الثلاثاء، 24 فبراير 2009

الحركة الإسلامية ومناهجها التربوية

الحركة الإسلامية ومناهجها التربوية

وصفي عاشور أبو زيد
يشهد واقعنا المعاصر بأن الحركات الإسلامية تساهم بنصيب وافر في إيقاظ الأمة وتحريض الشعوب على الصدع بكلمة الحق، وتعليمها الإسلام بكماله وجماله وشموله وخلوده، ومن رحم هذه الحركات ـ وبخاصة حركة الإخوان المسلمون ـ تخرَّج علماء ومفكرون وباحثون في كل المجالات ساهموا بشكل ملحوظ في حركة التجديد الفقهي والعلمي والحركي والدعوي، وكان لهم باع كبير في نهضة الأمة.

وما من شك في أن المناهج الثقافية والتربوية التي تدرَّس لهذه الحركات هي المعين الذي يتربى عليه الناشئة، وينشأ فيه ـ ضمن من ينشأ ـ شباب الباحثين الذين تعلق عليهم آمال عراض للحركة والأمة، ويؤمل فيهم أن يكونوا علماء ودعاة المستقبل.
ومن المعروف أن لكل شريحة من المنتمين لهذه الحركات مناهج تليق بهم وتتماشى معهم، ولكل مرحلة تربوية كذلك، مثلما يبدأ المتفقه بصغار العلم قبل كباره ، وبالمختصرات قبل المطولات، فكذلك المنتمي لهذه الحركات.

وهذه المناهج يجب أن تخضع للفحص والتقويم، والمراجعة والتقييم؛ لاعتبارات متعددة ومتنوعة، أهمها:

1ـ تغير العصر وتطور الأوضاع بما يوجب النظر في المناهج لمواكبة هذه التغيرات، ويستوعب تلك المستجدات، سواء كانت على مستوى الأفراد، أو التخصصات، أو الواقع.
2ـ تغير الأجيال البشرية وتفاوتها: قوة وضعفا، ثقافة وجهلا، يقظة وغفلة؛ بفعل ضعف الأجيال، وفعل التحكم الحياتي فيها.
3ـ أن هذه المناهج ليست وحيا بل من وضع بشر، ومن ثم فهي قابلة للتطوير والأخذ والرد والتصويب والتخطيء.
4ـ أن الحركة الناجحة والمتطورة هي التي تراجع نفسها في كل شيء، وفي المقدمة المناهج الثقافية التي تربي عليها أعضاءها، فمن لم ينقد نفسه أو يطور منها أو يراجعها يتراجع ويمسي في مؤخرة القاطرة، إن كانت القاطرة تقبله في مؤخرتها.

وفي تقديري أن تطوير المناهج الثقافية والتربوية للحركة الإسلامية له أبعاد، ولكل بعد منها اعتبارات وضوابط يجب أن تراعى، وهي: واضعو المناهج، والمناهج نفسها، والأعضاء:

البعد الأول: واضعو المناهج:
لا يصح أن يقوم على وضع المناهج أو تقويمها وتقييمها وتطويرها الأكاديميون الذين يكون شغلهم الشاغل في معالجة العلوم بين الكتب والأوراق وهم منبتو الصلة عن حياة الحركة وواقع الأمة.
وكذلك لا يصح أن يقوم على ذلك الحركيون الذين تتركز اهتماماتهم في الحركة والتنظيم والعمل الإداري، ولا نصيب لهم من التخصصات المختلفة التي يستخلص منها مناهج تدرس لأبناء الحركة.
بل المتصور أن يقوم على هذا الأمر الخطير متخصصون لهم باع معتبر في تخصصهم، وفي الوقت نفسه مشاركون ومنهمكون في العمل الحركي والدعوي، أصحاب أفق واسع، وعقلية مرنة، واستيعاب شامل، ولديهم بصيرة وفراسة بمجريات الأمور، ولهم اطلاع وإدراك لتحديات الحركة وواقع الأمة.
ذلك؛ أن الأكاديمي وحسب سيضع مناهج أكاديمية ليس فيها الصبغة الحركية، ولا يستخلص منها دروس وعبر دعوية تنير الدرب وتضيء السبيل، وأن الحركي التنظيمي الذي ليس له من العلم والتخصص نصيب سيضع مناهج حركية خواء من العلم والتخصص، ومن ثم ستؤدي بالأعضاء إلى البدع والضلال، ويتعرضون بها للتسطيح والتشويه والتفريغ من المضمون.

البعد الثاني: المناهج نفسها:
وفيما يخص المناهج نفسها فينبغي أن تكون:
1ـ مجملة في كل تخصص وشاملة ومستوعبة، تختصر ما لا يستحق التطويل والبسط، إلا ما تدعو الضرورة إلى بسطه، وتبسط وتطيل فيما هو من صلب المادة ومتطلبات المرحلة.
2ـ مراعية للتطورات والمستجدات العصرية، ومستوعبة لطبيعة الواقع حتى لا نغرد خارج السرب، ولا نصرخ في واد أو ننفخ في رماد.
3ـ مناسبة للجيل المعاصر بما لا يعمل على تشويهه أو تفريغه من المضمون، ولا يهمل الأصول التي يجب أن تدرس في كل علم أو أي مادة.
4ـ أن تخضع هذه المناهج للتقييم والتقويم في ضوء الأهداف الموضوعة لتحقيقها: هل حققت أهدافها في الأعضاء؟ هل استوعبت متغيرات العصر؟ هل لبَّت حاجات الأفراد؟ هل أثمرت ثمرتها المرجوة في واقعها المعيش؟ وهكذا.
ولا أرى أن تخضع هذه المناهج للتقويم والتقييم كل فترة زمنية محددة، بل يترك هذا الأمر إلى ما يتطلبه من تغيرات عصرية، وتطورات واقعية، وتحديات حركية؛ بحيث تكون هناك مرونة للاستيعاب الشامل.
5ـ أن تعالج هذه المناهج المفاهيم التي سادت خطأ: مثل تقديم مصلحة التنظيم على مصلحة الأمة، أو أن يصير التنظيم هدفا وهو في الأصل وسيلة، أو تكريس مفهوم السمع والطاعة دون فهم واستيعاب يؤديان إلى الحركة الواعية والدعوة الراشدة، وتجنب الأخطاء الواردة، أو تقديس القادة والمسئولين لدرجة تجعلهم فوق المراجعة والنقد، ولكن تعيد الأمور إلى نصابها؛ بحيث يخضع الجميع للمراجعة في ضوء آداب النصيحة، وإعطاء كل ذي حق حقه.
6ـ أن تُسْتَقى هذه المناهج من كافة المشارب العلمية والاتجاهات الحركية قديما وحديثا، ما دامت ستحقق أهدافنا المرجوة، ولا نقتصر على عالم بشخصه، أو تيار بعينه، أو زمن فلا نتعداه، أو كتاب في تخص معين فلا نتخطاه، بل الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
ولا يخفى ما في هذا المسلك من وسيلة فعالة في العمل على التفاهم بين الحركات العاملة، وتقارب وجهات النظر، ومعرفة الحق فنتعاون عليه، ومعرفة الباطل فنتكاتف ضده، ومعرفة مناطق الخلاف فتعاذر فيها ونتحاور حولها بالحكمة والموعظة الحسنة.

البعد الثالث: الأعضاء:
والبعد الثالث والأخير في هذه المنظومة هو العضو أو المُرَبَّى، الذي ننشئه على هذه الثقافة، ونربيه على تلك المفاهيم، فينبغي أن يراعي إزاءه عدة أمور:
1ـ أن تراعى المرحلة التي يمر بها؛ فلا يدرُس مناهج فوق طاقته، أو يكلف بأعمال ليست في وسعه.
2ـ ألا يوضع في مستوى ثقافي أقل منه فيُحبَط، أو أعلى منه فيَهبِط، بل يكون في مستوى يتناسب مع حالته الثقافية والتربوية، مما يكون له الأثر في اتساقه مع ذاته، ونموه بشكل طبيعي دون إفراط ولا تفريط.
3ـ أن يراعى في القائد أو المسئول عن الأعضاء المستوى الثقافي والتربوي والرباني، فلا يكون أقل منهم ثقافيا وعلميا وتربويا وإيمانيا؛ حتى تؤتي العملية التربوية أكلها، وتثمر ثمارها، ونتجنب المشكلات التي يمكن أن يتمخض عنها تدني مستوى المسئول عمن حوله علميا وربانيا.

إذا راعينا هذه الأبعاد الثلاثة، واجتهدنا في اعتبار ما فيها من ضوابط وجوانب، أعتقد أننا سنكون أقرب إلى الفعل الحضاري الإيجابي، والإفادة من تراثنا القديم والانتفاع بإنتاجنا المعاصر، والوعي بطبيعة واقعنا وتحديات المرحلة التي نحياها، مستشرفين المستقبل الذي نرنوه ونسعى إلى تحقيقه. والله الموفق.

وصفي عاشور أبو زيد
غرة شهر المحرم الحرام 1430هـ

هناك تعليق واحد: