الاثنين، 7 أبريل 2008

لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير

لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير

بقلم/ وصفي عاشور أبو زيد
باحث في العلوم الشرعيةلم أتمالك نفسي عندما سمعت خبر استشهاد شيخ المجاهدين, وحامل لواء الجهاد, ورمز العزة والكرامة للأمة العربية والإسلامية الشيخ أحمد ياسين, بل انسابت دموعي دون أن أشعر مترحمًا عليه طالبًا من الله أن يتقبله شهيدًا. ووجدتني أتلو قول الله تعالي : {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرونّ بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [آل عمران: 169- 170 ].وهكذا تمضي قافلة الشهداء التي يصطفيها الله تعالي حيث الحياة الأبدية, والفرح والاستبشار والرضا الدائم والنعيم المقيم.إنها عملية تدل علي غباء محكم متأصل في رأس شارون وجنوده بكل المقاييس الشرعية, والبراهين الإنسانية, والحجج القانونية المحلية والدولية. وذلك أن الشيخ ياسين لم يكن سوي رمز للجهاد, وأب روحي للمجاهدين, بلغ من الكبر عتيا, وكان علي حافة القبر, لكن الله يأبي إلا أن يختم لهذا البطل حياته بهذه الخاتمة التي تسجل دلالات عديدة في هذا الصدد:أولاها: أن الرجل كان في كل تصريح يطلب من الله الشهادة غير خائف ولا وجل ولا مختبئ, ولم لا وهو الذي أرسي دعائم الجهاد المعاصر? إنه صدق الله فصدقه الله, ومن يسأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء ولو مات علي فراشه, ومن ثم فلا ينبغي أن نحزن عليه أبدًا, بل نفرح» لأنه لم يمت فهو حي عند الله يرزق.ثانيتها: علي الرغم من أنه طاعن في السن, ومقعد لا ساق له تحمله - ورأسه في الثريا- إلا أنه يذهب بكرسيه إلي صلاة الفجر في المسجد, وهو ما لا يفعله كثير من شباب الحركة الإسلامية اليوم وهم بكامل الصحة والعافية, وهذه هي روح الشهداء وأخلاق الشهداء, ولقد كنت كلما رأيت الشيخ ياسين علي كرسيه أقول في نفسي: من أراد أن ينظر إلي أخلاق الشهيد وروحه فلينظر إلي هذا الرجل.ثالثتها: أن هذه العملية سيكون لها الأثر الأعظم في نفوس فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة, حيث التجمع والتوحد والاحتشاد جميعًا تحت راية واحدة, وقد سمعنا بشائر ذلك حينما صرحت كتائب شهداء الأقصي فور اغتيال الرجل: إن اغتيال الشيخ أحمد ياسين هو اغتيال للرئيس ياسر عرفات.رابعتها: سوف تتحول الأرض إلي نيران وزلازل وبراكين وجحيم تحت أقدام السفاحين وقتلة الأنبياء وناقضي العهود, ولن تهدأ ثائرة الصادقين في كل العالم إلا برؤية رأس شارون إربًا إربًا, كما توعدت كل فصائل الجهاد, بل كما صرح رئيس الوزراء الفلسطيني نفسه أحمد قريع, مما يخلع عليهم الرعب والفزع والهلع أكثر مما هم فيه.خامستها: هذه العملية الجبانة واللا إنسانية بكل المقاييس قد أثبتت للعالم كله- وحكام العرب في المقدمة - بما لا يدع مجالاً لأدني شك, أن اليهود لا خلاق لهم, ولا عهد لهم, ولا أمان لهم, وأن دعاوي السلام والمفاوضات كلها زائفة قد تبخرت تمامًا, ولا ينفع إلا إعلاء راية الجهاد داخليًا وخارجيًا.سادستها: أن شارون أثبت أنه أكفأ وأقوي من حكام العرب والمسلمين جميعًا» لأنه يقتل بلا حساب ويغتال بلا مراجعة, يده مطلقة لا تقييد عليها, ولا سلطان, مرتكنًا إلي السياسات الأمريكية التي تحميه وتؤيده, ولا أدل علي ذلك من تصريح وزارة الخارجية الأمريكية الذي صدر عقب اغتيال الشيخ ودعوتها للفلسطينيين والإسرائيليين بضبط النفس, ولم تكلف نفسها أن تدين الحادث ولو تلميحًا.سابعتها: أثبت هذا الحادث أن علي الحكام العرب والمسلمين أن يتحركوا تحركًا إيجابيًا قبل أن تطالهم يد شارون والأمريكان, وقبل أن تنفجر الشعوب فلا تستطيع السيطرة عليها, وقبل أن تحدث حالة من الانفلات الأمني يهلك فيها الحرث والنسل.ثامنتها: هذه العملية سوف تجعل العالم كله- موافقًا ومخالفًا للانتفاضة- متفهمًا ومقدرًا لأي رد مهما بلغ حده علي هذه العملية حتي لو كان برأس شارون ومن حوله, وبالتالي فقد فتحت الباب علي مصراعيه لتُفرغ حركات الجهاد طاقاتها, وتُعٍمل الضرب والقتل والتدمير بكل ما يمكن, وبأقصي ما تستطيع.تاسعها: لعلها تعيد حكام العرب إلي صوابهم, وتحمل بعضهم - كأضعف الإيمان- علي مقاطعة السفارات الأمريكية والإسرائيلية وطرد السفراء من كل بلد انتقامًا لدم الشيخ, الذي تساقط فرحًا بلقاء ربه, وشاكيًا إخلاد حكام العرب إلي الكراسي والمناصب, وتركهم للجهاد في سبيله.لكل هذه الاعتبارات والدلالات نقول- بكل ثقة - إن هذا الحادث ليس شرًا أبدًا إنما هو خير علي كل الأصعدة وعلي كل المستويات, وسوف يفجر دم الشيخ ياسين بركان الثورة, ويكون لعنة علي قاتليه, ولن تتوقف الانتفاضة باستشهاده, بل هي ماضية في طريقها قدمًا إلي حيث ما رسم لها الله تعالي: إما النصر وإما الشهادة, ونسأل الله أن يلحقنا بالشيخ ياسين علي خير, وألا يحرمنا أجره ولا يفتنا بعده, ويغفر لنا وله, وإنا لله وإنا إليه راجعون, وإليه المشتكي.

جريدة آفاق عربية، عدد 652، بتاريخ 8/4/2004م.

ليست هناك تعليقات: