السبت، 5 فبراير 2011

تحديات أمام حركة النهضة التونسية

تحديات أمام حركة النهضة التونسية
وصفي عاشور أبو زيد
كاتب مصري
Wasfy75@yahoo.com
تمر تونس اليوم بمرحلة حرجة في تاريخها ـ وتاريخ العالم العربي من ثَمَّ ـ فتقف على مفترق طرق في جميع المجالات: الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية، تتطلب معها وعيًا كبيرًا، وسعيًا دءوبًا، وائتلافًا واسعًا، وجهادًا متواصلاً.
وينظر النظام العالمي ـ الغربي، والشرقي أيضا ـ بتوجس إلى صعود إسلاميين في تونس، وإذا ذكر الإسلاميون في تونس انصرف الذهن إلى حركة النهضة التي يقودها الشيخ راشد الغنوشي، وهذا يضع الحركة أمام عدد من التحديات الصعبة، أُقسِّمها إلى تحديات داخلية وتحديات خارجية:

أولا: التحديات الداخلية:
وللحديث عن التحديات الداخلية أولوية، وتأتي أهمية وأولوية التحديات الداخلية أمام الحركة كونها لن تستطيع التحرك والتعاطي مع الواقع الجديد إلا إذا أصبح صفها الداخلي مهيأ للتعامل مع المعطيات الجديدة، المتنوعة والواسعة، والتحديات الداخلية تنقسم إلى تحديات خاصة بالحركة نفسها، وتحديات خاصة بالداخل التونسي.
ومن أهم التحديات الخاصة بالحركة نفسها:
1ـ القدرة النفسية على الانتقال من ثقافة التخفي والسرية والعمل في الأنساق المغلقة إلى الانطلاق في الفضاء المفتوح والعمل المجتمعي الواسع الذي برز وظهر بعد هروب الرئيس بن علي، ولا شك أن هذا يتطلب مرونة نفسية وحركية ليست بالقليلة، ونجاح الحركة مرهون بقدر ما تملكه من قدرة ومرونة نفسية على هذا التحول المطلوب.
2ـ القدرة على التحول من الحفاظ على تنظيم الحركة واستبقاء هيكلها في أوقات الاستبداد وحكم الفرد إلى تسخير هذا التنظيم بكل ما يملك لخدمة الوطن في ظل الانفتاح والتحرر الذي جرى لإعادة بناء الوطن سياسيا وثقافيا وأخلاقيا واجتماعيا وتعليميا، فتصير مصلحة الوطن العليا هي الأولى ثم تأتي بعد ذلك مصلحة الحركة الخاصة.
3ـ تغيير المناهج التربوية والكيفيات الإدارية بما يتناسب مع المرحلة ومقتضياتها، وهذا يتطلب قدرة فائقة على هذا التحول، كما أنه بحاجة إلى أفق واسع وإدراك عميق للمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية.
أما التحديات الخاصة بالداخل التونسي فأهمها ما يلي:
1ـ الحفاظ على أن تنسب هذه الثورة إلى الشعب دون نسبتها إلى فصيل دون آخر، أو حزب أو حركة دون أخرى، فاختطاف طرف للثورة يُقزِّمها، ويفقدها معناها، ويضيع ثمرتها وآثارها؛ فضلا عن أنه يخالف الحقيقة والواقع.
2ـ الانفتاح الفكري والسياسي على جميع فصائل المجتمع بكل أطيافه وأحزابه وتجمعاته، فلن يستطيع فصيل دون آخر بناء الوطن والحكومة والدولة التونسية، فالحرص على العمل مع الجميع يختصر الطريق أمام الجميع ويصب في المصلحة العليا للوطن سياسيا واجتماعيا.
3ـ العمل على إيجاد توافق وطني، والقدرة على التفاهم الذي يستوعب الجميع حتى لو تم التنازل عن بعض المصالح الشخصية تحقيقا للمصلحة العليا، وهذا يتطلب تجردًا وطنيًا وإسلاميًا لا يخفى.
4ـ إبراز طبيعة نظرية الحركة في التغيير والإصلاح أمام جميع فصائل المجتمع، حتى تتبدد المخاوف المحلية التي قد تنظر إليها نظرة تخرجها من الاعتدال إلى التطرف، ومن السلم إلى الإرهاب والعدوانية، لا سيما بعد الكبت والقمع لكل ما هو إسلامي في العهد البائد، وهذا يتطلب جهودا إعلامية كبيرة، وهو ليس عسيرا في ظل الانفتاح الإعلامي بوسائله المتعددة في هذا العصر.
5ـ الموازنة بين المشاركة في الحكومة القادمة وعدم المشاركة فيها، وتعديد المصالح والمفاسد المترتبة على كلٍّ، وهذا تحدٍّ يحتاج لمزيد نظر وكثير تأمل يراعى فيه الحفاظ على الأصول الوطنية، والمتغيرات الدولية.

