الخميس، 9 أغسطس 2007

عتاب لأبو الفتوح بشأن قطب وقميحة.


.وصفي عاشور أبو زيد
جريدة : المصريون
نشرت صحيفة "أخبار الأدب" المصرية في عددها الصادر بتاريخ 18/12/2005. تحقيقا عن زيارة مجموعة من الأدباء للأديب العالمي الأستاذ نجيب محفوظ احتفالا بعيد ميلاده، واحتفل بالمقالة موقع إسلام أون لاين. نت، فنشرها في صفحة "ثقافة وفن" بتاريخ: 21/12/2005م، وكان من بين الحاضرين، والذي تصدر في اللقاء، القيادي الإخواني الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وتحول اللقاء من حفل للأديب الكبير إلى حوار حول "الفوبيا" التي استحوذت على المثقفين تجاه مواقف حركة الإخوان من الثقافة والفن الأمر الذي أثاره فوز الإخوان الأخير بعدد كبير من مقاعد مجلس الشعب.

وكان من بين الكلام الجيد الذي ذكره الدكتور أبو الفتوح تقريره أن الإخوان جزء من المسلمين، ورفضه رفضا قاطعا أن يكون الإخوان محتكرين للإسلام، أو أن تكون معهم الحقيقة المطلقة بحيث من وافقهم فهو على الصواب ومن خالفهم فهو على الخطأ، وأن الإخوان ليسوا أوصياء على الإسلام.


وأثناء الحوار أيضا أعلن رفضه لقيام دولة دينية، أو حزب ديني يكون الحاكم فيه رجال الدين، بل دولة مدنية أو حزب مدني ذو مرجعية إسلامية يحتكم إلى الدستور الذي يقرر أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وقال: "يجب ألا يُحاسَب أحد على كونه شيوعيا، قد ترفضها، ولكن يجب ألا تقصيني لكوني شيوعيا أو إسلاميا، أو قوميا، لا يجوز من باب احترام حريات البشر أن تقصيهم بسبب فكرهم". وأكد أن "الإسلام الذي قبل التعددية الفقهية أولى به أن يقبل التعددية السياسية التي هي أهم في حياة البشر من التعددية الفقهية".

وهذا بلا شك كلام لا يختلف فيه أحد، بل كان كلاما مُطَمْئِنًا إلى حد كبير للمثقفين الذين حضروا هذا الحفل بالرغم من إبدائهم مخاوفهم أن يكون هذا هو رأيا فرديا لأبو الفتوح وليس رأيا تتبناه الجماعة، خاصة أن الدورة البرلمانية الماضية قدم الإخوان فيها عددا من الاستجوابات تخص الثقافة والفن والإعلام.

وقبل هذه الإيجابيات لابد أن أمتدح زيارة أبو الفتوح لمحفوظ؛ لأنها خطوة جريئة في التواصل مع الآخرين، وهي سياسة جيدة لتبديد المخاوف تجاه الإخوان، خاصة أن الأستاذ نجيب محفوظ من الشخصيات التي عليها علامات استفهام كثيرة عند كثير من التيارات الإسلامية.


ولكن ما آلمني هنا فيما ذكره الدكتور أبو الفتوح ـ وهو مرجعية إخوانية مرموقة ـ وأريد أن أسجل عتابي له عليه، كلامه عن شهيد الإسلام الأستاذ سيد قطب، والكلام الذي وصفه به ضمن إجابته على سؤال الروائي المعروف الأستاذ يوسف القعيد حول سيد قطب ومعالم في الطريق، فرد الدكتور أبو الفتوح أننا لا يصح أن نؤاخذ سيد قطب بما قاله بعد دخوله السجن واصفا حالته وقتها بـ "حالة مَرَضية"!! وزاد موضحا: "وأنا كطبيب لا يمكن أن أؤاخذ إنسانا في حالة مرضية على تصرفاته. وأتذكر ـ والكلام له ـ أنني في (79) كنت أجري عملية فتح خراج لمريض، فقام بصفعي على وجهي، لا يمكن أن أغضب أو ألوم هذا المريض على ما فعل".


