الاثنين، 7 أبريل 2008

ملحمة العبور الخالدة .. والموعد الحقيقي للاحتفال

ملحمة العبور الخالدة .. والموعد الحقيقي للاحتفال
بقلم: وصفي عاشور أبو زيد
باحث في العلوم الشرعية
درج أغلب الكتاب -ومنهم كثير من الإسلاميين- علي ربط الحرب الرمضانية 1393هـ بشهر أكتوبر 1973م, حتي إنهم إذا أرادوا الكتابة في مناسبتها كتبوا في شهر أكتوبر ولم يكتبوا في شهر رمضان. والحق أن هذه الحرب لم يكن لأكتوبر دخل فيها, إنما الذي صنعها من البدء حتي الختام هو رمضان» ذلك حين هبت رياح الصيام, وظهرت قوة الإرادة, وتسابق الصائمون علي الشهادة, وتعالت صيحات الله أكبر.
في هذا اليوم - كما يروي الأستاذ محمود اليماني -الضابط السابق في القوات المسلحة, والحاصل علي العديد من الجوائز الشرفية, في كتابه «بطولات علي رمال سيناء»- تحركت جحافل القوات المسلحة المسلمة المصرية لتحقيق الهدف, والوفاء بالعهد الذي قطعته علي نفسها في أعقاب ما تم في يونيو الحزين من عام 1967م, حيث عبرت أعتي الموانع الطبيعية والصناعية سواء قناة السويس أو السواتر الترابية غربًا وشرقًا إضافة إلي الحصون التي بناها العدو علي طول الضفة الشرقية للقناة من جنوب بورسعيد شمالاً إلي عيون موسي جنوبًا, وهي ما سميت في ذلك الحين بخط بارليف الحصين نسبة إلي حاييم بارليف -رئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الوقت - والتي أحيطت بنطاقات ألغام يصعب اختراقها, إضافة إلي خزانات النابالم الحارق الموجهة فوهاتها صوب مياه قناة السويس لتحويلها إلي نار متصلة تحرق من يحاول عبور قناة السويس!! رغم هذه التجهيزات استطاع مقاتلونا الأبطال أن يعبروا ويجتازوا كل هذه الموانع وأسقطوا في مياه القناة خلفهم وإلي الأبد أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
اجتازوا السواتر والحصون ونطاقات الألغام بجسارة وجرأة وشجاعة غير مسبوقة في تاريخ الحروب, ولا نبالغ أبدًا عندما نقول إن القوات المسلحة المصرية حققت أهدافها في العبور خلال ست ساعات, وأقامت رءوس كباريها علي الشاطئ الشرقي للقناة وعلي طول المواجهة التي بلغت حوالي 85كم, وهي أيضًا مواجهة غير مسبوقة في تاريخ الحروب, فلقد قرأنا كثيرًا عن الحرب العالمية الأولي والحرب العالمية الثانية, حتي حرب فيتنام فلم نجد أن هناك جيشًا قد خاض حربًا في مواجهة كهذه أو واجه عوائق وموانع كما واجهناها. لكنها الإرادة القوية والعزيمة الفتية التي نفثها في روعهم الصيام ورمضان, فلم تمض ساعات قلائل حتي كانت لقواتنا المنتصرة السيطرة الكاملة علي ساحة المعركة ذات المواجهة غير المسبوقة في تاريخ الحروب, فلم يقف أمام عزيمة الرجال أي حصون أو موانع وأصبح كل ذلك كما ذكرت خلال ساعات بلا فاعلية حتي أنابيب النابالم تم إبطال مفعولها بالضفادع البشرية المصرية, وقد استيقظ العالم مذهولاً بها ومنبهرًا بالأداء القتالي المصري البطولي, والذي أسقط خلفه وفي مياه قناة السويس كل النظريات, سواء التي طرحها العدو أو خبراء الاستراتيجية العسكرية العالميون, والذين تحولوا اليوم إلي 360 درجة, فهم اليوم يقومون بتدريس حرب أكتوبر ونتائجها الاستراتيجية في معاهد الحرب العليا العالمية باعتباره عملاً بطوليًا فريدًا, وفي ظل مسرح عمليات معقد.
إضافة إلي ما قام به مواطنو سيناء بصفة عامة ومجاهدوها بصفة خاصة» فمنذ اليوم الأول للاحتلال ووفقًا لخطة القوات المسلحة قامت منظمة سيناء العربية من خلال المخابرات الحربية المصرية والتي تضم نخبة من أبناء سيناء ذوي لياقة بدنية عالية وخبرة بالمسالك والدروب لتنفيذ مهام القوات المسلحة خلف خطوط العدو بإقامة شبكات لاسلكية للوقوف علي أخبار العدو أولاً بأول, كما أنه من بين مهام المنظمة القيام بعمليات إزعاج مستمر لقوات العدو وعمليات فدائية مستمرة استهدفت قواته الثابتة والمتحركة وذات التأمين المعقد كمقار المخابرات العسكرية والحكام العسكريين.
وهناك تقرير عسكري نشرته المجلة العسكرية للقوات المسلحة عام 1974م ذكر أن كثيرًا من الطيارين المصريين حققوا ما بين 6 و7 طلعات في اليوم الواحد متخطين الرقم القياسي المعروف في العام وهو من3 إلي 4 طلعات والذي تباهت به إسرائيل. ودامت بعض المعارك الجوية خاصة تلك التي تركزت حول بورسعيد ما يقرب من خمسين دقيقة رغم أن الزمن التقليدي لأي اشتباك لا يزيد علي 7 إلي 10 دقائق وانخفضت المدة اللازمة لإعادة تزويد الطائرة الواحدة بالوقود والذخيرة إلي 6 دقائق, وكان الرقيم القياسي الذي تشدقت به إسرائيل عام 67 هو 8 دقائق. وكان تدمير الدبابة الواحدة في جداول التدمير النظرية يستلزم من 2 إلي 3 هجمات طائرة, غير أن نسور القوات الجوية المصرية حققوا تدمير أكثر من دبابة في هجمة واحدة, كما حققت التشكيلات أرقامًا قياسية في عدد الطلعات خلال أيام قليلة, فأحد الألوية الجوية أنجز 2500 طلعة خلال 7 أيام وآخر قام بعدد 3400 طلعة خلال 3 أسابيع وثالث تجاوز 5000 طلعة خلال 8 أسابيع, وفي معركة جوية قوامها 80 طائرة معادية تقريبًا أسقط طيار مصري واحد خمس طائرات فانتوم وهو يهتف باللاسلكي «الله أكبر». ومن شهادة لقائد إسرائيلي يدعي صموئيل جويسكي -وكان هو قائد جبهة سيناء خلال الحرب- يقول: «كان الجندي المصري يتقدم موجات تلو موجات, وكنا نطلق عليه النار وهو متقدم ويحيل من حوله إلي جحيم ويظل يتقدم, كان لون القناة قانيًا بلون الدم ورغم ذلك ظل يتقدم».أما الجنرال حاييم بارليف فقد قال: «إن المصريين والسوريين قد دخلوا هذه الحرب بأسلحة جديدة وكميات هائلة لم تحسن المخابرات الإسرائيلية تقديرها» ولهذا وقعت المفاجأة».
فهل بعد هذا كله نحتفل بهذه المناسبة في غير موعدها الحقيقي, وننسب المعركة إلي شهر أكتوبر الذي لم يكن السبب في قليل ولا كثير منها?!!

جريدة آفاق عربية العدد 632 بتاريخ: 06/11/2003م.

ليست هناك تعليقات: