالهم بعيد الفصح قد أعطت لشارون الذريعة والمبررات التي يقوم من خلالها بأعمال القتل والحصار والاعقال وتدمير مؤسسات السلطة وممتلكات الناس, كما دمر مخيم جنين ومناطق واسعة من نابلس, فقتل ما لا يقل عن 300 فلسطيني, وجرح قرابة 300, كما اعتقل ما يزيد علي 6000, بقي منهم 2000 حتي الآن في سجون الاحتلال يعانون أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي, كما كانت هذه العملية سببًا رئيسًيا في تنفيذ «عملية الجدار الواقي» التي زرعت القتل والدمار في شتي أنحاء الضفة الغربية.
مع الأخذ في الاعتبار رغم هذا أن شارون - كما تقول حماس - لديه مخطط قديم منذ الستينيات يقوم علي قتل أكبر قدر من الفلسطينيين وتهجيرهم, وضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية, وتدمير السلطة الفلسطينية, وفرض قيادة بديلة عميلة, وتدمير عملية السلام ونسف نتائجها علي الأرض, وشطب الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية التي تم التوصل إليها منذ عام 1993م حتي الآن, وتحطيم مقومات قيام دولتهم المستقلة... إلخ.كل هذا مأخوذ في الاعتبار, ولن يمنع هذا السفاح - أهلكه الله - من تنفيذ مخططه شيء مهما كان, ولكن علينا نحن أن نفوت عليه الفرصة وأن لا نهيئ له ما يبرر به ما يمارسه أمام الرأي العام من سفك وقتل وتدمير. فهو يتربص لأي سبب أو مبرر حتي يفرغ ما يغلي به صدره من حقد دفين فيظهر أمام الرأي الدولي بأنه المظلوم والمغلوب والمدافع عن نفسه أمام هذا الإرهاب المبين.
ومن ناحية أخري, نحن نتربص بهم كما يتربصون بنا لأدني سبب حتي نفعل المقاومة ونطلق لها لعنان. فمثلاً عندما اغتيل البطل يحيي عياش 5/1/1996م أطلقت حماس لأبطالها كل عنان, ورفعت عنها كل قيد, فأعملوا فيهم الضرب والقتل واستطاعوا أن يقتلوا منهم عددًا كبيرا. في هذه الحالة لا يستطيع أحد أن يتكلم سواء في الخارج أو الداخل» لأن الفعل له ما يبرره ويسوغه, و هو التصرف المناسب في الوقت المناسب, وإن كان حق المقاومة قائمًا أصلاً لوجود الاحتلال.
ليس معني هذا أن تظل المقاومة مكتوفة الأيدي حتي يحدث لهم حادث, أو يموت منهم أحد كي يبدءوا في تنفيذ عملياتهم. كلا... فحق المقاومة مشروع لهم ما دام هناك إسرائيل في المنطقة, لكن كل ما نطلبه هو التصرف الذكي في الوقت المناسب. ينبغي علي إخواننا هناك أن يقدروا الأمور حق قدرها - وأحسبهم كذلك - حتي لا يوقعوا أحدًا في حرج ولكي تظل القنوت العربية والإسلامية والدولية مفتوحة للدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم, كل ذلك في إطار تقدير فقه الواقع وفقه المصلحة.
والرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن يقاتل حيثما اتفق, فكان أحيانًا يسالم وأحيانًا يقاتل وأحيانًا أخري يبرم المواثيق والمعاهدات, لما كان له من إدراك لقوته وقوة عدوه, وبصر بعيد بالواقع والمصلحة, وواقعة الحديبية - التي سماها الله فتحًا - أصدق شاهد يقوم لهذا.
وفي النهاية أقول: إن أولي الناس وأقربهم لتقدير فقه الواقع وفقه المصلحة هم أصحاب القضية الأساسيون - وإن كانت القضية قضية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها - ذلك أنهم أبصر الناس بواقعهم, وأدري الناس بمصلحتهم, وأعرف الناس بقوتهم وقوة عدوهم, والموضوع مطروح للمناقشة وتبادل الرأي.

جريدة آفاق عربية العدد 558 بتاريخ: 23/05/2002م.

هناك تعليق واحد:

وصفي أبو زيد يقول...

رداً علي الأستاذ وصفي

العمليات الاستشهادية وواجب التأييد

نظرًا لما وجدناه من جريدتنا الغراء آفاق عربية من إفساح المجال للرأي والرأي الآخر إيمانًا منها بحرية الرأي أكتب هذا المقال ردًا علي مقال أ. وصفي عاشور «العمليات الاستشهادية وواجب المراجعة».. فأوضح النقاط التالية:

أولاً: القيادة الصهيونية ليست في حاجة إلي مبرر لشن هجماتها الوحشية علي الشعب الفلسطيني فالغارات اليومية علي الشعب الفلسطيني خير دليل ولا يحتاج الأمر إلي قنوات فضائية فطارق عبد الجابر يكفي.
وماذا كان المبرر للقيام بمذبحة دير ياسين وقبية وغيرهما من عشرات المذابح سوي السعي لإقامة دولة إسرائيل (أخذًا في الأعتبار أن كتائب الإخوان المسلمين لم تقم بعمليات استشهادية بالمعني الحالي وحتي لو قامت فكتائب الإخوان معظمها من خارج فلسطين).

ثانيًا: أن السلطة الفلسطينية منذ عام 91 وهي لا تزال البطل الوحيد لمسلسل التنازلات حتي أصبحت في كل اتفاق تتخلي عن جزء من أرض فلسطين فالتراب الفلسطيني لتصور السلطة نزل من 49% إلي 13% إلي 8%, بل إن السلطة قامت بإلغاء (تحرير كامل التراب الفلسطيني) من الميثاق الوطني الفلسطيني.

ثالثًا: الناظر للواقع الفلسطيني يتأكد أن خيار المقاومة والجهاد هما السبيل لتحرير فلسطين ولنري ماذا فعلت الانتفاضة (بعملياتها الاستشهادية) خلال عام ونصف العام وماذا فعلت المفاوضات علي مدار 11 سنة: لقد ألحقت الانتفاضة (بعملياتها الاستشهادية) خسائر فادحة بالاقتصاد الإسرائيلي بلغ 01 مليارات شيكل . فماذا فعلت المفاوضات? كما حققت الانتفاضة (بعملياتها الاستشهادية) مبدأ توازن الرعب «استشهاديين في مواجهة المجتمع الصهيوني مقابل الأباتشي والمدفعية في مواجهة الشعب الفلسطيني) والاستشهادي يكسب. وحققت الانتفاضة (بعملياتها الاستشهادية) تهجير عدد كبير من اليهود من داخل الكيان الصهيوني (الهجرة المضادة) بل إن أكثر كتاب مبيعًا في إسرائيل هو «كيف تحصل علي جواز سفر للخروج من إسرائيل?». فماذا حققت المفاوضات (التنازلات)?: مزيدًا من بناء المستوطنات حتي داخل الضفة الغربية وقطاع غزة.

وازدياد الهجرة إلي الكيان الصهيوني لسكن هذه المستوطنات. وطمس الأحياء الإسلامية داخل القدس الشريف ببناء الفنادق والمنازل اليهودية. وطمس قضية اللاجئين فكيف يفتح عرفات ملف عودة اللاجئين بعد أن وافق علي نفي 31 مجاهدًا من كنيسة المهد إلي دول الاتحاد الأوروبي? بل إن عودة ملف اللاجئين إلي طاولة المفاوضات أصبحت ضربًا من الخيال!!.

هناك جانب مضيء للانتفاضة (بعملياتها الاستشهادية) فقد طرحت الانتفاضة بديلاً عن المفاوضات وانتظار أمريكا التي تمسك بكل أوراق اللعبة أو 99% منها علي الأقل (وهو إمكانية أن يجاهد العرب دون انتظار لانتخابات الكونجرس الأمريكي أو الكنيست الإسرائيلي أو استيقاظ الرأي العام العالمي).

قامت الانتفاضة بفضح عملاء السلطة أثناء مذبحة جنين فقد نقلت وكالات الأنباء العالمية خبرًا مفاده أن صائب عريقات ومحمد دحلان وجبريل الرجوب كانوا يتنقلون داخل سيارات إسرائيلية أثناء مذبحة جنين وحصار مقر الرئيس عرفات (وهؤلاء نموذج ممن أدانوا عملية ريشون ليتيسيون) وسلم لي علي السلطة.
بالنسبة لنقطة المجتمع الدولي أحب أن أوضح أننا لا ننتظر نصرة المجتمع الدولي لقضية فلسطين فما المجتمع الدولي إلا أمريكا (التي تدعم إسرائيل علي طول الخط) وإنجلترا وهي من أعطت لليهود «وقد وفّت» وعدًا بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين) وروسيا وهي أول دولة في العالم تعترف بالكيان الصهيوني بعد 4 دقائق من قيامه) وفرنسا وهي التي حاكمت رجاء جارودي بتهمة التشكيك في مذابح الهولوكوست) وألمانيا وسويسرا (وهما اللتان تعطيان تعويضات عن مذابح النازية لليهود منذ الحرب العالمية الثانية ومازالتا تعطيان).

والرأي العام العالمي لا يري إلا بعين إسرائيل فهو يكيل بـ 60 مكيال ومقام دولة تيمور الشرقية ذات الـ800 ألف نسمة خير دليل, وعلي رأي الأستاذ جلال دويدار أيهما أحق بالاستقلال: فلسطين أم تيمور الشرقية? علمًا بأن عدد سكان فلسطين قبل عودة اللاجئين خمسة ملايين نسمة فماذا لو عاد اللاجئون ?

بالنسبة لفقه الواقع: فإن الفصائل الفلسطينية هي أكثر أهل الأرض فهمًا لفقه الواقع الفلسطيني ونجد ذلك ظاهرًا في إحدي الفتاوي (فكل علماء المسلمين حرموا التبني في الإسلام ولكن نجد أن جمعية نسائية إسلامية من عرب 48 خالفت هذه الفتوة نظرًا لفقه الواقع فقد وجدت هذه الجمعية أن عائلات يهودية تقوم بتبني أطفال المسلمين اليتامي من عرب 48 وتعليمهم معتقدات وموروثات يهودية مما يؤدي في النهاية إلي اعتناق الطفل للديانة اليهودية). إذن المقاومة الفلسطينية هي الوحيدة القادرة علي وقف العمليات أو استمرارها وقتما تشاء وأينما تشاء.

أخيراً: أري أن وجهة النظر التي تتبناها سيادتكم ( يا أستاذ وصفي) هي نفس وجهة النظر التي تبناها أ. نجيب ساويرس في برنامج رئيس التحرير والذي لم تتوقف رحلاته التطبيعية إلي إسرائيل في عز المجازر الوحشية للشعب الفلسطيني (حتي أن الفاصل الإعلاني لبرنامج رئيس التحرير يبشر بفتح فرع جديد لشركة أوراسكوم تليكوم في القدس الشريف ومليون في المائة بتنسيق مع السلطات الإسرائيلية).

رغم ثقتي الكاملة في دعم سيادتكم للنضال الفلسطيني وذلك لأن كل قراء آفاق عربية كذلك إلا أن وجهة نظرك تؤيد وجهة نظر الطابور الخامس من أمثال رضا هلال وأتباع جماعة كوبنهاجن. فلنؤيد العمليات الاستشهادية تأييدًا مطلقًا ما دام الاحتلال قائمًا ويكفي عداء اليهود والسلطة لهذه العمليات.. ولننصر المقاومة معنويًا.

محمد عمر
آد اب تاريخ - جامعة الإسكندرية

المعهد العالي للدراسات الإسلامية

ملحوظة: الرسول صلي الله عليه وسلم لم يعقد اتفاقًا ولا أبرم معاهدة إلا من منطلق قوة. فهل الاتفاقات التي تعقدها السلطة الفلسطينية من منطلق قوة (وعرفات لا يستطيع دخول الحمام أثناء فترة الحصار)?!.

جريدة آفاق عربية العدد 562 بتاريخ: 20/06/2002م.