ثم قال مؤكدا: "التعذيب الذي تعرض له سيد قطب جعله في حالة مرضية، وأنا لا أبرر ما كتبه، ولكن التعذيب الذي تعرض له جعله غاضبا من المجتمع كله، وفي ظل التعذيب لا يستطع الإنسان أن يمتلك من الرشد والحكمة ما يجعله يلتمس العذر للشعب. ومع ذلك ما كتبه قطب في "معالم على الطريق" وما خطه أحيانا في كتابه "في ظلال القرآن" يختلف عما كتبه بعد ذلك بعد 54، ويختلف عما كتبه الإمام البنا، ويتحمله سيد قطب وليس له علاقة بفكر الجماعة".

وآلمني أيضا بدرجة لا تقل عما سبق ما وصف به أدب الأديب الداعية الدكتور جابر قميحة وحكم على شعره قائلا: "أنا ضد ما يكتبه جابر قميحة من شعر، وكتاباته ليس لها علاقة بالفن أو الثقافة"!!!.

وكان هذا إجابة على سؤال سأله أيضا يوسف القعيد مفاده: أن هناك جريدتين تنتميان إلى جماعة الإخوان هما "آفاق عربية" و"الأسرة العربية" وصفحات الفن والثقافة منهما ليس لهما علاقة بالفن والأدب، وأضاف القعيد أن أبو الفتوح نفسه سيتهم بالكفر والزندقة إذا قال ما قال في هاتين الجريدتين.
وأضاف أبو الفتوح أن "هذه الصفحات وصلت إلى ما هي عليه بسبب عزوف بعض المثقفين عن الكتابة والنشر في هذه الجرائد".

وأريد أن أوجه عتابي ولومي الشديدين للدكتور أبو الفتوح في نقاط محددة:
أولا: كيف يحكم على رجل في وزن سيد قطب هذا الحكم القاسي الذي يخالف الحقيقة ويسيء إلى الرجل بغير حق، وما معنى وصف حالته بالـ "مرضية"؟ إن لهذا الوصف دلالات وأثارا خطيرة على مستويات عدة، يكفي أن معناه رفض كل ما كتبه سيد قطب بعد انتسابه لجماعة الإخوان وتحديدا ما بعد عام 1954م، وتبرؤ الجماعة منه، وهو وحده المسئول عن فكره لا الجماعة، فهل ما كتبه سيد قطب في كتبه الفكرية التي تنضح بالإبداع الفكري والجدة الفلسفية والفهم السامق لشريعة الله ـ في كتبه: المستقبل لهذا الدين، وهذا الدين، وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته، وفي التاريخ فكرة ومنهاج، كل هذا يرفض ويلغي ويتحفظ عليه في رأيك يا دكتور!!!.
ولا مانع أيضا ـ في رأي الدكتور أبو الفتوح ـ من أن ينسحب هذا الحكم على كل كتاب كتبه صاحبه في السجن، ابتداء بما أملاه الإمام الحنفي العظيم "السرخسي" في كتابه: "المبسوط" المكون من ثلاثين جزءا، والذي يعتبر مرجعا أساسيا عند الأحناف، وما كتبه الإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، ومن المعاصرين الشيخ سعيد حوى الذي كتب: "الأساس في التفسير" والشيخ الغماري المغربي الذي كتب بعض كتبه في سجون مصر، والشيخ عبد الستار فتح الله سعيد الذي كتب رائعته للدكتوراه: "المنهاج القرآني في التشريع" في السجن أيضا، والشيخ يوسف القرضاوي الذي كتب كتابه الفريد، أو إن شئت فقل موسوعته عن "فقه الزكاة" في السجن أيضا، كل هذا لا يصح أن نؤاخذهم عليه لأنهم كانوا في حالة مرضية، كالمريض الذي صفعه على وجهه حين كان يجري له جراحة.
الرجل الذي كان يحمل رأسا كله فكر في شريعة الله أصبح اليوم ـ في رأي أبو الفتوح ـ في حالة مرضية لا يمكن أن نطمئن لما كتبه أو أن تكون حركة الإخوان مسئولة عنه بل يتحمله سيد قطب كاملا، مع أن السجين ـ وقد جرب أبو الفتوح ذلك ـ يمكنه أن يبدع وأن يكتب ما لا يمكن أبدا أن يتاح له خارج السجن، ويتبدى له من مساحات الفكر والرؤى ما لا يمكن أن يبدو له خارجه أبدا، وهذا ما حدث مع سيد قطب وغيره من المؤلفين السجونيين.