ثانيًا: التحديات الخارجية:
وأما التحديات الخارجية؛ فهي ليست كثيرة بحجم التحديات الداخلية بنوعيها؛ إذ إن صلاح الداخل وتماسكه يؤهل الجسد لأداء الأدوار الخارجية باقتدار، ومع ذلك فإن التحديات الخارجية ليست هينة، وبخاصة في ظل النظام العالمي المعاصر، وأهم هذه التحديات ما يلي:
1ـ بذل جهود إعلامية كبيرة لإظهار المنهاج الحقيقي للحركة في الممارسة السياسية، وطريقتها في التعامل مع الأطراف المختلفة؛ لأن أنظمة الغرب ـ والشرق أيضا ـ تتصور أن الإسلام ـ أو الإسلاميين ـ يقوم منهجهم على الإقصاء والحكم باسم الله!
2ـ إبراز الفروق الكبيرة بين الدولة الدينية والدولة المدنية؛ لأن هذا أكبر فزّاعة يوظفها من أراد للتحذير من الإسلاميين؛ حيث يرون أن حكم الإسلاميين أو مشاركتهم ستكون "ثيوقراطية"، لا مكان فيه لاجتهادات أو آراء، إنما هو رأي واحد باسم الدين.
3ـ الحرص على إقامة علاقات دولية تجمع بين التواصل والتلاقي، وبين الاستقلالية وعدم التبعية في الوقت نفسه.
4ـ محاولة بذل الجهد والفكر لاستيعاب تجربة تركيا، ليس في الحكم فقط وإنما في كل مراحله المختلفة، وطريقته في التعاطي مع القضايا المختلفة داخليا وخارجيا.

أحسب أن أمام حركة النهضة التونسية تحديات كبيرة وخطيرة ينبغي استنفار كل الطاقات معها، وامتلاك القدرة النفسية والحركية على التغير الداخلي بما تقتضيه طبيعة المرحلة وطبيعة الواقع الجديد والمتغيرات المعاصرة، فهل ترى الحركة قادرة على التعامل مع هذه التحديات الجديدة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.

الأربعاء، 2 فبراير 2011

السلوك الحضاري لمتظاهري التحرير

السلوك الحضاري لمتظاهري التحرير
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@yahoo.com
لا توجد أي ألفاظ في معجم اللغة العربية ولا أشعار ولا أدباء ولا أقلام تستطيع أن تعبر عن مشهد ميدان التحرير بما فيه من مشاعر ومشاركات وتحضر وتقدير وفرحة عارمة تسود أوساط المتظاهرين وصلت لحد الزغاريد، ومشاعر الإحساس بالحرية والأمان في ظل غياب الشرطة وسيطرة الأهالي على الموقف عبر اللجان الشعبية التي استطاعت أن توفر لشعب مصر من الأمن والأمان ما عجزت وتعجز عنه الشرطة التي أطلقت يد الفاسدين والمجرمين لأعمال السطو والبلطجة وإرهاب الناس وإرعابهم، فما أن اختفت الشرطة من ميدان الشارع المصري حتى عاد الأمن والأمان للناس.
أريد أن أتوقف فقط عند مشهد واحد ومعنى واحد من مشاهد ومعاني ميدان التحرير، وهو السلوك الحضاري للمتظاهرين؛ حيث مع هذا الزحام الشديد الذي وصل أمس إلى أنك لا تكاد تجد موضع قدم خالية في الميدان وفي الشوارع المؤدية إليه حتى امتدت الحشود إلى ميدان رمسيس...أقول مع هذا الزحام الشديد مع وجود الصغار والكبار والنساء والرجال والشباب والشابات المتبرجات والمحجبات وجدنا الآتي:
1- التكاتف الشامل بين المتظاهرين جميعا وسعة الصدر التي شملت الجميع للجميع.
2- مشاعر التقدير من الصغير للكبير، وأخلاق الإكبار والاحترام من الرجال للنساء.
3- لم نسمع أو نسهد حادثة تحرش واحدة في ميدان التحرير الذي كان مكانا لهذا التحرش في المناسبات والأعياد، رغم الحشود الهائلة.
4- الشباب الجميل والشابات الرائعات الكل يحرص على نظافة المكان، فتجد النساء تحمل أكياس القمامة وتدور على المتظاهرين لتجمع منهم القمامة، وتجد الجميع يحمل قماماته في يده لا يلقيها في الأرض منتظرا من يمر عليه ليجمعها.
5- الشوارع الجانبية تطوع لها شباب واعٍ لتنظيفها، وجمع ما فيها من مخلفات.
6- تطوع كثير من الشباب بل الفتيات للتفتيش الذاتي لمن يدخلون الميدان بحثا عن المندسين والفاتنين الذي اكتشفوا منهم مع قوات الجيش الكثير والكثير وبخاصة أمس الثلاثاء الأول من فبراير 2011م.
7- تطوع الكثير من أبناء ميدان التحرير بإحضار الطعام والشراب والمشروبات، ويقومون بتوزيعها حسبة لله وحبا في الناس، بل إن عددا من أبناء مصر الموسرين تبرعوا بمبالغ كبيرة لكفالة المعيشة اليومية للمتظاهرين.
8- الوعي الكامل والمذهل للمتظاهرين فلا تنطلي عليهم إشاعة من الإشاعات، ولا يتجمعون بكثرة حول أحد المندسين ممن يريدون التخذيل والتثبيط ويعارضون المتظاهرين؛ حيث يتركونه بلا معارضة ولا جدال منصرفين إلى حيث التظاهر والاحتجاج والتركيز على المطالب المقصودة.
9- التصميم والإصرار على إبقاء سقف المطالب عاليا مهما طلع رئيس الجمهورية وقدم تنازلات عبر تصريحات أو بيانات أو تكليفات أو حتى كلمات يلقيها على شعبه، ورفض الجميع الحوار مع النظام إلا بعد رحيل الرئيس.
10- التلاحم المعجب والمذهل بين جميع الموجودين في الميدان بلا نعرات ولا تحزب ولا انكفاء على الذات بل الجميع منفتح على الجميع، والكل يسعى لتحقيق أهداف محددة ومطالب معينة علتْ على كل الانتماءات والآفاق الضيقة والحسابات المحدودة.
إنني مهما كتبت عن السلوك الحضاري لمتظاهري ميدان التحرير ـ وهو مشهد واحد وملمح واحد من ملامحه ومشاهده التي لا تحصى ـ فلن أستطيع أن أنقل ما في مشاعري ولا ما في نفسي، ليس راءٍ كمن سمع.
إن العالم كله يرقب اليوم ميدان التحرير بمشاعر متباينة، فالحكومات العربية تهرول إلى إحداث إصلاحات وتغييرات عاجلة، وتُهرَع إلى تعديلات فاصلة في الحياة السياسية والدستورية، والحكومات الغربية تتابع بقلق خوفا من رحيل النظام المصري ومجيء بآخرين لا يعرف مدى تجاوبهم مع أمريكا وإسرائيل، والشعوب المقهورة في كل مكان تتابع بفرحة عارمة، ويتنمرون لحكامهم يضعونهم بين خيارين: إما الرحيل، وإما الحياة الكريمة.
إن إصلاح العالم العربي والإسلامي سينطلق من ميدان التحرير، وإن كان لتونس فضل السبق وإطلاق الشرارة، لكن مصر ليست تونس، وتونس ليست مصر، وواجب الوقت علينا في ميدان التحرير ألا ننتقل من الفصل الثاني إلا بعد الانتهاء من الفصل الأول تماما، وهو رحيل هذا النظام بشكل كامل؛ لأننا لو تحدثنا عما بعد ذلك لن نُنهي الفصل الأول من المشهد ولا الفصل الثاني، ونكون كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كالمنبتّ، لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى". والله أكبر ... ولله الحمد.

الحلول الجزئية لن تغني شيئا

الحلول الجزئية لن تغني شيئا
وصفي عاشور أبو زيد
Wasfy75@yahoo.com
انتفض الشعب المصري بكل أطيافه، شبابا وكهولا، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، أحزابا وحركات، انتفاضة هي حصاد عقود من الجوع، والفقر، والاستبداد، والاحتكار، والجهل، والمرض، والتعذيب، وانعدام الأمن، والتزوير، والفساد الشامل، والسلب والنهب، فما لا يزيد عن 5% يملك ثروة لا يملكها 95%.
إن المشهد الذي نراه اليوم في مصر ليس وليد الفيسبوك ولا وليد الشباب الذي انتفض، وإنْ مثَّل ذلك الشرارة الأولى، وإنما هو حصاد عقود من الاستبداد والفساد والاعتقال والمحاكمات العسكرية وإهدار أحكام القضاء، وحرمان الشعب من حقوقه الأساسية، حتى طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، فما كانت إلا انتفاضة عارمة وانفجار شعبي كبير يصعب استيعابه أو وقفه إلا بتحقيق مطالبه.
إن خطاب الرئيس المصري جاء مخيبا للآمال، ثم التغييرات الشكلية التي أحدثها كانت على نفس الشاكلة وأكثر، ولن يتزحزح الشعب المصري حتى تتحقق مطالبه جميعا.
لو كانت التغييرات الشكلية جاءت قبل يوم الثلاثاء 25 يناير كان يمكن للشعب أن يقبل بها على مضض، ولكن بعد عشرات الشهداء ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين لن تضيع هذه التضحيات سدى، وستشعل الثورة أكثر، وتزيد الشعب إصرارا ومضاء واستمرار، ولن نستطيع حصار الفتنة والانفلات الأمني إلا برحيل النظام كاملا، وفي مقدمته رأس هذا النظام.
إن حوادث السرقة والنهب التي أطلقتها قوات الشرطة ورجال الحزب الوطني عبر إطلاق "بلطجية" الانتخابات من السجون وأصحاب السوابق ـ لن تنطلي على أبناء الشعب المصري الذي أدرك أن هذا النظام الفاجر يريد أن يؤدب الشعب على ثورته حتى يرجع إلى النظام مستجيرا ومستغيثا.
إن الثورة التي قامت كانت من أجل رفض حكم العسكر، فلا يمكن قبول تعيين نائب للرئيس من العسكر، ورئيس وزراء من العسكر كذلك، وأصدق ما ينطبق على تعيين النائب ورئيس الحكومة قول من قال: "أعطى من لا يملك من لا يستحق".
لقد آن الأوان للشعب المصري أن يحقق ما يريد، وأن يخط مستقبله بيده بعيدا عن أمريكا وإسرائيل، وإذا نطقت الشعوب فالكلمة كلمتها والرأي رأيها، ولن يستطيع أحد كائنا من كان أن يلتفّ على مطالب الشعب وقراراته الواضحة.
إن الرأي العام الأمريكي والأوربي وكذلك الرأي الرسمي غير واضح تماما، فيه تلكؤ وتباطؤ وحيرة، يفسرها أنهم بين مطرقة الثورة الشعبية، وسندان المجيء بإسلاميين في مصر، ولهذا لا يوجد رأي واحد ينحاز إلى النظام أو إلى الشعب.
إن مصر لها مكانتها التي لا تخفى: سياسيا وجغرافيا واجتماعيا، وأي تغيير سيحدث في مصر لابد أن ينسحب على الوطن العربي كله...هكذا أنبأنا التاريخ.
ليس هناك من حل للقضاء على ذلك إلا رحيل النظام تماما، ثم تشكل حكومة إنقاذ من كل أطياف المجتمع المصري، ويحل مجلس الشعب ومجلس الشورى، وتقوم لجنة حكماء من كبار القانونيين والوطنيين في مصر لصياغة دستور جديد يضمن الحريات والمواطنة والعيش الكريم.
أما هذه الحلول الشكلية فلن تزيد الأمر إلا سوءا، والفتنة إلا اتساعا، والشهداء إلا كثرة، والانفلات الأمني إلا انتشارا، والسرقة والنهب إلا ازديادا وضرواة... وقى الله مصر وأبناءها شر الفتن، وحقن الدماء وحفظ الأرواح... آمين.