ثانيا: ثم يصف "في ظلال القرآن" بأنه خواطر وليس تفسيرا، وربما نتفق معه في أن الأجزاء الأولى من القرآن أعاد تنقيحها، لكن لا ليغير فيها الأفكار والآراء، ولكن لينقح ويراجع ما كتبه مثل أي كاتب يراجع وينقح، ولم يمهل القدر مفسرنا الملهم حتى يتم مراجعة باقي الأجزاء، وهي عشرون تقريبا، ولذلك يلحظ القارئ الفرق بين الأجزاء العشرة الأولى وبين باقي الظلال، حيث إنك يمكن أن تطلق على ما نقحه وراجعه تفسيرا لا يخلو من ظلال، وما سواه ظلالا لا تخلو من تفسير، ومع ذلك فإن تفسير سيد قطب مدرسة متميزة متفردة ذات منهج غير مسبوق في تنزيل هدايات القرآن الكريم على الواقع وعلى حياة الناس، ويعتبر ـ بحق ـ إضافة حقيقية في مجال التفسير؛ حيث أضاف لمحاولات من سبقوه وبنى عليها، وسمعت أستاذنا الدكتور محمد إبراهيم شريف أستاذ التفسير بقسم الشريعة بكلية دار العلوم يقول عام 1998م ونحن في التمهيدية للماجستير: "إن تفسير سيد قطب هو آخر تفسير إلى الآن أضاف جديدا لمجال تفسير القرآن"، ومع أن الكلمة تحمل إطلاقا لا يليق بالبحث العلمي فإن لها دلالات لا تنكر وقد خرجت من رجل متخصص، وقد أعجبتني كلمات قالها الخطيب المفوه الشيخ عبد الحميد كشك وهو يتحدث عن قطب وتفسيره: "كنت أود أن ألقى ذلك الرجل العملاق الذي فسر القرآن تفسيرا كأنه يتنزل عليه من السماء".

ثالثا: قوله عن د. جابر قميحة ـ ذلك الرجل الخلوق ـ : "أنا ضد ما يكتبه جابر قميحة من شعر، وكتاباته ليس لها علاقة بالفن أو الثقافة". أقول له من حقك يا دكتور أن تكون مع أو ضد أي فكر، وهذا ما يكفله الإسلام لأي رأي أو أي فكر، وكذلك الدستور والقانون، أما أن تحكم على إبداع الرجل بأنه ليس له علاقة بالفن أو الثقافة، فهذا لا يصح ولا يجوز أن يخرج عن مثلك أبدا، لأنك لست من أهل هذا الشأن، وأَعلمُ أن جماعة الإخوان تحترم التخصص وترجع إلى المتخصصين سواء من داخل الجماعة أو خارجها في أي مجال، فكيف يبيح د. أبو الفتوح لنفسه أن ينصب نفسه حاكما على تفسير الشهيد سيد قطب، ويحكم عليه وعلى حالته بأنها مرضية، ويتحفظ ـ بالتالي ـ على كل ما كتبه الرجل فترة سجنه، ثم يتدخل في الأدب والشعر والفن فيحكم على أدب وشعر رجل في وزن الأديب الدكتور جابر قميحة بأنه لا علاقة له بالفن أو الثقافة، مع أن القعيد لم يذكر جابر قميحة بذاته، ولكن ذَكَر ضعف الصفحات الفنية والأدبية في صحافة الإخوان، وكان من الممكن أن يتكلم الدكتور أبو الفتوح عن الطريق الصحيحة لتقوية هذه الصفحات دون أن يذكر الرجل أو يقدح فيه بهذا الشكل المزري، ومع ذلك فإن الدكتور جابر قميحة قد جعل قلمه الحر، وشعره ـ بصرف النظر عن قيمته الفنية ـ وقفًا لخدمة الدعوة، ونصرة دين الله.

رابعا: أعتقد أن الدكتور أبو الفتوح قد جاوز غرسه حينما تكلم في مجالات ليست في مجال تخصصه، وفي رجال لم يقدر إبداعهم حق قدره، وكان يمكن للدكتور أن يترك المتخصصين حتى من أبناء الجماعة أو من غيرها أن يدلوا بدلوهم في هذه القضية، وغيرها من القضايا، كل في مجال تخصصه، أو إن لم يكن هناك متخصصون في الجماعة في هذه المجالات فليعلن ذلك، وساعتها سيكون موضع احترام من الجميع.
خامسا: ليس معنى ذلك أن سيد قطب أو جابر قميحة أو غيرهما فوق المراجعة أو فوق النقد، فلم يقل أحد ذلك يوما، ولم يقله عنهم أحد ممن تربوا على إبداعهم، بل الكل بشر يخطئ ويصيب ويؤخذ من كلامه ويرد، لكن ينبغي أن تكون المراجعة والنقد من أهل الفن والتخصص، لا أن يحكم أهل الطب والحركة والسياسة على كل علم وكل فن، وقد قال القرآن: "فاسأل به خبيرا"، "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".

ليس هذا ما ذكره فقط الدكتور أبو الفتوح، بل ذكر ما يدين جيل ما قبل السبعينيات في جماعة الإخوان بشكل غير مباشر حينما قال في إشارة إلى أن جيل السبعينيات هو الجيل الذي يتعامل مع المجتمع ويختلط به ليرد بذلك على من قال ليس هذا الفكر المستنير معبرا عن فكر الجماعة، فقال: "إن معظم الأجيال التي ظهرت بعد السبعينيات تحمل هذا الفكر الجديد...ويجب ألا نؤاخذ الإخوان على فترة التغييب، حينما غاب الإخوان في الخمسينيات والستينيات انتصر الفكر البدوي وساد...الإخوان أصبحوا الآن يمثلون الفكرة الإسلامية الوسطية المعتدلة التي تعتمد العمل السلمي لتحقيق أهدافها في التغيير".

وهذا الكلام فيه قدح للجيل الذي ضحى بعمره وشبابه في سجون ناصر، وأنه جيل منغلق لا يتعامل مع المجتمع، وأن منهاجه في التغيير هو منهاج غير سلمي، وبسبب غياب هذا الجيل انتشر الفكر البدوي، وهذا غمط ـ من ناحية أخرى ـ لجهود العلماء الأفذاذ الذين كانوا خارج السجن وقتها يبشرون بالإسلام السمح الوسطي أمثال الشيخ الغزالي والشيخ السيد سابق والشيخ أبو زهرة والشيخ شلتوت والدكتور محمد يوسف موسى وغيرهم.

ليس هذا فحسب بل قرر أن الرسالة التي يحملها لمحفوظ من الإخوان أنها: "تحمل لك الإعزار والتقدير، وتعتبر أن النجاح النسبي الذي حققوه في الانتخابات نتيجة لفضل محفوظ على مصر كلها، بنشره الاستنارة والاعتدال في كتاباته ورواياته"!!!!.
وقال له في مقام آخر: ""هذا حدث بفضل الكتاب الشرفاء أمثالك، وهم الذين علمونا هذا اللين والاعتدال". !!!! ولا تعليق.

أعتقد أن الهجمة التي تواجهها حركة الإخوان بعد نجاحهم في الوصول لمجلس الشعب الآن، والاتهامات الموجهة لهم في مجالات عديدة مثل: القبول بالآخر وتداول السلطة، والثقافة والفن، والأقباط، والمرأة، وغير ذلك من ملفات، لا ينبغي ـ بل لا يجوز ـ أن تحمل بعضهم بشكل فردي ـ فضلا عن الجماعي ـ على تصريحات أو سلوكيات تخالف الحقائق، أو تهز الثوابت وتسيء للبعض، في محاولة لإظهار الجماعة بمظهر "متطور" و"مستنير" حتى تُبدَّدَ مخاوف المثقفين وغير المثقفين، فالثوابت ثوابت، والمتغيرات متغيرات، وإذا بددنا مخاوف المثقفين بهذه الطريقة المفَرِّطة، انفتحت علينا جبهات أخرى ومخاوف أخرى من تيارات أخرى، فاتباع الحق والوسط يريح المسلم، وقديما قالوا: رضا الناس غاية لا تدرك، وقال الشاعر: إذا رضيت عني كرام عشيرتي فلا زال غضبانا علي لئامها.
انتظرت طويلا حتى كتابة هذه السطور بعد مرور أكثر من أسبوع على ما نشر أن يصدر بيان عن الدكتور أبو الفتوح لينفي هذا الكلام أو يوضحه، فربما حرفه الصحفي أو فهمه فهما غير كامل، وهذا يحدث كثيرا في عمل الصحافة، لكن ذلك لم يحدث، ما يؤكد صحة نسبته إليه، فأردت أن أعاتبه هذا العتاب الذي أود أن يجد صدره مفتوحا ومستوعبا، وهو فاعل إن شاء الله، والحق أحق أن يتبع.

ليست هناك تعليقات: